Menu

اسرائيل سؤال السياسة وسط الإنكشاف..!

أكرم عطا الله

"كتب أكرم عطالله" 

" اسرائيل غير قادرة على حماية نفسها " هكذا استنتجت الولايات المتحدة الأميركية الراعي والضامن للدولة التي تنفق عليها لسبعة عقود ونصف ما يمكن من إنشاء أقوى منظومات الأمن في الكون لكنها ترنحت يوم السابع من أكتوبر في سابقة هي الاولى أن تهتز دولة بهذا القدر أمام قوة محلية وزاد انكشاف اسرائيل أن تلك القوة تتعرض للحصار والمراقبة منذ سبعة عشر عاما يقطع عليها كل طرق امدادات السلاح بل وأيضا شنت اسرائيل عدد من الحروب عليها لتضرب تلك القوة المحدودة ومخازن سلاحها أكثر من مرة .

كانت الحرب المتوحشة التي شنتها على قطاع غزة تعبيرا عن فقدان الثقة بالنفس والشعور الناتج عن الرجة العنيفة التي تعرضت لها مستخدمة كل ما امتلكت من قوة وجسرا بحريا وجوياً أميركيا لتقوم بعملية إبادة ساحقة لكل أشكال الحياة بغزة لأن الأمر بالنسبة لها وصل إلى مرحلة الشعار القديم إما نحن أو هم وهي تمتلك من العنف ما لا تمتلكه دولة في المنطقة وكان الثمن على الفلسطينيين في غزة فادحا .

تجريف غزة هذا ما أرادته اسرائيل من حربها المسعورة لا تريد أن ترى فلسطينيا في هذه المنطقة بعد مستغلة ثلاثة عوامل توفرت لها لن تتكرر أبدأ أولها توفر لحظة الضحية التي ولدها صور المدنيين في الكيبوتسات التي تم اقتحامها ، والثاني تشكل رأي عام رسمي من قادة وحكومات العالم يعطي الضوء الأخضر لكل ما تفعله في غزة من إبادة وثالثها تواجد القوات الأميركية التي تضمن لحظة اتساع المعركة وتحرك أطراف يستفزها لون وحجم الدم بغزة فإن تواجد حاملات الطائرات الأميركية يشكل ضمانة وبطاقة إئتمان لإستمرار حرق غزة وقد فعلت بأقصى طاقتها ليجد الغزيين أنفسهم في العراء متناثرين في خيام بمدينة رفح الحدودية .

لم تكن من قبيل المصادفات أن يتم حشر الناس في رفح الحدودية مع مصر إلا لهدف دفعهم نحو سيناء وقد أكد ذلك عديد من السياسيين وتصريحات لوزراء في حكومة نتنياهو ولم تقتصر الامر على ايتمار بن غفير وبتسليل سموتريتش بل تجاوزتها إلى وزراء الليكود ومراكز دراسات قدمت تصورها وما تسرب عن وزارة الإستخبارات الإسرائيلية من مشروع تهجير تم نقاشه في واشنطن كل تلك لم تترك مجالا للشك بالمشروع الإسرائيلي الذي يعمل على إزاحة غزة مستغلا اللحظة التي نشأت .

ولكن مع حجم الدمار الهائل في غزة وأخطره ضرب المجتمع الفلسطيني وخلق حالة الإنفلات كأساس لمشروعها لكنها على الجانب الآخر لم تسلم من حرب بدا أن لديها كل ممكنات القوة التدميرية لكن تداعيات تلك الحرب على اسرائيل لم تكن أقل ضراوة فقد كشفت الحرب اسرائيل دولة متوحشة ترتكب إبادة جماعية ومخالفة لمنظومة القيم العالمية ودولة مهتزة تحتاج إلى حاملات طائرات لحمايتها تتسع الهوة بينها وبين القيم الكونية التي تحركت في الشوارع .

أسهم اسرائيل الدولية انهارت في سوق السياسة وبعد أن قدمت نفسها كدولة مهيمنة ذات نفوذ دولي باتت بحاجة إلى مساندة الجميع ومساعدته تتلقى الضربات من كل صوب فالرأي العام الدولي يتحرك في كبرى عواصم العالم أهمها الدول الأكثر دعما في لندن وواشنطن شعوب باتت تخجل مما تفعله اسرائيل وتستنكر بشدة وتتعرض اسرائيل لمحاكمة في محكمة العدل الدولية وبصورة تتهشم كدولة تنتمي للعالم الغربي والديمقراطيات الحديثة كما كانت تقدم نفسها " الفيلا وسط الغابة كما كان يقول بنيامين نتنياهو "

أما على الصعيد الداخلي تعيش سلسلة من الأزمات العميقة تضاف إلى الشرخ الإجتماعي قبل الحرب فهي تعاني من مجموعة أزمات مركبة أزمة بين الشعب والحكومة بين أهالي المحتجزين في غزة والحكومة وأزمة اقتصادية وأزمة بين الحكومة والمعارضة وأزمة أكثر بين أعضاء مجلس الحرب بين نتنياهو والثنائي بني غانتس وإيزنكوت وبين أعضاء الحكومة نفسها بين نتنياهو من جهة وبين سموتريتش بن غفير من الجهة الأخرى الذين يشدون نتنياهو بإتجاهات الصدام مع الجميع وبين رئيس الحكومة والرئيس الأميركي سلسلة من الأزمات التي دخلت بها الدولة التي قدمت نفسها على أنها مستقرة باتت تضطرب بشدة على كل النواحي .

عملت اسرائيل في السنوات والعقود القليلة الماضية على إبعاد الملف الفلسطيني عن الرأي العام والأجندة الدولية وتلك هندسة بنيامين نتنياهو الذي ينسب لنفسه إسقاط مشروع الحلول السياسية وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية هامشية ذاهباً باتجاه مشاريع اندماج في المنطقة معززة بصورة الدولة المهيمنة وفجأة تفقد تلك الصورة ويعود الملف الفلسطيني إلى الصدارة في المؤسسات الدولية محكمة العدل ومجلس الأمن والأمم المتحدة وموجة الدولة الفلسطينية والإعتراف بها بغض النظر عن المصداقية وفي الشارع فقد فرضت القضية الفلسطينية نفسها من جديد وأزاحت كل ملفات الكون بما فيها أكثرها أهمية الحرب الروسية الأوكرانية .

هنا أزمة اسرائيل التي أرادت طمس كل تساؤلات وجودها الإحتلالي فعلت كل شيئ هروبا من السياسة أغلقت مسار المفاوضات وعززت الإنقسام بين الفلسطينيين استخدمت كل ما تملك من إمكانيات لإبعاد شبح التسوية والتنازل عن الإحتلال ولكنها فجاة تجد نفسها أمام سؤال اليوم التالي وماذا بعد ؟ سؤالاً كبيرا بات يشغل كبريات العواصم وبات أيضاً يزيد من وطاة أزمة الداخل التي جربت كل شيء مع الفلسطينيين لتجدهم في غرفة نومها بات السؤال مطروحا من قبل شركاء نتنياهو ، قوة السؤال وأهميته أنه يجيء وقد انكشفت اسرائيل كدولة أكثر هشاشة .