Menu

حوارمجلة الهدف مع الرفيق إبراهيم شريف الأمين العام الأسبق لجمعية العمل الوطني الديمقراطي البحريني "وعد"

حاوره : محمد أبو شريفة سكرتير تحرير مجلة الهدف

7 أكتوبر كان حدثا مهما على مستوى الوعي والشعور ليتلمس الناس أن هناك قضايا كبرى ومصيرية تجمعهم ويمكن أن تتحول إلى رافعة تساهم في التقارب بين فئات المجتمع وطوائفه.

ما زال لدينا حوالي 600 سجين سياسي، كثير منهم من ذوي الأحكام المؤبدة وبعضهم تزيد أحكامه عن 100 عام

1-    كيف تنظر إلى الوضع في البحرين بعد 7 أكتوبر 2023؟

فيما يتعلق بالوضع المحلي، فالأمور "محلك سر". الحكومة تعتقد أنها لا تحتاج لتقديم تنازلات للمعارضة، حتى في حدودها الدنيا: تبييض السجون من مئات المعتقلين السياسيين وإعادة الوضع على ما كان عليه قبل 2011 حيث كان هناك نشاط ملحوظ في العمل السياسي الحزبي والجماهيري وهامش معقول في الصحافة والاعلام وحراك لا بأس به في مجلس النواب. الوضع الاقتصادي والمعيشي تدهور خلال السنوات القليلة الماضية بسبب مجموعة من العوامل بينها البطالة والضرائب والتضخم وكلفة الدين العام وجمود الأجور والمعاشات التقاعدية، وهذه أمور أصبحت محل إجماع وطني عابر للطوائف، لذلك لا تجد الحكومة مصلحة في السماح للمعارضة بممارسة عملها السياسي خشية أن يفتح ذلك الباب لتحويل حالة التذمر الشعبي إلى حراك سياسي واسع يطالب بالتغيير الشامل للسياسات الفاشلة التي قادتنا إلى هذه اللحظة.

من جانب آخر، فإن 7 أكتوبر كان حدثا مهما على مستوى الوعي والشعور ليتلمس الناس أن هناك قضايا كبرى ومصيرية تجمعهم ويمكن أن تتحول إلى رافعة تساهم في التقارب بين فئات المجتمع وطوائفه. لذلك نشهد حراكا تضامنيا واسعا مع أهلنا في غزة ودعما للمقاومة وحق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه من البحر الى النهر.

2-    برأيك كيف تسير الأوضاع في المنطقة في ظل العدوان الصهيوني على قطاع غزة ؟

ساهم العدوان على غزة وصمود المقاومة وتكالب الغرب وإعلامه وتخاذل النظام العربي الرسمي في تكشّف أمور كثيرة. كان السابع من أكتوبر والملحمة البطولية المستمرة ما يقارب الـ 9 أشهر لحظة استفاقة وعودة للوعي الذي غٌيب بسبب نكبات وانتكاسات وهزائم وخيانات تم تحويلها إلى أساطير حول "الجيش الذي لا يٌقهر" و"أمريكا تملك أوراق الحل" و "عدم جدوى المقاومة" و"الاعلام الغربي المحايد" و"القانون الدولي العادل". لقد انقشعت روح الهزيمة وتحطمت هذه الأصنام وتبين أن خيار المقاومة مجدٍ، بل هو الوحيد القادر على تحقيق أهدافنا في التحرر والاستقلال، وخاب أمل غولدا مائير التي قالت "غدا يموت الكبار وينسى الصغار" بعد أن انتقل عبء النضال إلى جيل جديد لا يقل انتماء لكنه في الوقت نفسه أكثر ابداعا ومعرفة بأساليب العصر ولغته.  

3-    كيف تقيم الموقف العربي والإسلامي تجاه ما يحدث في غزة؟

الموقف العربي والإسلامي الرسمي يعبر عن خذلان مستمر لا يعكس الموقف الشعبي المتضامن، رغم أن الضربة الموجعة التي وجهتها حماس والمقاومة في 7 أكتوبر والأشهر الطويلة من المقاومة الأسطورية التي أوقعت العدو الصهيوني في مستنقع لا يعرف كيفية الخروج منه، كانت كافية لتحسين شروط العلاقة الذليلة مع الولايات المتحدة، لأن الكيان الذي لا يستطيع حماية نفسه دون تدخل أمريكا لا يمكن التعويل عليه لضمان الأمن في المنطقة. بطبيعة الحال، هناك استثناءات عبرت عنها جبهات محور المقاومة. 

