Menu

الرئيس ترامب: أسئلة حول ما في جعبته

علي بدوان

نشر في مجلة الهدف العدد (67) (1541)

تقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــديم

شَهِدًت مفاوضات وكواليس التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة و "صفقة التبادل" في الجولات الختامية التي أفضت إلى ما أفضت إليه، دوراً أمريكياً استثنائياً بشخص المبعوث الجديد من قبل الإدارة الجديدة للشرق الأوسط، ومن قبل الرئيس دونالد ترامب الدبلوماسي (ستيف ويتكوف)، دوراً محورياً في تحقيق اختراق بالمفاوضات التي امتدت في آخر جلستها لساعاتٍ، وقد كان الضغط الأمريكي الجدي حاضراً (وليس الناعم) هذه المرة على نتنياهو بعدما كان نتنياهو يصول ويجول دون أن يقدم على خطوات ملموسة، بل كان يُمارس ألاعيبه في تضييع الوقت، فهو الذي لم يكُن يُريد للحرب أن تتوقف ضد شعبنا في القطاع بعد الحرب الدموية المجنونة.

فأتى الاتفاق أو التفاهمات بالرعاية المصرية وال قطر ية، وكأنه ثمرة تعاون "غير مسبوق" بين فريقي الرئيسين (المغادر والقادم) جو بايدن ودونالد ترامب، بالعمل الحثيث مع الوسيطين القطري والمصري، بحسب مسؤول أميركي رفيع المستوى كشف النقاب عن جزء مما دار في كواليس المفاوضات التي تسارعت خلال الأيّام الأخيرة التي انتهت بالتوافق. فما كان مُمكناً لنتنياهو مع الرئيس الأمريكي السابق (جو بايدن) لم يَعُد مُمكناً. فلا يحق لحليف صغير أن يتلاعب بالإمبراطورية التي تضخ الدم في عروقه. ولا يقبل ترامب بأقل من إدارة اللعبة وفق فوضى قواعده.

صمود الفلسطينيين علامة فارقة جداً

وبالطبع، وحتى لا نُبخس شعبنا وثباته وتضحياته التي فاقت كل تصور، فإنًّ صمود الشعب الفلسطيني كان العلامة الفارقة جداً، أمام جبروت القوة العسكرية "الإسرائيلية" التي صَبَت نارها وحممها على قطاع غزة، وتحمل حرب التجويع والتعطيش، وكل أشكال الضغط.

إن صمود شعبنا وإنزال الخسائر العسكرية الهائلة بجيش الاحتلال، كذلك اقتصادياً وعلى كل المستويات، دفع نتنياهو بالكف عن المماطلة والاتجاه لوقف إطلاق النار، ليس لسواد عيون الشعب الفلسطيني بل من أجل (أجندة) يرتب لها الفريق المحيط بترامب لوضع لمسات حلول سياسية في المنطقة، وتدعيم وجود وأركان الولايات المتحدة خاصة بعلاقاتها الخليجية، حتى أن الرئيس ترامب في خطاب تسلمه لموقعه يوم 20 كانون الثاني/ يناير 2025 "تغزل" بإيران، وأعلن عن فتح "صفحات تعاون معاً ومغادرة الماضي". مضيفاً قوله "أنا مُستثمر من أجل رفاهية شعب بلدي. إيران أرض بكر (للاستثمار) سأتفاوض معها بالتأكيد وأنا مستعد حتى للسفر إلى طهران".

المبعوث الأمريكي (ستيف ويتكوف)

لقد كشف "مسؤول إسرائيلي" بأنَّ تدخل (ستيف ويتكوف) ودوره كسياسي مُحنّك، كان اللحظة غير المسبوقة في العلاقة بين الولايات المتحدة و "إسرائيل"، التي شَهٍدت العديد من اللحظات الاستثنائية. وأضاف أنَّ "ستيف ويتكوف مؤيد لإسرائيل في جوهره، لكنه جاء بآرائه ومواقفه. وكان من الواضح الشعور بزخم الرئيس دونالد ترامب في ذلك الاجتماع الذي زوده به قبل وصوله كمبعوثٍ له للمنطقة".

ومن الواضح، وبعيداً عن التطاير في الشعارات الانتخابية الرئاسية (المؤقتة والاستعمالية كالعادة)، التي كان من نتيجتها صعود دونالد ترامب، فإن قائد البيت الأبيض الجديد يعود ومنطقة الشرق الأوسط مغايرة تماماً فيما عَرِفَهُ عنها فترة حكمه الأولى، بفعل التطورات الهائلة التي وقعت في المنطقة، وخاصة حرب الإبادة الجماعية التي شنتها دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتحوّل الكبير في الوضع السوري.

