الألعاب النارية والقنابل غير متفجرة، التي أطلقها ترامب على مدار ثلاثة اسابيع،وكلما يخف الزخم الإعلامي حولها، يعمل على "تذخيرها" من جديد ، أغلبها غير مدروس، وطالت في غالبيتها حلفائه،من كندا الى المكسيك وبنما والدنمارك،وكذلك السعودية و مصر والأردن،وجدنا بأن هؤلاء الحلفاء من غير العرب، لم يصابوا بالذعر وصمدوا وتصدوا لمشاريع ترامب،واضطر ترامب للنزول عن سقوفه العالية،والقبول بالفتات التفاوضي،في بنما استثمارات في قاعدة عسكرية، بدل السيطرة على قناة بنما واستعادتها على حد زعمه، وفيما يتعلق بالمكسيك ،ارسال قوات مشتركة على الحدود لمراقبة الهجرة والتهريب،وتراجع عن ضم كندا كولاية 51 لأمريكا،والأصح 52،لأن اسرائيل ال 51 بإمتياز، وكذلك الإستيلاء على جزيرة غرينلاند الدنماركية.
أما حلفائه العرب وتحديداً مصر و الأردن والسعودية، حتى هذه اللحظة على الصعيد السياسي والإعلامي،لم يصابوا بالذعر من خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، الى مصر والأردن والسعودية، فالمواقف الصادرة عن تلك الدول، تؤكد على رفضها للاستيطان والطرد والتهجير والتمسك بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وليس فقط فتح مسار سياسي غير مضمون،العرب في قمتهم المزمع عقدها في القاهرة في السابع والعشرين من هذا الشهر بدعوة من الرئيس المصري السيسي،يجب ان يعبروا عن موقف عربي جمعي،مغاير لكل المواقف السابقة، التي تصدر عن تلك القمم العربية،والتي باتت مجال تندر المواطن العربي،والإستهزاء بالعرب من قبل دول العالم بأنهم ليسوا أكثر من ظاهرة صوتية، وفقط "يجعجعون" و"يثرثرون"، وعليهم ان لا يكونوا اقل قوة وتماسك وصمود من الدول الصغيرة، التي تحدت امريكا وترامب ودفعته للتراجع عن سقوفه العالية،هي فرصة تاريخية يجب ان تستغلها السعودية ومصر والأردن، لكي تستعيد الأمة جزء من كرامتها المسلوبة،والصورة السلبية التي تكونت عنها ، الصمود والثبات على المواقف المستندة الى إرادة وقيادة جريئة ومالكة لقرارها السياسي،تفرض شروطها،وهناك ميزة كبيرة عند الأمة العربية،حجم ما تمتلكه من عناصر قوة وضغط،مصادر طاقة وموقع جيواستراتيجي وثروات وأموال، ومصالح اقتصادية واسواق استهلاكية وممرات مائية وغيرها.
المقاومة في قطاع غزة المحاصرة والتي يهددها ترامب"،حسب المأثور الشعبي" كل ما دق الكوز في الجرة"، صمدت على مواقفها وبقيت ثابتة، ولم تهتز لها قناة، ولذلك فرضت على نتنياهو النزول عن سقوفه العالية والعودة لتنفيذ المرحلة الأولى من الإتفاق، بتنفيذ البرتوكول الإنساني، ادخال مواد الإغاثة والإيواء وفق الأولويات،بما في ذلك الخيام والمساكن المتنقلة،والمعدات الثقيلة والمولدات الكهربائية والبطاريات والمحروقات وغاز الطبخ.
السعودية ومصر والأردن، يجب ان تكون حجر الرحى،في معركة تفرض فيها شروطها،لكي تصنع فجراً جديداً لأمة طال سباتها،فالتراجع والسقوط يعني وقوع كامل المنطقة تحت السيطرة الأمريكية والإسرائيلية لقرن قادم، وخاصة ان هذا الرئيس المأفون وجه صفعات قوية لها،عندما قال رغم الرفض المصري والأردني لخطة الطرد والتهجير، بأنهم سيفعلون ذلك ورددها ثلاث مرات، اما بالنسبة للسعودية، فقال بأنه يجب عليها التطبيع مع اسرائيل دون الحديث عن دولة فلسطينية،ورئيس وزراء الإحتلال نتنياهو، قال بأن السعودية اذا اشترطت لتطبيع علاقاتها معنا، بإقامة دولة فلسطينية، فلتقام على أرضهم، فلديهم أراضي واسعة، هذه المواقف الإستفزازية والمتعجرفة الأمريكية، دفعت بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والحكومة ووزارة الخارجية السعودتيتين ومجلس الشورى، الى رفض خطة التهجير تلك والضم والتهويد والإستيطان، والتاكيد على ان الموقف السعودي ثابت من القضية الفلسطينية، بأنه لا تطبيع مع اسرائيل،بدون اقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية.
