Menu

انعكاسات معركة طوفان الأقصى على اقتصاد العدو الصهيوني

فهمي الكتوت

"كتب أ. فهمي الكتوت"

احتلت  الملحمة البطولية لحركة المقاومة الفلسطينية؛ اهتمام العالم أجمع، ووضعت القضية الفلسطينية في سلم أولويات الرأي العام العالمي، تمكنت من حشد تضامن شعبي من أرجاء المعمورة لإحياء القضية الفلسطينية، وتركت بصماتها على الصراع العربي- الصهيوني، بفضل الدور البطولي لحركة المقاومة الفلسطينية، التي سطرت أروع عملية قتالية لم يشهدها العدو الصهيوني من قبل، في اقتحام المستوطنات وتكبيد قواته المتوغلة في قطاع غزة خسائر فادحة، كما وقف محور المقاومة في (لبنان و العراق واليمن) بدور الإسناد بشجاعة في مواجهة قوات الاحتلال.

تميز موقف الشعب الفلسطيني بالصمود الأسطوري، والانتصار العسكري، الذي شكل واقعا جديدا على صعيد الصراع مع العدو الصهيوني، ووفر مناخا أفضل من أجل تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة وتقرير المصير.  كشفت المعركة عن المشاركة المباشرة لقوات الناتو، في حرب الإبادة كما أظهرت تخاذل وتواطؤ وتآمر النظام العربي.   
  
لا يعكس اقتصاد الكيان الصهيوني نموذجا لتطور اقتصاد طبيعي، ليس له خصائص قوانين التطور الاجتماعي، الانتقال من مجتمع بسيط إلى مجتمع معقد؛ أو من تشكيلة اقتصادية اجتماعية إلى اخرى. عبر تطور تدريجي بطيء على فترات زمنية طويلة، حيث يؤدي التطور الاجتماعي إلى حدوث العديد من التغييرات، اعتمادا على الحركة الدائمة الذاتية في المجتمع الذي يتطور وفق قوانين الديالكتيك، (وحدة وصراع الأضداد)، و(التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير نوعي).

تشكل المجتمع الصهيوني من مهاجرين، تم استقدامهم من أصقاع الأرض إلى فلسطين، إذ أن أحد أهم عناصر الإنتاج التي ارتكز عليها اقتصاد العدو، الأرض الفلسطينية التي اقتلع أهلها منها بقوة السلاح ليصبحوا لاجئين في أكثر من سبعين دولة في العالم ، ونحن نتحدث هنا عن كيان مصطنع ليس له جذور اقتصادية أو تاريخية في فلسطين، نشأت نواته مع سايكس بيكو ووعد بلفور. 

تضخم الاقتصاد الصهيوني بشكل يفوق قدرات دولة بحجم الكيان، كما تضخمت القدرات العسكرية بفضل المساعدات الأجنبية، فقد ضخت الولايات المتحدة 260 مليار دولار للكيان الصهيوني؛ لبناء أضخم ترسانة عسكرية في المنطقة، كما ضخت رؤوس الأموال للاستثمار في مختلف جوانب الاقتصاد.

لا نقلل من أهمية استدراج كفاءات علمية من الدول المتقدمة، وخاصة من شرق أوروبا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، بتحريض وتشجيع من الحركة الصهيونية ، وتقديم التسهيلات للمهاجرين اليهود على حساب ممتلكات الشعب العربي الفلسطيني، مستفيدين من إنهاء حالة الحرب مع مصر والتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد، ومن ثم أوسلو ووادي عربة، وانعقاد المؤتمرات السياسية والاقتصادية، تمهيدا لاختراق الاقتصادات العربية والهيمنة على ثرواتها. 

أبرز الجوانب الاقتصادية للكيان الصهيوني: 

-     بلغ الناتج المحلي الإجمالي للكيان الصهيوني 525 مليار دولار في سنة 2022، ويعتبر أكبر من الاقتصاد المصري الذي يبلغ 469 مليار دولار.

-    القطاع الصناعي من أهم القطاعات الاقتصادية لدى العدو، الذي يشكّل نحو18.1% من الناتج المحلي الإجمالي وتقدر قيمته (78.6 مليار دولار) ويشكل هذا القطاع نحو 48.3% من إجمالي الصادرات، ويشغل 400 ألف عامل وموظف. تراجعت استثمارات هذا القطاع بنسبة 50% بسبب الحرب. 

