Menu

الوحدة الوطنية تصنعها الإرادة لا موسكو ولا بكين

راسم عبيدات

راسم عبيدات

خاص - بوابة الهدف

نبحث عن الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام في كل العواصم العربية والدولية، ونحن ندرك بأن جزءاً منها، من يسهم ويغذي الانقسام في ساحتنا الفلسطينية، قبل أن نبحث عن إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة بين فصائلنا، وليس شعبنا، فهذا الشعب موحد، فلا بد أن يكون هناك استعداد داخلي، استعداد الذات لتحقيق هذه المصالحة، فالمكان على الرغم من أهمية الأمكنة وما لها من وزن ودور عربي وإقليمي ودولي، ولكن هذه العواصم لن تصنع لنا المعجزات، ولن تجترح لنا حلولاً ،ما دمنا نحن ذاتياً غير مستعدين لهذه المصالحة، ومادام دوماً العنوان المركزي للمصالحة، ليس المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، بل كل طرف يحاول أن يكون متسيداً وأن يكون هو العنوان، وأن يكون هو البرنامج، وأن يكون هو المقرر، بدون توافق وطني جامع على برنامج قواسم مشتركة تعبر عن إرادة هذا الشعب، تحمي وتصون ثوابته الوطنية، وتبتعد عن الأوهام والتحليق في الفضاء، فكل العواصم التي تجري فيها الحوارات، لن تنجح في فك العقدة الفلسطينية، إذا لم يكن لدينا الاستعداد الذاتي والإرادة والقرار، حرروا ذاتكم من ذاتكم، حرروا أنفسكم من اعتبارات الجغرافيا وديكتاتوريتها، حرروا أنفسكم من الارتهان إلى أوهام ثبت عقمها في الواقع.. حرروا أنفسكم من برامج لن تقود إلى إحقاق حقوق شعبنا الفلسطيني. فالأولوية لشعبكم وليس الارتهان إلى مجتمع دولي يتفرج على إبادة شعبكم، بل ويحمل المسؤولية للضحية وليس للقاتل. حرروا أنفسكم من استخدام نفس الأدوات، فهي لن تقود إلى نتائج مغايرة. ما يرتكب بحق الوطن والشعب الفلسطيني من جرائم وإبادة جماعية وما يخطط له من مشاريع تصفية تطال كل ساحته، يجب أن يكون ناقوس خطر لكم جميعاً، بأن الوقت من دم، ولا مجال للمماطلة والتسويف والسياسة الانتظارية القاتلة، وأن استمرار المراوحة في المكان و"اجترار" نفس العبارات والأسطوانة المشروخة لن تنهي انقسام ولن تقود لوحدة وطنية. تصويت  برلمان الاحتلال "الكنيست" أمس الأربعاء 18/7/2024 برفض إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، بأغلبية 68 صوتاً مقابل 9 أصوات، وقول زعيم ما يسمى بحزب "أمل جديد" جدعون ساغر، رفض إقامة دولة فلسطينية في "قلب أرض إسرائيل"، لأنها تشكل خطراً على أمن ومستقبل ووجود دولة "إسرائيل"، هي وقاحة غير مسبوقة، وكذلك قوله هي رسالة لأميركا ولرئيسها بأن "إسرائيل" لن توافق على "الابتزاز" من المجتمع الدولي بفرض إقامة الدولة الفلسطينية، فهذا تحدٍ وقح لكل قرارات الشرعية الدولية والمجتمع الدولي، في ظل حماية قانونية وسياسية أميركية وأوروبية غربية لهذا الاحتلال، وأيضاً الاقتحام الخامس لبن غفير للمسجد الأقصى منذ توليه منصبه كوزير لما يعرف بالأمن القومي، وقوله بأنه جاء للصلاة في أقدس مكان لـ"الشعب اليهودي" من أجل إطلاق سراح الأسرى، الذي يرفض أي صفقة تبادل من أجل استعادتهم، هذا الاقتحام يؤكد بأن بن غفير وحكومته ماضيان في تهويد الضفة الغربية و القدس والأٌقصى وفرض السيادة عليه، والعبور به من زمنه الإسلامي إلى زمنه اليهودي، وأنه لم يعد مكاناً إسلامياً مقدساً.

