على مدى السنوات الماضية، نجحت الاستخبارات الإسرائيلية في تنفيذ عمليات تجسس متطورة على حزب الله، معتمدةً على تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية. هذا التجسس لم يكن مجرد مراقبة عبر الأقمار الصناعية أو الطائرات بدون طيار، بل توسع ليشمل كافة أدوات الاتصال والإلكترونيات المحيطة بمقاتلي حزب الله وقياداته، بما في ذلك الأجهزة الذكية والأنظمة المدنية.
بعد واقعة اغتيال حسن نصرالله، تدفقت مئات التقارير التي كشفت مدى التغلغل الإسرائيلي في لبنان، موضحة عمق الاختراقات الأمنية عبر تقنيات التجسس والذكاء الاصطناعي، مما أثار صدمة حول هشاشة الأمن اللبناني وتوسع دائرة الرقابة الإسرائيلية على القيادات والمواقع الحساسة لحزب الله.
أساليب التجسس الإسرائيلية: التكنولوجيا والاختراقات المتعددة
وفقًا لتقرير نشرته "فاينانشال تايمز"، كانت الاستخبارات الإسرائيلية، بقيادة الوحدة 9900، قادرة على توظيف الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات هائلة من البيانات، ومراقبة البيئة المحيطة بمقاتلي حزب الله بدقة. تميزت هذه الوحدة بقدرتها على تتبع أدق التغيرات في التضاريس والمباني، مثل ظهور فتحات تهوية جديدة أو أي تعزيزات إنشائية، ما يشير إلى وجود مخابئ أو أنفاق يستخدمها الحزب.
الاختراق الأكبر تحقق خلال فترة انتشار مقاتلي حزب الله في سوريا. مشاركة الحزب في الحرب السورية أجبرته على توسيع نطاق عملياته، مما جعله عرضة للرصد الإسرائيلي. تمكنت تل أبيب من اختراق أجهزة الاتصال المستخدمة من قبل الحزب، بداية من الهواتف المحمولة وصولًا إلى أجهزة المراقبة المدنية، مثل كاميرات المراقبة، التي تم استغلالها لتحليل حركات القيادات الميدانية.
توظيف الذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف
كانت إسرائيل قادرة على بناء قاعدة بيانات ضخمة تجمع أنماط التحركات اليومية لمقاتلي حزب الله، مما مكنها من رصد أية تغييرات غير عادية قد تشير إلى تحضيرات لعمليات عسكرية أو نقل معدات حساسة. كما أشار التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة حاسمة في تمييز حتى أدق التفاصيل في الصور الجوية والبيانات البيئية، ما ساعد في الكشف عن تجهيزات وأسلحة مخبأة في المناطق المدنية.
الوحدة 8200 ومديرية الاستخبارات العسكرية: توسيع بنك الأهداف
الوحدة 8200 الإسرائيلية ومديرية الاستخبارات العسكرية "أمان" لعبتا دورًا كبيرًا في هذا التجسس. من خلال اختراق الهواتف المحمولة وأجهزة الاتصال الخاصة بمقاتلي الحزب، تمت مراقبة التحركات وجمع البيانات حول الجنازات وإعلانات القتلى، والتي استخدمت كمصدر مهم للمعلومات. هذه البيانات الصغيرة، مثل مكان القتل أو دائرة الأصدقاء الذين ينعون القتيل، كانت مهمة لتحليل العلاقات الداخلية بين المقاتلين وتحديد مواقعهم الجغرافية.
الحرب في سوريا كحصان طروادة للاستخبارات الإسرائيلية
التدخل المباشر لحزب الله في سوريا منذ 2011 قدم فرصة ذهبية لإسرائيل لرصد حركة عناصره. استخدام الحزب لأنظمة اتصال تقليدية جعلهم عرضة للرصد، وهو ما مكن إسرائيل من تجميع بيانات حيوية حول نشاطات الحزب. كما أن تداخل اتصالات الحزب مع أجهزة الاستخبارات السورية والروسية، والتي كانت تحت مراقبة أمريكية مستمرة، قدم فرصة إضافية لإسرائيل لجمع وتحليل هذه البيانات.
محاولات اغتيال حسن نصر الله
لم يكن التجسس الإسرائيلي موجهًا فقط لرصد تحركات المقاتلين، بل شمل مراقبة دقيقة لقيادة حزب الله، وخاصة السيد حسن نصر الله. في حرب عام 2006، حاولت إسرائيل اغتيال نصر الله ثلاث مرات، لكنها فشلت في كل مرة بسبب توقيته الدقيق وتحركاته السرية. ومع مرور الوقت، طورت إسرائيل تقنيات المراقبة وأدخلت التحسينات الضرورية لتفادي هذه الأخطاء. وتمكنت من استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحديد أماكن تواجده بدقة أكبر، حيث تم تتبع مخبئه في جنوب بيروت وتم قصفه بكمية هائلة من القنابل في محاولة لاغتياله.
التطورات المستقبلية والتهديدات المتزايدة
التكنولوجيا المتقدمة التي تستخدمها إسرائيل لا تزال تشكل تهديدًا كبيرًا على حزب الله. يتمتع الجيش الإسرائيلي بميزة جمع البيانات وتحليلها بشكل فوري، وهو ما يجعل المقاتلين عرضة للهجمات في أي وقت. فإلى جانب الذكاء الاصطناعي، تشارك وحدات الاستخبارات في تحليل بيانات الهواتف الذكية، السيارات المتصلة، وحتى أصوات الأشخاص الملتقطة بواسطة الأجهزة الذكية، مما يجعل الحزب دائمًا تحت المراقبة المستمرة.
التحديات التي يواجهها حزب الله
رغم محاولات حزب الله لتطوير وسائل حماية واتصالات مشفرة، فإن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا التقليدية قد جعله مكشوفًا أمام قدرات التجسس الإسرائيلي. كما أن الانخراط في الحرب السورية جعل الحزب أكثر عرضة للهجمات، حيث اضطر لاستخدام وسائل اتصالات أقل أمانًا خلال التنسيق مع القوات السورية والروسية، التي كانت هي الأخرى تحت مراقبة دقيقة.
كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور البيئية والمراقبة المستمرة للمناطق التي ينشط فيها الحزب، يجعل أي عملية عسكرية أو تحرك تكتيكي مكشوفًا بشكل سريع، مما يهدد بعرقلة قدرة الحزب على التحرك بسرية أو الحفاظ على خططه العسكرية دون رصد.
يمثل التجسس الإسرائيلي على حزب الله تحديًا خطيرًا للحزب ولأي مقاومة تعتمد على التكنولوجيا التقليدية في الاتصالات والعمليات. مع التطور المستمر للتقنيات الإسرائيلية، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي والقرصنة الإلكترونية، يجب على حزب الله تطوير أساليب جديدة لحماية قياداته وأنظمته من التهديدات المتزايدة، أو المخاطرة بفقدان المزيد من أوراقه العسكرية المهمة.
المصدر:
تقرير فاينانشال تايمز عن التطورات التقنية للاستخبارات الإسرائيلية ضد حزب الله 2024.