الخريطة السياسية الآن مُعقّدة نتيجة كل ما وقع ومنها حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، وحراكات المجتمع الدولي التي "قصمت" ظهر "إسرائيل"، وبالتالي فإن التطاير السابق في الشعارات بالدورة الأولى الرئاسية لترامب عندما طرح "صفقة القرن" ومِدَّ "إسرائيل" بالزاد السياسي عبر الاعتراف ب القدس عاصمة لكيان الاحتلال، والطلب من دول العالم القيام بحذو الولايات المتحدة، والموافقة على ضم الجولان السوري لــ "إسرائيل".

فهو يعود لموقع الرئاسة مع طاقم جديد، يحاول التجاوب مع العالم أمام فرصة لإنجاز "تسوية" تقود إلى حل الإجماع الأممي بقيام دولة فلسطين دولة فلسطينية بعد حرب الإبادة التي شنت على القطاع.

الآن، ومع وقف إطلاق النار، فإنَّ المعني الأول والأخير بكل تبعات وتفاصيل المرحلة التالية بالنسبة لمآلات الوضع في قطاع غزة ما بعد وقف إطلاق النار كولاية جغرافية تابعة فلسطينية، هي الإطار المعترف به عالمياً، أي الشرعية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومجموع فصائل وأطراف العمل الفلسطيني تحت قيادة الإطار التمثيلي الأوسع. فمآلات ما بعد وقف إطلاق النار، والورشات الكبرى التي تنتظر غزة "سياسياً"، و "إعادة الإعمار وترتيبات عودة الناس إلى مواقع سكناها الأصلية".

ترامب ورؤيته... رجل استعراضي

بدأ الدبلوماسي الأمريكي (ستيف ويتكوف) وغيره من (سدنة البيت المحيطين بالرئيس ترامب) بالتنظير (لرؤية ما) يحملها الرئيس ترامب في الفترة الرئاسية الثانية، بعد أن أنجز أولى تلك الخطوات بوقف الحرب على قطاع غزة، قائلاً إن "حلم استقرار الشرق الأوسط أصبح مُمكناً، بفضل وصول ترامب إلى البيت الأبيض. خاصة ودخل وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، ما وضع حداً لحرب دامت 15 شهراً، بعد أن حصدت عشرات الآلاف من الأرواح".

وأشار المبعوث الأميركي إلى "اتفاقيات إبراهام" : (وهي سلسلة اتفاقيات دبلوماسية تم التوصل إليها في عام 2020 في عهد ترامب في دورته الأولى للرئاسة بين "إسرائيل" وعدد من الدول العربية، بهدف تطبيع العلاقات وتعزيز التعاون في مجالات متعددة، بما في ذلك الأمن، التجارة، والسياحة). قائلاً إنها "تشهد على رؤية وتصميم ترامب".

وتحدث (ستيف ويتكوف) عن دوره كما طلب منه الرئيس ترامب، وهو تحويل رؤية الرئيس إلى نتائج عملية، وقال: "هو من يضع الأجندة وهو من يضع الإطار". معتقداً أنَّ سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط في رئاسته الثانية، كما في السياسة الخارجية بشكل عام، ترتكز على المعاملة بالمثل والمحاسبة. وأن "عصر الدعم غير المشروط قد انتهى، وزمن الصكوك البيضاء قد ولى، ولن يُقدم الدعم بعد اليوم، للدول التي لا ترغب به".

وعليه، رأت صحيفة "الجارديان" البريطانية في عددها الصادر يوم 21 كانون الثاني/يناير 2025 أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب سعى خلال خطاب تنصيبه يوم 20 كانون الثاني/يناير 2025 إلى تصوير نفسه باعتباره صاحب رؤية يبشر بعصر تحوّلي في الولايات المتحدة، مشيرةً إلى أن ترامب بدأ بخطاب فخم، بأن "العصر الذهبي لأمريكا يبدأ الآن"، وانتهى بالمبالغة المميزة له، بأن مواطنيه "على أعتاب أعظم أربع سنوات في التاريخ الأمريكي"، معتبرةً أن الواقع هو أن ترامب رجل استعراضي.

نحن هنا، وبناء على جملة من التطورات الأولية التي وقعت بعد وقف إطلاق النار في قطاع، نقف أمام جملة من الأسئلة يتصدرها سؤال هام حول ما في جعبة الحاوي الأمريكي، الرئيس ترامب وطاقمه بالنسبة للشعب الفلسطيني، وحقه بإقامة دولته المستقلة، واتجاهات السياسة الأمريكية عربياً خلال ولايته.؟؟.