-    تسبب إخلاء منطقة غلاف غزة وشمال فلسطين بخسارة العدو، نحو 30% من الزراعة .

-    شارف قطاع البناء على الانهيار، بعد إغلاق 50% من مشروعات البناء الذي يعاني من نقص العمالة الذي يقدر نحو 140 ألف عامل .

-     توقف قطاع السياحة منذ السابع من اكتوبر، علما أن دخل السياحة السنوي نحو 3.8 مليار دولار.

-    تراجع التجارة الدولية في البحر الأحمر، بسبب تصدي اليمن الشقيق للبواخر المتجهة إلى ميناء ام الرشراش، في الوقت الذي نجح العدو في تأمين احتجاجاته من السلع؛ عبر جسر بري من موانئ دولة الامارات مرورا في الأراضي السعودية والأردنية. 

-     تراجع العجز التجاري  إلى 31 مليار دولار، نتيجة التراجع في كل من الصادرات والواردات.

-    توقف 760 ألف عامل عن العمل، ما يعادل 18% من القوة العاملة. 

-    استدعاء حكومة نتنياهو 350 ألف جندي احتياط، وهو أكبر عدد في تاريخ الكيان.

-    بدأت الصادرات العسكرية في العقد الأخير تتفوق على الواردات.

-    تقدر تكلفة  الحرب على العدو  أكثر من 58 مليار دولار. 

      موازنة الكيان الصهيوني:

-    بلغت موازنة العدو (نحو 140 مليار دولار) لسنة 2024، بزيادة قدرها 10 مليار دولار مقارنة مع 2023 .

-    بلغ الدين العام نحو 300 مليار دولار، عام 2023 بنسبة 62% من الناتج المحلي.

-    قيمة الإنفاق العسكري حوالي 23.4 مليار دولار في 2022، وتشكل 4.5% من الناتج المحلي.

-    من المتوقع انكماش اقتصاد العدو الصهيوني بنسبة 11% من الناتج المحلي مع تصاعد الحرب.

لقد بقيت المقاومة سيدة الموقف حتى آخر لحظة، فرضت إرادتها على العدو الذي زُرع لحماية مصالح الاحتكارات الرأسمالية ، حيث  كشفت المعركة الأخيرة؛ أن هذا العدو غير قادر على حماية نفسه، فالكيان الصهيوني قائم على ركائز خارجية، لا تمت بصلة إلى بنية مجتمع تطور تاريخيا وفق قوانين علم الاجتماع، وليس لديه تاريخ أو حضارة في فلسطين ، فهو جسم غريب مصطنع، احتلال استيطاني.

الركيزة الأولى: ترسانة عسكرية وجيش قوي مسلح بأحدث الأسلحة في الإقليم، سقط وفشل في حماية نفسه، حيث هرعت أساطيل الناتو لحمايته ، وأكدت حركة المقاومة الفلسطينية على صحة المقولة الشهيرة أن العدو لا يحتمل حرب طويلة الأمد، رغم الجسر الجوي الذي أمنه حلف الناتو، والأساطيل والبوارج المحيطة في الكيان، وتوفير مستلزمات القتل والدمار، فهو يعيش أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية وأخلاقية ناهيك أن  الصهاينة  في الكيان ،  يعيشون حالة هلع، يعانون من حالة الانكسار، التي مستهم، خاصة سكان المستوطنات الحدودية، الذين تم نقلهم إلى الفنادق وأماكن الإيواء.  

الركيزة الثانية: الدعم الخارجي اللا محدود من الامبريالية العالمية، لحماية مصالحها في المنطقة، لحرمان حركة التحرر العربي من إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، وتحقيق المشروع العربي النهضوي التحرري الديمقراطي الوحدوي ، حيث  فتحت هذه المعركة تساؤلات من أوساط واسعة في أميركا؛ إلى متى سنستمر بضخ المليارات "لإسرائيل"، خاصة بعد فشل مراهنة العدو على تصفية المقاومة.   

الركيزة الثالثة: ما يسمى ب ، "أرض الميعاد"؛ بمعنى أنّ "إسرائيل" وليدة "الوعد الإلهي" بالمفهوم الديني- الإيديولوجي، في المجتمع الصهيوني التوراتي، التي جرى تسويقها منذ نشوء المشروع الصهيوني ، حيث لم تعد هذه النظرية جاذبة أو متماسكة، بعد الانقسام الحاد في المجتمع الصهيوني، بين المتدينين والليبراليين حول "تقويض دور القضاء"، وانكشاف هشاشة المجتمع الصهيوني وعدم تجانسه، والتمييز العنصري بين اليهود أنفسهم، إضافة إلى أثر الركيزتين الأولى والثانية على تعميق أزمة الكيان الصهيوني ، ومن ثم  فإن تداعيات الركائز الثلاث تشكل مقدمات موضوعية لنهاية الكيان الصهيوني. 

