Menu

الرأسمالية والحرب.

محمد صالح التومي ـ المعروفي

خاص - بوابة الهدف

 

  

 

 

كتب محمد صالح التومي ـ المعروفي *

 

إن الرأسمالية التي انتصرت على نمط الإنتاج الإقطاعي  في أوروبا بمعية امتدادها الإجرامي والإباديّ في "أميركا" وبعد تجميعها للشتات "القومي" لشعوبها ونجاحها في استكمال شكل الأمة الحديث، وبناء الدولة - الأمة الحامية للسوق القومية أو الدولة الحامية للسوق عموماً، انتقلت إلى طورها الإمبريالي وأصبحت معتدية على الطموحات القومية والوطنية للشعوب الأخرى وقامعة لها بالحديد والنار وبالحروب الظالمة  بغاية التمكن من نهب الخيرات والحصول عنوة على ما يغذي إنتاج مصانعها وعلى مزيد المستهلكين لسلعها.

 

وقد عمدت الطبقات الحضرية - الهيمنية أو فلنقل الطبقات البورجوازية الامبريالية  حسب تسميتها الشائعة والمتعارف عليها، إلى محاولة  منع بقية المجموعات البشرية - مهما كانت درجة تطورها - من النمو المستقل، وأجبرتها قسراً على الارتباط بركبها الصناعي والتجاري، ودعمت أواصر تبعيتها لها وذلك:

 

أولاً: بضرب الحركات القومية - أنّى وجدت - منعا لهذه الحركات من استكمال مهامها، فهذا ما وقع للأمة العربية على سبيل المثال، فلذلك تمّت سرقة أرض فلسطين وإقامة كيان صهيوني فوق ثراها ليقوم بوظيفته المتمثلة في خدمة مصالح النهب الراسمالي وحراسة مصادر الطاقة وممرات  التجارة، ومشاغبة مكونات هذه الأمة منعاً لها من النهوض الحضاري وذلك عن طريق مختلف الدسائس والمناورات والحروب الظالمة .

 

ثانياً: بمحاولة الخنق الإجرامي المتواصل لكل نفس  وطني يظهر هنا أو هناك. فهذا ما رأيناه مجسماً في أمثلة عديدة لا يمكن ذكرها كلها طبعاً، فهي كثيرة .

 

وفي هذا النطاق، مُنِحت في مختلف أصقاع الارض، كل التشجيعات والإغراءات اللازمة لحفنة من السماسرة والعملاء من الكومبرادور لكي يقوموا بدور الوكلاء على حساب مصالح شعوبهم وقومياتهم لفائدة القوى الامبريالية.

 

ولم تكتف القوى الإمبريالية بذلك، بل تقاتلت فيما بينها تقاتل الوحوش الضارية من أجل اقتسام خيرات العالم والحصول على مرتبة السبق في النهب، فلذلك وقعت الحربان الرأسماليتان  العالميتان الأولى والثانية، كما لذلك أيضاً وقعت غيرهما من الحروب. وقائمة هذه الحروب طويلة كما هو معلوم.

 

إن القانون الذي تسير على هديه الرأسمالية عموماً وفي طورها الإمبريالي خصوصاً، هو قانون بسيط للغاية، لأنه قانون الغاب القديم. فالأقوى هو الذي يفرض سيطرته، والضعيف يداس بلا  شفقة أو رحمة، ولا إمكانية للاتزان إلا إذا كانت القوى متساوية بين طرفي صراع ما. وهكذا فإن النادي المضيّق للدول المتطورة صناعياً وتقنياً، لا يمكن أن يُفتح بسهولة لأي وافد جديد. كما إن الصراع يبقي على أشده بين أعضاء هذا النادي سواء من أجل المحافظة على الترتيب الداخلي من قبل المحرزين على المراتب الأعلى، أو من أجل إعادة النظر فى هذا الترتيب من قبل الطامحين إلى ذلك سواء من داخل النادي أو من خارجه.

هذه هي  بصورة مكثفة قوانين تطور الرأسمالية، وهذه هي أسباب لجوئها المستمر إلى الحروب بصورة غير مسبوقة لم تعرفها البشرية مع كل الطبقات التي سادت قبلها تحت نظامي العبودية والإقطاعية.

 

فالحرب ضرورية للدول الرأسمالية المتقدمة لا فقط لإعادة تشغيل مصانع أسلحتها ومعامل معدات إعادة التعمير، ولفرض يدها الطولى على خيرات الأرض التي تحتاجها لتشغيل ميكانيزماتها، بل كذلك لمنع بروز أية قوى قومية جديدة قد تنافسها على أسواقها.

 

*كاتب تونسي

 

 

 

**من كتاب " تكوّن الأمم"...ص 139-140.(مع بعض الإضافات التي أملاها قطع النص من سياقه في الكتاب  أو حتمتها ضرورات الشرح والتحيين)