Menu

الشهيد السيد حسن نصرالله بين العروبة والإسلام

حاتم استانبولي

الهدف الإخبارية

 

استشهاد الامين العام لحزب الله حسن نصر الله جاء في لحظة سياسية دقيقة وغير محسوبة نتائجها القريبة والبعيدة على الصراع المحتدم بين المقاومة ومجموعة أعدائها المحليين و الإقليميين والدوليين وفي مقدمتهم اسرائيل الصهيونية العدوانية الإرهابية.

 القائد حسن نصرالله بدء حياته النضالية مقاتلا في صفوف الثورة الفلسطينية تعلم في قواعدها وخاض معارِكَها ودافع عنها كقضية وطنية تحررية عربية تحمل بعدا دينيا إسلاميا مسيحيا وانسانيا وبعمق مبادئه فإن دفاعه عن القضية الفلسطينية دفاعا عن مظلومية الشعب الفلسطيني.

مفهوم المظلومية في الاجتهاد المذهبي الشيعي هي موقف ينحاز للمظلومين بغض النظر عن مذاهبهم أو انتماءاتهم وعقائدهم أي أن المظلومية تحمل بعدا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وإنسانيا وأخلاقيا.

وبمراجعة دقيقة لكافة مواقفه وخطاباته يلاحظ أن هناك خيطا ينسجه الشهيد السيد نصر الله بدقة وحكمة ما بين السياسي والاجتماعي والاخلاقي والانساني والاقتصادي ويوظف الممارسة العسكرية لهذه الأبعاد بدقة وحكمة.

الشهيد السيد نصر الله ابدع في ربط الديني في الوطني التحرري وهو بذلك حول العباءة الدينية بِتلاوينها لمعاني تعبر عن تداخل بين الديني والتحرري وأعاد الاعتبار لجوهر الفكر الإسلامي الذي حمل عمقا تحريريا اجتماعيا طرح فكرة المساواة الاجتماعية وناضل من أجل تحقيقها بكل الوسائل بالكلمة والتنظيم والدعوة والسيف.

الشهيد السيد نصر الله أعاد قراءة تاريخ الصراع بين الاتجاهات المذهبية الإسلامية بأنه صراع بين جوهر الفكر الإسلامي التحرري وبين الفئات التي عملت على توظيف الفكر الإسلامي لمصلحة الفئة السلطوية المسيطرة التي أسقطت والغت البعد الديمقراطي في الفكر الإسلامي لاختيار الخليفة أو ولي الأمر اعتمادا على أسس معرفية وجهادية تحمل مصداقية مجربة وتتناقض مع الأسس التي تعتمد الوراثة في الحكم التي أرستها المرحلة الأموية هذه الأسس التي قوضت جوهر الفكر الإسلامي .

الشهيد السيد حسن نصر الله كان معياره وناظِمَهُ الدائم لأية قضية  هو معيار وطنيتها وإنسانيتها وناظِمها مدى ارتباطها بمفهوم المظلومية التاريخي.

وخلال ٣٠ عاما من نضاله بكل أبعاده الوطنية والتحررية والدينية أن يعيد بناء مفهوم عام لِطائفته ومذهبه وخاض صراعا مع خصومه في إطار طائفته الذين كانوا يريدون أن يحصروا دور الطائفة والمذهب في إطار ديني ضيق بعيدا عن القضايا الوطنية التحررية وفي تناقض مع جوهر الفكر التحرري للامام الحسين فهو خاض معارك من أجل الدفاع عن مظلومية مواطنين البوسنة والهرسك وفي ذات الوقت خاض صراعا مع الاتجاهات الشيعية التي دخلت مع المحتل الامريكي الى العراق وعمل على دعم بناء منظومة للمقاومة العراقية المناهضة للاحتلال وعدم خوض صراعا مذهبيا وفي ذلك اسقط أهم اهداف بريمر في العراق حيث اعلن موقفا واضحا يساند المقاومة العراقية بكل اطيافها وفي ذات الوقت وقف وصارع الاتجاهات المتطرفة القاعدية والداعشية التي كانت أداة للمحتل الامريكي والصهيوني لتقويض المجتمعات وتفتيتها وإقامة دويلات طائفية تخدم المشروع الديني الصهيوني في فلسطين وكان في مقدمة المدافعين عن عروبة وسيادة ووحدة سوريا في حين كانت الدول التي تدعي العروبة تخصص مليارات الدولارات من أجل تقويض الدولة السورية وتفتت جيشها ومجتمعها .

