Menu

نهاية المشروع الصهيوني وتنامي المشروع الوطني الفلسطيني (الجزء الخامس عشر)

غسان ابو نجم

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب غسان أبو نجم*

 

لعب الإعلام دوراً هاماً وخطيراً في تزييف وعي الجماهير العربية وتولى أخطر دور في معمعان هذه الفوضى في التحضير والتحريض لتمرير أي موقف أو سياسة ما. فالمعركة تدور رحاها بعيداً عن المشاهد أو المستمع. ويتولى الإعلام نقل تفاصيلها، وهنا بالضبط يلعب الإعلاميون الدور الخطير والمهم في توصيل وتوصيف مجرياتها فيكون إما إعلاماً صادقاً أو كاذباً أو موجهاً.

لقد خلصت العديد من الدراسات العربية والعالمية أن الثورات العربية المزعومة إبان عصر الربيع العربي هي ثورات تلفزيونية فضائية بامتياز لعبت فيها قنوات عربية وعالمية دور البطل الثوري والقائد الموجه للحراكات وهذا الاستنتاج لا ينفي بأي حال من الأحوال دور الجماهير على الأرض وإنما يشير بوضوح للدور الموجه والمحرض الذي لعبته هذه القنوات في توجيه هذه الجماهير الغاضبة ولعبت بذلك دور الحزب القائد لهذه الجماهير وهذه النتيجة بتقديري ملفتة للانتباه وتستدعي من الباحثين والمختصين درسها والوقوف على أهميتها.

وكما أشرت سابقاً فإن هذا الدور الإعلامي جاء ضمن رؤيا وتصور واضح لمهندسي الربيع العربي. وهو أن تكون هذه الحراكات والثورات المزعومة بدون قيادة حزبية موجهة لها وبلا آيدلوجية واضحة ليبقى القرار والتوجيه بيد هؤلاء المهندسين في غرف عملياتهم في قطر وأضحت قناة الجزيرة وبطلها عزمي بشارة هي الموجه الحقيقي لهذه الحراكات وهذا ما أكده برنار ليفي الصهيوني ومن بعده عزمي بشارة.

إن هذه المقدمة كانت ضرورية للتدليل على حجم الدمار الذي ألحقته هذه الماكنية الإعلامية في تمرير المخطط الإمبريالي الصهيوني في تقسيم الوطن العربي وإعادة تقسيمه وتحويل بلدان عربية إلى جثث هامدة تتناهشها عصابات مسلحة جهوية مناطقية، ليبيا مثلاً وبلدان أخرى ترزح تحت خط الفقر الاقتصادي وتقف على حافة الإفلاس مثل مصر وأخرى تديرها أجهزة وأحزاب يرأسها البنتاغون وجهاز المخابرات الأميركية كتونس وأُدخلت اليمن في دوامة من الصراع الطائفي المناطقي وجلبت إلى سوريا كل مرتزقة العالم وأجهزة مخابراتها عاثت دماراً وخراباً في الوطن السوري وأعادت زيادة إلحاق دول الخليج إلى الإمبريالية العالمية وضمنت بعدم قدرة العراق على تجاوز أزمته الاقتصادية والطائفية.

هذا هو المشهد العام للوطن العربي وهذا ما ألحقه الربيع العربي المزعوم في بلدانه وهذا ما خطط له مهندسي هذا الربيع وما روج له إعلام الربيع العربي وقناة الجزيرة التي أدارها عزمي بشارة.

في ظل هذا الوضع المزري والمهين لهذه البلدان العربية أصبح من الطبيعي جداً الانتقال إلى المرحلة الثانية من مخطط الشرق الأوسط الجديد بعد ضمان نجاح المرحلة الأولى وهذا المخطط هو دخول الكيان الصهيوني العلني إلى جسم الأمة العربية وتطبيع علاقته مع بلدان عربية جديدة بعد أن كان طبع مع مصر بعد كامب ديفيد ومع الأردن في اتفاقات وادي عربة ومع السلطة الفلسطينية في أوسلو ودخلت قطر مركز مهندسي التطبيع بعلاقات اقتصادية واسعة وتلاها الإمارات العربية المتحدة عبر التنسيق العسكري والأمني وإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع سلاح الجو الصهيوني وأرسلت السعودية وفوداً اقتصادية وغير اقتصادية للكيان الصهيوني عدا عن الدور الأمني الخطير الذي تلعبه مخابرات العدو الصهيوني في السودان وليبيا.