الوحدة وإنهاء الانقسام لا يجب البحث عنها لا في موسكو ولا في بكين، ولا في أي عاصمة أخرى، مع تقديرنا لدور موسكو وبكين وغيرهما من العواصم الشريفة في الحرص على وحدة قوانا وفصائلنا السياسية وإنهاء انقسامها البغيض. الوحدة في ظل أخطر مرحلة يواجهها شعبنا الفلسطيني وقضيتنا الوطنية، من خلال الحرب الشاملة ومشاريع الضم والتهويد والاستيطان والطرد والتهجير، هي مطلب كل فلسطيني وطني حر شريف، والقيادة التي لا تتوحد في مثل هذه المرحلة، ستكون مسؤولة أمام شعبنا عن كل ما سيلحق به من أذى وضرر وشطب لقضيته وحقوقه الوطنية، فمرحلة الرهانات الخاسرة والوقوف في خانات وجهات ليست صحيحة، يجب مغادرتها بشكل سريع، فالمرحلة لم تعد تحتمل أي شيء من هذا القبيل.

يجب علينا ألا نستمر في الدوران في الحلقة المفرغة، فيكفينا دوران استنزف منا من الجهود والطاقات الكثير الكثير، وعلينا عدم الإصرار على أن الذات الشخصية والفئوية فوق الذات العامة والوطنية، فنحن في مرحلة، بات فيها الكل الفلسطيني مستهدف مقاوم ومنسق ومسالم، فقادة دولة الاحتلال من وجهة نظرهم بأن الكل الفلسطيني عدو لهم، وأن كل أبناء الشعب الفلسطيني، هم مشروع "إرهابيين" حتى يثبت العكس.

نريد إنهاء للانقسام البغيض الذي مخاطره توازي مخاطر الاحتلال، ونحن ندرك بأن هناك قوى شد وجذب للخلف، تريد أن تفشل أي حوار وطني يقود إلى إنهاء الانقسام، فهناك من هم منتفعين من استمرار هذا الانقسام، بما حققوه من مكاسب ومكانة سياسية واقتصادية واجتماعية، وشبكة واسعة من العلاقات، عربية وإقليمية ودولية، ولذلك هؤلاء سيستميتون في الدفاع عن استمرار هذا الانقسام، وسيضعون العصي في الدواليب وسيستخدمون نفوذهم وعلاقاتهم، لكي يمنعوا ويعيقوا وصول الحوار إلى "قبر" هذا الانقسام البغيض الذي يتجه نحو الانفصال النهائي.

لا شك بأنه بعد معركة السابع من أكتوبر 2023، خلقت معادلات جديدة، ووقائع جديدة في أرض الواقع، هذه الوقائع عبرت عن حالة فرز واضحة مع شعبنا وقضيتنا ومقاومتنا، ومن هو متواطئ ومن هو مشارك في العدوان على شعبنا من دول النظام الرسمي العربي، وكذلك هذا الفرز على الصعيدين الإقليمي والدولي. ولذلك علينا أن نفتح قرارنا وخيارنا الفلسطيني على أرحب فضاء عربي وإسلامي وإقليمي ودولي.

فعندما وافق البعض على وضع كل البيض الفلسطيني في سلة ومظلة الخيار التفاوضي، وجدنا أن هذا الخيار قد قاد إلى المزيد من النزف الداخلي وتقسيم الأرض والشعب والمؤسسات، ناهيك عن تضاعف الاستيطان بعشرات المرات، وزيادة الحواجز والبوابات على مداخل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، بحيث بتنا أسرى في سجون أوسع من المسالخ التي يتعرض فيها أسرانا إلى أبشع أنواع القمع والتنكيل والتعذيب.

لا تخذلوا شعبنا فيكفيه خذلان أوسلو، الذي تتفوق تداعياته وكوارثه على كارثة النكبة، ومازال البعض يتغنى به كمنجز وطني. هي لحظة فارقة في التاريخ الوطني الفلسطيني، تتطلب أعلى درجات المسؤولية، لكي يشعر الشعب بأن هناك قيادة بحجم تضحياته ونضالاته وصبره وصموده، فلا تخذلوا شعبنا، فلا تخذلوا شعبنا، فالخذلان سيكون له نتائج وخيمة على قضيتنا وشعبنا وعلى حقوقنا وكل مظاهر وجودنا.