في إنجاز هام يشير إلى فعالية الضغوط والحملات الشعبية في مواجهة سياسات تصدير الأسلحة للكيان الصهيوني، حققت حركة الشباب الفلسطيني بتعاون من "التقدمية العالمية"، انتصاراً جديداً تمثل في إجبار الحكومة الإسبانية على رفض رسو سفن شركة الشحن العالمية “ميرسك” التي تحمل شحنات عسكرية للكيان الصهيوني.
هذا النجاح يأتي وسط تصاعد الانتقادات تجاه دور شركات النقل العالمية في دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
وأطلقت حركة الشباب الفلسطيني في يونيو الماضي حملة “ماسك أوف ميرسك” بهدف تسليط الضوء على دور الشركة في تسهيل الشحنات العسكرية المخصصة للهجمات "الإسرائيلية"، داعيةً إلى مقاطعة منتجات وخدمات الشركات المتورطة في تصدير الجرائم إلى الشرق الأوسط، ومطالبةً بتفتيش السفن وتطبيق القوانين بدقة لمنع انتهاكات الحظر.
وقد كشف تحقيق شامل أجرته حركة الشباب الفلسطيني والتقدمية العالمية أن شركة “ميرسك”، وهي من كبرى الشركات الدنماركية العاملة في الشحن والخدمات اللوجستية، ضالعة في نقل شحنات عسكرية ضخمة للجيش "الإسرائيلي".
وقد شملت هذه الشحنات مئات العربات المدرعة، منها طراز Oshkosh M1085 التي تستخدمها قوات الاحتلال "الإسرائيلي" كعربات تكتيكية متوسطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووفقاً للباحثين، تجاوزت شحنات الشركة على مدار العام الماضي ألف شحنة عسكرية عبر موانئ عدة، من بينها ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني، الذي يشكل أحد أهم موانئ أوروبا.
وأظهرت لقطات بثتها وسائل إعلامية مشاهد صادمة لجنود "إسرائيليين" وهم يقتادون عشرات الفلسطينيين من مدينة جباليا شمال غزة، مقيدين ومعصوبي الأعين، إلى داخل مركبات عسكرية "إسرائيلية"، ما يعكس الاستخدام الفعلي لهذه المركبات ضد المدنيين، وقد أضاف هذا المشهد مزيداً من الضغط على شركة “ميرسك” وسط تصاعد الدعوات لمحاسبتها على دورها في دعم آلة الحرب "الإسرائيلية".
في مايو الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية عن فرض حظر على مرور الشحنات العسكرية المتجهة إلى "إسرائيل" عبر موانئها، حيث جاء هذا القرار استجابة للضغوط الشعبية المتزايدة وضمن موقف إسباني يستند إلى القانون الوطني والأوروبي.
ومع ذلك، أظهرت البيانات التي حللها الباحثون أن “ميرسك” لم تمتثل بشكلٍ كامل لهذا الحظر، إذ واصلت بعض سفنها المحملة بالمعدات العسكرية التوجه إلى ميناء الجزيرة الخضراء.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الإسبانية في تصريح لـ”ذا إنترسبت” أن الحكومة الإسبانية ستواصل رفض جميع السفن التي تحمل شحنات عسكرية إلى "إسرائيل". وأضاف: “نحن ملتزمون باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان الالتزام الصارم بقراراتنا حيال هذه القضية الحساسة، وسنقوم بتشديد الرقابة على السفن لضمان الامتثال التام”.
في هذا السياق، عبّرت عضوة البرلمان الأوروبي عن حزب بوديموس الإسباني، إيرين مونتيرو، عن قلقها الشديد إزاء تواطؤ “ميرسك” وتجاوزها للحظر.
وصرحت قائلةً: “إسبانيا قد تكون متورطة في انتهاك القانون الأوروبي الذي يلزم بتعليق تراخيص مرور الأسلحة التي قد تُستخدم في تفاقم النزاعات أو انتهاك حقوق الإنسان”.
وشددت مونتيرو على ضرورة اتخاذ خطوات جدية للحد من هذا التواطؤ، ودعت الحكومة الإسبانية إلى فرض عقوبات صارمة على الشركات المخالفة.
حقائق وأرقام تكشف التورط الأمريكي والدولي
تتحمل الحكومة الأمريكية مسؤولية توريد ما يقرب من 70% من الأسلحة التي تستوردها "إسرائيل"، من طائرات مقاتلة وصواريخ إلى الآلاف من القنابل المدمرة. ووفقاً لتقارير استندت إلى بيانات شحن موثقة، فقد شحنت شركة “ميرسك” أكثر من 6 ملايين رطل من البضائع العسكرية لصالح الجيش "الإسرائيلي" خلال العام الماضي فقط، وسط غياب الشفافية بشأن محتوى هذه الشحنات.
وقد أظهرت البيانات أيضاً أن معظم الشحنات غادرت من ميناء إليزابيث في نيو جيرسي، أحد أكبر الموانئ التي تديرها الشركة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
وأوضحت التحقيقات أن Interglobal Forwarding Services، وهي شركة مقرها نيو جيرسي، تعمل كوكيل شحنات وزارة الدفاع "الإسرائيلية"، ما يتيح للجيش "الإسرائيلي" إخفاء هوية الشركات المصنعة للمعدات عن الرأي العام.
ودعت حركة الشباب الفلسطيني والتقدمية العالمية إلى تكثيف الحملات ضد الشركات التي تدعم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر العمليات العسكرية "الإسرائيلية". وقال كليم هوا، أحد الباحثين الرئيسيين في الحملة، إن “هذا التواطؤ يعكس إسهاماً كبيراً من شركات لوجستية أمريكية وأوروبية في تمكين حرب "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني”.
وأكد أن حركة الشباب الفلسطيني تهدف إلى بناء شبكة ضغط ومقاطعة عالمية للضغط على البنى التحتية التي تسهم في استمرارية العدوان.
مع تزايد الاهتمام الإعلامي والتحقيقات الشعبية، تجد “ميرسك” نفسها أمام تحديات غير مسبوقة، قد تؤدي إلى فرض ضغوط تنظيمية عليها ليس فقط من إسبانيا، بل من عدد من الدول الأوروبية.
وتواصل حركة الشباب الفلسطيني جمع الأدلة على دور “ميرسك” وشركات الشحن الأخرى، بهدف بناء ملف شامل يمكن أن يشكل ركيزة لحملات شعبية مستقبلية تطالب بمساءلة هذه الشركات دولياً.