لم يكن التطبيع الرسمي هو ما يخطط له مهندسو الربيع العربي فقط فهذا الأمر أصبح تحصيل حاصل بعد ما آلت إليه أحوال هذه البلدان كما أشرنا سالفاً إنما الأمر الهام والضروري هو التطبيع الشعبي مع الكيان المغتصب وهذه مهمة خطيرة جداً تحتاج إلى التخطيط الدقيق لها.

لقد تولى عزمي بشارة بوصفه المنفذ لسياسات مرؤوسيه في تولي توجيه الدفة الإعلامية هذه المهمة التي ارتكزت على عاملين مهمين:

الأول: نشر وتعميم ثقافة التطبيع في أوساط الجماهير العربية وجعلها ثقافة مقبولة شعبياً.

الثاني، ولتنفيذ العامل الأول: نشر وتأسيس مراكز ومؤسسات محلية ومدنية مهمتها التواصل مع المجتمعات المحلية مع التركيز على الجيل الشاب.

يعلم مهندسو التطبيع وأهمهم عزمي بشارة وبحكم خبرة اكتسبها أكاديمياً وعملياً عبر عمله في معهد فان لير الصهيوني في القدس المحتلة، طرق تعبئة وتوجيه وقياس الرأي العام وبفضل الإمكانات المادية الضخمة التي وضعت تحت تصرفه من قبل مرؤوسيه استطاع تأسيس العديد من مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية مثل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر وله عدة أفرع في بلدان عربية كتونس إضافة إلى تأسيس قناة تلفزيونية فضائية بديلة في دورها لقناة الجزيرة التي احترق دورها وانشاء مجلة العربي الجديد. جميع هذه المؤسسات تحمل هدفاُ استراتيجياً أساسياً هو جعل ثقافة الهزيمة والتطبيع هي الثقافة المسيطرة والسائدة في عقول الشباب العرب الذين فقدوا الثقة بالأنظمة القائمة والمعارضة التقليدية السائدة وأن الحل يكمن في خلق مفاهيم جديدة تقوم على الانفتاح والتعايش مع المجتمعات والثقافات الأخرى وتوجيه هذه العقول إلى أن الحروب والصراعات أصبحت غير مجدية وأن شعارات القومية والتحرير أصبحت مستهلكة.

ولقد جهد عزمي بشارة عبر العشرات بل المئات من الندوات والمؤتمرات واللقاءات التلفزيونية الفضائية في تعميم توجهاته وتشكيل جيل من المؤيدين له بل ودفعهم إلى صياغة هذه التوجهات عبر صرخات ورؤى تعلن فيها رفضها للوضع القائم وطرح فكره الجديد في التعايش بين الثقافات والمجتمعات وسخر للعديد منهم في العديد من المواقع الإمكانات المالية الضخمة ليتصدروا المشهد السياسي كممثلين لشعوبهم والمشاركة في ندوات ومؤتمرات يطرحون توجهاتهم ورؤاهم بقصد احتلال موقع لهم بوصفهم الفكر الجديد للعربي الجديد.

إن ما نشهده اليوم في الساحة الفلسطينية من محاولات للبعض الذين تأثروا إن لم نقل ارتبطوا بتوجهات مهندسي التطبيع في رفض الحال، السلطة الفلسطينية كجهاز حاكم ورفض الفصائل الفلسطينية من يمينها ليسارها وطرح صرخات ورؤى يعلنون فيها هذا التوجه وحمل أفكارهم وصرخاتهم ورؤاهم إلى مؤتمرات وفعاليات عربية وعالمية بوصفهم الجيل الجديد والممثلين الفعليين للشعب الفلسطيني لهو ترجمة عملية لهذا النهج.

 

إن ما لعبه وما يلعبه عرابو هذا النهج ورغم الإمكانات المهولة التي سخرت خدمته لم يستطع أن يعمم ثقافة الهزيمة والقبول بالتعايش والانبطاح للأجنبي لا عسكرياً ولا سياسياً ولا اقتصادياً وجوبِهَ بالرفض الشعبي على كافة المحاور والمستويات وطُرِدَ وحوصِرَ منظروه في معظم بلدان العالم العربي. ففي تونس طُرد عزمي بشارة وطردت وفود حاولت التسلل إلى المؤتمر القومي العربي وقوطعت منتجات الاحتلال في معظم هذه الدول. ولم يتم تسويق هذا النهج إلا في بعض مشيخات الكاز والغاز.

 يتبع...

 

*كاتب فلسطيني