 أهمية دور الجماهير في مقاومة التطبيع والتصدي للمعتدين  

نجح الشعب الأردني بشكل ملموس، في مقاطعة الشركات التي تدعم العدو الصهيوني لدرجة أن معظم المطاعم والشركات الداعمة للعدو؛ توقفت عن العمل منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة.  والجدير بالذكر أن الجهات الرسمية فرضت أشكال من التطبيع القسري، بعد توقيع اتفاقية الغاز مع العدو حيث ارتفعت قيمة التجارة من 76 مليون دولار عام 2019 إلى887 مليون دولار عام 2022 منهم 765 مليون دولار مستوردات، وستواصل ارتفاعها مع صفقة الماء مقابل الكهرباء، وتحويل شريان الاقتصاد الأردني إلى رهينة لدى العدو الصهيوني.

إن مقاومة التطبيع سلاح هام ينبغي تعميمه على أرجاء الوطن العربي والدول المحبة للسلام، وشعوب الأرض الذين انتفضوا بمسيرات شعبية واسعة في مواجهة حرب الإبادة، على أن تصبح إحدى مهام حركة التحرر العربي، لإضعاف قوات الاحتلال ومعاقبة الجهات الممولة، وإعادة الاعتبار لثقافة المقاومة في مواجهة نهج الاستسلام والتفريط، ومواجهة تهافت النظام العربي على "التطبيع" مع الكيان الصهيوني الذي انفلت بشكل غير مسبوق منذ عام 2021 بعد إطلاق ما عرف ب (اتفاقيات إبراهيم) حيث ارتفعت نسبة التجارة مع العدو إلى 234 %. 

إن التحديات التي تواجه الأمة تستدعي استنهاض حركة التحرر العربي للقيام بدورها في التصدي للسياسات العدوانية الصهيونية التوسعية بمشاركة دول حلف الناتو،  وقد بات الخطر يهدد الوطن العربي عامة وليس فلسطين وحدها. 

إن حركة التحرر العربي التي خاضت نضالا وطنيا يُشهد له في معركة الاستقلال الوطني، فقدت بريقها لأسباب متعددة لا يمكن اختزالها في الجوانب الذاتية فقط، فإن تقهقر الاستعمار القديم، ووصول أنظمة الحكم في عدد من الأقطار العربية، إلى صيغ تصالحية مع الدول الامبريالية على حساب قضايا مبدئية سواء كانت سياسية أو اجتماعية، لوجود ثغرات خطيرة في بنيتها وسياساتها استثمرتها الفئات الطفيلية التي نشأت وترعرعت في ظل غياب الشفافية والديمقراطية واتساع مظاهر الفساد، وما رافقها من سياسات بوليسية وحملات اعتقال وتنكيل ، استهدفت الكوادر الحزبية اليسارية والقومية بالتحالف مع الدوائر الاستعمارية، مما شكل مناخا سياسيا كافية لمصادرة الحريات العامة وتزوير إرادة الشعب وإضعاف الحياة الحزبية.

ثمة ضرورة لإجراء مراجعة موضوعية لطبيعة المرحلة في المنطقة العربية، بعد انتشار القواعد العسكرية الأميركية خاصة، ودول حلف الناتو عامة، ومشاركة العدو الصهيوني في احتلال قطاع غزة وشن حرب الإبادة والتهجير للشعب الفلسطيني، ورضوخ النظام العربي للشروط الأميركية – الصهيونية. لقد بات من أولى مهام حركة التحرر الوطني؛ النضال ضد القواعد العسكرية الأجنبية وفي المقدمة الوجود الصهيوني في فلسطين، واتخاذ خطوات ملموسة نحو التنسيق والتعاون المشترك بين فصائل التحرر الوطني، وتفعيل دور الجماهير الشعبية من العمال والفلاحين والمزارعين والمهنيين والمثقفين عامة، من أجل فك التبعية والتحرر الوطني، وتحقيق الديموقراطية السياسية والاجتماعية، وإنجاز مهمات الثورة الوطنية الديموقراطية.