دائما كان الشهيد السيد يجاهر بالدفاع عن عروبة لبنان وموقعه في جبهة المقاومة ضد العدو الصهيوني المتربص ومارس دفاعه يكل الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية واجبر العدو الإسرائيلي على الخروج من لبنان في جولتين عام ٢٠٠٠ وعام ٢٠٠٦ وبالرغم من كل المؤامرات التي حيكت في لبنان لتقويض دوره الوطني ودفعه للدخول في صراعات داخلية كان دائما يتحلى بالحكمة الوطنية ولا ينجر الى هذه المؤامرات ويستطيع كشفها و تقويضها.

استشهاد السيد نصر الله وما سبقه من حوادث اغتيال تطرح بوضوح سؤالا ملحا عن دور اسرائيل ومصلحتها في كل الاغتيالات التي حصلت في لبنان وأبرزها اغتيال رفيق الحريري وما تبع ذلك من إجراءات سياسية وقانونية وقضائية جعلت لبنان مكشوفاً سياسياً و امنياً وقضائياً ومعلوماتيأً وكان يهدف لدفع لبنان لحرب اهلية داخلية يستفيد منها الكيان الإسرائيلي الصهيوني من أجل تقويض الدور التحرري الوطني لحزب الله.

الطريقة التي قام بها العدو في اغتيال السيد ورفاقه تدلل أنه كان وراء كافة الاغتيالات التي حدثت في لبنان من أجل دفعه للتدمير الذاتي.

كل الميادين شهدت لدور الشهيد السيد الذي حول العباءة الدينية إلى عباءة وطنية تحررية وَحَدَ تحتها كافة المذاهب والطوائف والعقائد على مفهوم المقاومة الوطنية التحررية فقد أصبح الشهيد السيد قائدا عابرا للطوائف والمذاهب والعقائد بتعددها واستحق لقب القائد الوطني الأممي التحرري الإنساني.

الشهيد السيد حسن نصر الله لم يُختَلَف عليه بين الماركسي والديني والوطني والقومي والأممي بل كان جامعا بين العبائة الدينية بمضمون تحرري منحازا المظلومين بكل اطيافهم و الفقراء والمعذبين في الأرض  فهو خاض كافة المعارك ضد الاستبداد الوطني والقومي والأممي ودخل في صراع مع الاتجاهات الدينية التي كانت تحاول سرقة المفهوم الديني لتوظيف دوره لخدمة المستعمر الأمريكي والصهيوني وبذات الوقت كشف الاتجاهات والأحزاب التي تتخذ من الدين وسيلة لخدمة أهداف سياسية تعادي وتقوض القضايا الوطنية التحررية القومية وخاصة في فلسطين.

الشهيد السيد حسن نصر الله وضع معادلة المقاومة وحواضنها في مقابل أعدائها وحواضنها بغض النظر عن انتمائهم ومذهبهم وموقعهم .

الشهيد السيد نصر الله كان إسلاميا في فكره شيعيا في مظلوميته ماركسيا في جدليته وطنيا قوميا أمميا في معاركه  كان تحت عباءته الدينية سنيا وشيعيا ومارونيا وارثوذكسيا وارمنيا.

الشهيد السيد كان قائدا استثنائيا في ظرف استثنائي فرضته الضرورة التاريخية ليعيد بعمله الدؤوب دون انهيار منظومة المقاومة بعد عام ٨٢ واتفاقيات ابراهيم منذ أوسلو إلى المنامة والرباط .

المقاومة التي فرض قوتها وايقاعها ببعدها الوطني التحرري الاجتماعي أصبحت جزءً محوريا لا يمكن لأي قائد مقاوم قادم تجاوزها.

نعم انه قائدا استثنائيا فرضته الضرورة التاريخية.