أما فيما يتعلق بالموقف العربي الشعبي فقد كشف استطلاع أجراه مركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في يناير 2024 إجماعا في الشارع العربي على اعتبار القضية الفلسطينية "قضية جميع العرب وليست قضية الفلسطينيين وحدهم" بنسبة 92% وبزيادة 16%، عن استطلاع 2022. لكن هذا الرأي العام المؤيد لفلسطين لم يُترجم تماما على أرض الواقع، ربما بسبب واقع الاستبداد العربي الذي يمنع حرية التعبير والتظاهر ولا يسمح بترجمة الرأي العام إلى سياسات تٌلتزم بها حكومات مستبدة تحكم بالحديد والنار، رغم أن هناك أيضا استثناءات أبرزها اليمن التي تخرج فيها مسيرات مليونيه كل أسبوع وتساهم في معركة فك الحصار عن غزة. 

4-    هل تعتقد أن حراك المعارضة البحرينية حقق جزءا من مطالبه خاصة فيما يتعلق بالملف الحقوقي ؟

ما زلنا بعيدين عن تحقيق ذلك. الملف الحقوقي واسع يقع على رأسه تبييض السجون. ما زال لدينا حوالي 600 سجين سياسي، كثير منهم من ذوي الأحكام المؤبدة وبعضهم تزيد أحكامه عن 100 عام. كثير من الذين أطلق سراحهم لانتهاء مدة الحكم او من خلال العفو الملكي أو العقوبات البديلة لا يجدون وظائف في سوق عمل غير موات، والشباب منهم لا يتمكنون من اكمال تعليمهم الجامعي. وفي المقابل فان من السهل استدعائك بسبب تغريدة ناقدة وتوجيه تهمة "الحض على كراهية النظام" وعقوبتها 3 سنوات أو غيرها من التهم التي يحتويها قانون العقوبات. 

أما على صعيد الاعلام فالسياسة المتبعة تقوم على مبدأ "ما أريكم إلا ما أرى" حيث الصحف العربية الأربع تنطق بلسان واحد، ولا تجد أثرا فيها لأقلام معارضة أو تصريحات قوى معارضة أو بيانات تصدرها جمعيات سياسية موالية لكنها تنتقد تشريعات وسياسات الحكومة. 

5-    -    يقال بأن ثمة تيارات في السلطة البحرينية تريد الإصلاح ولكنها ضعيفة، كيف تقرأ ذلك؟


في يوم من الأيام، في بداية ما سمي بالمشروع الإصلاحي، كانت هناك بعض التوجهات الإصلاحية بسبب وجود جناحين متنافسين في الحكم. هذا الوضع انتهى وعدنا للسيرة القديمة: اتخاذ قرارات مصيرية دون أدنى تشاور أم مراعاة لمصالح الناس، حيث الشفافية والمساءلة شبه معدومة، وتهميش دور مجلس النواب الذي من سخرية القدر أن الدعوة لحله وتوفير نفقاته أصبحت مطلبا شعبيا بعد أن ضحى الناس بأرواحهم من أجل استعادته بعد حله عام 1975.
6-    أين وصل وضع حرية التعبير في البحرين ؟

تقريبا عدنا إلى مرحلة التسعينيات حيث السجون ممتلئة بالسياسيين والمنافي تعج بالمطالبين بالحرية الذين أُسقطت جنسياتهم بقرارات إدارية. لم يعد هناك أي منفذ للرأي الآخر في الصحافة المحلية، ومجلس النواب أصبح شبيها بمجالس الشورى المعينة التي تعرف ما يجب أن يقال أو لا يقال. 

المنظمات الدولية المهتمة بتصنيف الحريات في العالم تضع البحرين في مواقع متأخرة. مثلا مؤسسة فريدوم هاوس الأمريكية تمنح البحرين فقط 12 نقطة من 100 في مجال الحريات السياسية والمدنية. أما مراسلون بلا حدود فتقول:" البلد تُحكم بقبضة من حديد ومعروفة بسجن الصحفيين" وتضع البحرين في مواقع متأخرة جدا في الترتيب العالمي لحرية الصحافة (رقم 173 من 180 دولة).  وفي مؤشر الديمقراطية الذي تنشره مجلة الايكونومست فان تصنيف البحرين يقع في المرتبة 139 من أصل 167 دولة تحت مجموعة الدول "المستبدة".

