Menu

محاولة لفكفكة المقاومة أم تحرك لإنهاء الصراع؟

الصفقة البديلة: بين نزع سلاح غزة وإطلاق سراح الأسرى

بيسان عدوان

السنوار يرفض "الصفقة البديلة"

في ظل حالة الجمود المتواصل في المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال حول تبادل الأسرى، برز مؤخرًا اقتراح جديد يروج له رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. هذا الاقتراح يأتي في توقيت حساس، حيث يواجه نتنياهو ضغوطًا داخلية متزايدة، وحراكًا شعبيًا متصاعدًا يطالب بتحرير المختطفين. الاقتراح الذي يدفع به نتنياهو ليس مجرد خطوة عابرة، بل يشير إلى رغبة في إعادة رسم معادلة الصراع، مع تقديم خطة شاملة بديلة، تتجاوز الصفقة المرحلية المتعثرة. لكن هذه المبادرة، رغم بريقها الإعلامي، تبدو في جوهرها كمحاولة لتفكيك قوة المقاومة الفلسطينية وإضعاف مواقفها التفاوضية.

تفاصيل الخطة: نزع سلاح غزة مقابل انسحاب الاحتلال

الخطة التي تم الكشف عنها تدعو إلى ما أسمته "الصفقة الشاملة". وتشمل هذه الخطة الإفراج عن جميع الأسرى المختطفين من دولة الاحتلال، سواء كانوا أحياء أو قتلى، مقابل إطلاق سراح مجموعة من الأسرى الفلسطينيين، بما فيهم من يُعتبرون "أسرى بارزين" في السجون الإسرائيلية. كما تقترح الخطة انسحابًا كاملًا لقوات الاحتلال من قطاع غزة، لكن بشروط مشددة على المقاومة: نزع السلاح، وتفكيك الأنفاق، وتسليم الصواريخ، وهو ما يعني فعليًا إنهاء قدرة المقاومة على الدفاع عن نفسها وشعبها.

أحد البنود الأكثر جدلًا في هذه الخطة، هو اقتراح ترحيل قادة المقاومة إلى دولة ثالثة تحت ضمانات دولية بعدم استهدافهم. لكن تنفيذ هذه البنود لن يتم إلا عبر نشر قوات دولية متعددة الجنسيات للإشراف على عملية نزع السلاح. يبدو أن هذا البند بالتحديد يهدف إلى إبعاد القيادات الفلسطينية من قلب المعركة، وإحداث فراغ قيادي في قطاع غزة.

لكن، ورغم الجهود التي تبذلها الأطراف الداعمة لهذه الخطة، سواء من داخل دولة الاحتلال أو من الولايات المتحدة، تبرز هناك أصوات معارضة من داخل دولة الاحتلال نفسها. بعض عائلات المختطفين ينتقدون الصفقة الشاملة، معتبرين أنها قد تضع حياة ذويهم في خطر إذا ما تمت دون دراسة كافية للتبعات.

رسائل المقاومة: السلاح خط أحمر لن يُمس

في هذا السياق، تأتي مواقف المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس واضحة وحازمة. يحيى السنوار، قائد الحركة في غزة، أرسل رسائل قوية إلى الوسطاء الإقليميين والدوليين، مفادها أن المقاومة لن تقبل بأي صفقة تتضمن نزع سلاحها. بالنسبة للسنوار ورفاقه، فإن السلاح ليس مجرد أداة للدفاع، بل هو رمز للمقاومة وكرامة الشعب الفلسطيني، وهو القوة الحامية في وجه محاولات الاحتلال المستمرة للقضاء على أي فرصة للحرية والاستقلال.

السنوار رفض بشكل قاطع فكرة نقل قادة المقاومة إلى دولة ثالثة، معتبرًا أن المقاومة هي جزء أصيل من النسيج الفلسطيني داخل فلسطين، ولن تقبل بترحيل قادتها إلى أي مكان خارج الوطن. وشدد على أن أي اتفاق يجب أن يشمل إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين، بما فيهم أولئك الذين يعانون من أحكام بالسجن المؤبد، وهو شرط غير قابل للتفاوض.

هذه الرسائل التي نقلها السنوار لم تكن مجرد تصريحات إعلامية، بل هي جزء من استراتيجية المقاومة في التعامل مع هذه المقترحات. المقاومة الفلسطينية تدرك أن دولة الاحتلال تسعى إلى استغلال الضغوط الدولية والإقليمية لنزع سلاحها، وتفكيك قدرتها على المقاومة. ولهذا، فإنها تضع خطوطًا حمراء واضحة أمام أي مفاوضات.

 هل تقود الصفقة إلى تهدئة أم تصعيد جديد؟

من الناحية الظاهرية، قد تبدو الخطة كفرصة لإنهاء حالة الجمود والتوصل إلى تسوية للصراع المتصاعد. لكن على أرض الواقع، تحمل هذه الخطة مخاطر كبيرة. نزع سلاح المقاومة سيعني فعليًا استسلامًا غير مشروط، وتجريد الفلسطينيين من حقهم في الدفاع عن أنفسهم ضد الاحتلال. كما أن ترحيل قادة المقاومة إلى دول أخرى سيفتح المجال أمام فراغ قيادي خطير، قد يؤدي إلى تصعيد جديد.

الأكثر تعقيدًا، هو أن المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، تدرك أن قوتها تكمن في وحدتها وفي قدرتها على الحفاظ على سلاحها. قبول هذه الشروط سيعني كسر هذا التماسك وإضعاف المقاومة بشكل كبير. ومن هنا، يبدو أن رفض المقاومة لهذه الخطة أمر حتمي، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة، ومحاولات الاحتلال إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية لصالحه.

في النهاية، تبقى هذه الصفقة المقترحة مجرد محاولة أخرى من حكومة الاحتلال للضغط على المقاومة الفلسطينية، مستخدمة أدوات دبلوماسية وأمنية. لكن المقاومة، وهي تواجه هذه الضغوط، تبدو أكثر تصميمًا على التمسك بمبادئها وثوابتها. ما يمكن تأكيده هو أن أي محاولة لنزع سلاح غزة ستكون محكومة بالفشل، طالما بقي الشعب الفلسطيني مؤمنًا بحقه في المقاومة والتحرر.