المشاريع والمخططات الأمريكية، لا تستهدف فقط قطاع غزة،بل تستهدف كل الدول العربية،والإستفراد بهم ب" القطاعي"، والمأساة أنها في تلك الإستهدافات،تجند الدول العربية لخدمة مخططاتها ومشاريعها،كما حصل في العراق وسوريا واليمن و السودان وليبيا وغيرها من الدول الأخرى.
المواقف اللفظية والسياسة والإعلامية، على الرغم من اهميتها،ولكنها تبقى معلقة في الهواء بدون ترجمات الى افعال في ارض الواقع،ولعل تجربة جماعة أنصار الله اليمنية،التي أقرنت القول بالفعل،خير دليل وبرهان،فاليمن عندما،أعلن وما زال يعلن ويقول، أنه سيقف الى جانب الشعب الفلسطيني وقيادته، وبأنه اذا انقلبت اسرائيل وشريكتها أمريكا على وقف إطلاق النار وصفقة التبادل،او سعت امريكا لتنفيذ خطة الطرد والتهجير بحق سكان قطاع غزة،فاليمن جاهز للتدخل عسكرياً،وهو لن يتردد في اسناد الشعب الفلسطيني عسكرياً وسياسياً واعلاميا، وهو طوال معركة السابع من اكتوبر/2023 ، ساند الشعب الفلسطيني عسكرياً وسياسياً واعلامياً وشعبياً، وفرض حصار بحري اقتصادي شامل، على السفن التي تحمل بضائع الى اسرائيل، ومنعها من المرور من باب المندب، وكذلك شارك عسكرياً عبر إطلاق الصواريخ البالستية والفرط صوتية " فلسطين 1" و" فلسطين 2" وذو الفقار والمسيرات الإنقضاضية "يافا"،بقصف اهداف استراتيجية وحيوية،عسكرية واقتصادية وأمنية في عمق اسرائيل،ولم ترهبه لا التهديدات الأمريكية ولا البريطانية،ولا الحلف الذي شكلته أمريكا المعروف ب"حاس الإزدهار"،حارس الدمار،منعت اليمن من اغلاق باب المندب امام السفن التي تحمل البضائع لإسرائيل،فارضاً عليها حصار بحري اقتصادي شامل،وكذلك لم يرهب لا المدمرات ولا البوارج ولا السفن الأمريكية،وتعرض لأكثر من عدوان على اراضيه ومؤسساته المدنية،ومحطات الكهرباء ومصافي نفطه وغازه،من قبل امريكا وبريطانيا بشكل مشترك،وبعدوان ثلاثي مع اسرائيل،والنتيجة كانت رد يمني بإستهداف تلك المدمرات والبوارج أكثر من مرة،وحملها على الهروب من البحر الأحمر.
الرهان على اسقاط اخطر مشروع للطرد والتهجير في هذا العصر،متجاوزاً في مخاطره وتداعياته،وعد بلفور 2/تشرين ثاني/1917،وعد اقامة "بيت قومي لليهود على ارض فلسطين"،اساسه صمود الشعب الفلسطيني وثباته على ارضه،ولكن هذا المشروع يسقط بمصر والسعودية،فهاتان الدولتان لما لهما من دور وموقع وتأثير ومكانه واهمية وقدرات،ورصيد عربي واسلامي،يجعلهما محط انظار الشعوب العربية في الثبات على الموقف وعدم التراجع عنه في مؤتمر القمة العربي المزمع عقده في السابع والعشرين من هذا الشهر،هذا المخطط والمشروع لا يستهدف الشعب الفلسطيني لوحدة،بل هو يستهدف سيادة هاتين البلدين في العمق وامنهما القومي واستقرارهما ووحدة اراضيهما، الرهان عليكما وعلى الأردن معكما،وقبل ذلك الشعب الفلسطيني ،فتمرير هذا المشروع سيكون كارثة على امتنا العربي ،ربما تمتد تداعياته لمئة عام قادمة.