7-    هل ينجح الضغط الحقوقي والصحفي في تحسين الأوضاع؟

بالطبع ينجح، لكن الأمر يحتاج إلى نضال وتضحيات جسام وصبر طويل، وفي الوقت نفسه حراك جماهيري واسع تقوده معارضة قادرة على تشكيل كتلة تاريخية كبيرة تستطيع صناعة التغيير. 


8-    أعلنتم رفضكم انضمام البحرين للتحالف الدولي لحماية الملاحة البحرية في اليمن لفك الحصار البحري عن الكيان الصهيوني، برأيكم هل حقق هذا التحالف أهدافه؟

خلال أسبوع واحد من اعلان التحالف في ديسمبر الماضي بدأ التحالف في التضعضع، اذ انسحبت اسبانيا وإيطاليا، ولم تشارك الا دولة عربية وإسلامية واحدة. وعلى مدى 6 أشهر أثبت التحالف فشلا مدويا في انهاء هجمات أنصار الله على شركات الملاحة المتعاونة مع الاحتلال الصهيوني. في الأول من مايو المنصرم نشرت وكالة بلومبييرغ خبرا يقول أن عددا من شركات الشحن والمراقبين أكدوا أن الملاحة في البحر الأحمر متعذرة حتى نهاية هذا العام على أقل تقدير، وقدروا عدد السفن التي تم مهاجمتها بين نوفمبر وأبريل بـ 65 سفينة. لقد فقدت أمريكا، التي سيطرت على بحار ومحيطات العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فقدت اليوم سيطرتها على أحد أهم الممرات المائية الدولية، وهذا مؤشر مهم على أن أمريكا في حالة أفول مستمر.

9-    في ظل السياسة القمعية للنظام البحريني تجاه المعارضة ما هي  رؤية  الشعب البحريني في الاستمرار بالنضال السلمي لمواجهة سياسة القمع ؟ هل هنالك سيناريوهات وخطط؟

نضالنا السلمي مستمر وشعبنا لم يتوقف عن تقديم التضحيات. السجون المكتظة بالمناضلين والمنافي التي تعج بالمهجرين خير شاهد على ذلك. لا يوجد أفق للإصلاح على المدى القصير، لكن الضغوطات الشعبية على الحكم ستتعاظم بسبب فشل سياساته الاقتصادية ومشاريعه السياسية وهذا سيسمح في المستقبل غير البعيد في بناء جبهة وطنية عريضة تساهم في دفع عملية الإصلاح الى الأمام.

10-    هل عرضت عليكم السلطات أثناء اعتقالكم الأخير أية صفقات؟ 

لا لم تُعرض أي صفقات، ربما لأنهم يعلمون أن المناضلين لا ينتظرون أسفل الموائد لالتقاط فتات ما يسقط منها. 

11-    معركة طوفان الأقصى عرّت منظومة حقوق الانسان التي يتغنى بها النظام الدولي، وتوسعت رقعة الرأي العام الشعبي الدولي المساند للحقوق الفلسطينية، كيف تقرأ هذه التحولات؟ 

نعم، لم يكن طوفانا بالمقاييس العسكرية فحسب، بل كان طوفانا على مستوى الوعي عربيا ودوليا. الحقيقة أن منظومة حقوق الانسان لم تسقط، لكن الذي سقط في الامتحان هو ذلك الغرب الذي وضع نفسه أستاذا متعاليا يعلمنا حقوق الانسان فاذا به يفشل مثله مثل طالب خائب حفظ الكتاب ولم يفهم حرفا فيه. 

أما "الشرعية الدولية" فتحولت في ليلة وضحاها الى شرعية القوي. الأمر الهام هنا هو أن الوعي بزيف الحضارة الغربية، بازدواج معاييرها، بإعلاء مصالحها على مبادئها، أصبح وعيا يعيد تشكيل أفكار شبابنا العرب، وينتشر في جامعات الغرب نفسه ووسط شبانه الذين لم تعد تخدعهم الشعارات الليبرالية حول الحرية، تلك الحرية التي تتلاشى أمام سطوة المال واللوبيات.