Menu

بين الدعم والتراجع: كيف أضرّت مواقف ترامب باليمين الإسرائيلي ونتنياهو؟

نبال عمر

نشر في مجلة الهدف العدد (68) (1542)

شهدت العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية مؤخرا تحولات جذرية، تميزت بدعم غير مسبوق من الإدارة الأمريكية الجديدة للسياسات الإسرائيلية، خاصة تلك التي يتبناها اليمين المتطرف، إلا أن بعض التصريحات والمواقف الصادرة عن ترامب، من قبيل تهديداته للمقاومة الفلسطينية في غزة وتراجعه عن مخطط التهجير ، أثرت بشكل سلبي ومباشر على المشهد السياسي الإسرائيلي، وأحدثت تداعيات ملموسة على اليمين الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو.

وهنا ربما يتساءل سائلٌ، كيف لكل هذا الدعم أن لا يخدم حكومة نتنياهو بل على العكس تمامًا ربما يمثل تهديدًا لاستقرار الائتلاف الحكومي الصهيوني، ولهذا تم إعداد هذا المقال من أجل الإجابة على بعض الأسئلة الواردة في ذهن القارئ، والأسباب متمثلة في الآتي.

تهديدات ترامب للمقاومة وتداعياتها

أصدر الرئيس ترامب في فبراير 2025، تهديدًا صريحًا ل حركة حماس ، مطالبًا إياها بإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة بحلول ظهر السبت، وإلا "ستفتح أبواب الجحيم". هذا التصريح رفع سقف التوقعات داخل إسرائيل، خاصة بين أوساط اليمين المتطرف، الذين رأوا فيه فرصة لتصعيد العمليات العسكرية ضد غزة وتحقيق مكاسب سياسية وأمنية، وهنا يكمن الفخ السياسي، حيث أن الحكومة الإسرائيلية لم تقدم على خطوات تصعيدية كبيرة تجاه غزة بعد انتهاء المهلة المحددة، هذا التردد أثار انتقادات داخلية، فقد اعتبر بعض قادة اليمين أن نتنياهو فوت فرصة ذهبية للضغط على حماس وتحقيق أهداف استراتيجية، ليبدأ منها مسلسل درامي داخل البيت السياسي الإسرائيلي لم ينتهِ إلى يومنا هذا ولا أظنه سينتهي في الوقت القريب، فبسبب عدم تنفيذ تهديدات ترامب المعلنة أضعف من مصداقية نتنياهو كقائد قوي قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، مما أثر على شعبيته داخل الأوساط اليمينية، وهذا بدوره أدى لانقسامات جلية داخل اليمين المتطرف.

تراجع ترامب عن خطة تهجير سكان غزة

بعدما طرح ترامب مقترحًا مثيرًا للجدل يقضي بتهجير سكان غزة إلى دول عربية مجاورة، مثل مصر والأردن، مع إعادة تطوير القطاع ليصبح منطقة مزدهرة. لاقى هذا المقترح ترحيبًا من اليمين الإسرائيلي، الذين رأوا فيه تحقيقًا لحلم قديم بإفراغ غزة من سكانها الفلسطينيين.

أما على الصعيد العربي والدولي، فقد واجه المقترح رفضًا قاطعًا معتبرين إياه انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي، ليواجه المقترح بعدة ضغوطات لم تكن تحتمل المكابرة، ليصرح ترامب بعدها بأن التهجير إن حدث فسيكون مؤقتًا ولأغراض إنسانية فحسب، تبدو هذه التصريحات وكأنه يتنصل بها من المقترح شيئًا فشيئًا.

وشعر اليمين الإسرائيلي بخيبة أمل كبيرة بعد تلك التراجعات، وهذا بدوره أدى لتراجع شعبيتهم على المستوى الداخلي، فبعد أن دخلوا في حرب لم يستطيعوا تحقيق أهدافها، كذلك فإن حليفهم الأقوى بدأ بالتراجع عن ما اعتبروه "الفكرة الثورية" ليأخذ اليمين عمومًا ونتنياهو خصوصًا الصفة الثانية في غضون أقل من شهر ويعود خالي الوفاض.

وفي ذات السياق تناولت الصحافة الإسرائيلية التهجير من عدة زوايا، ففي صحيفة يديعوت أحرونوت أشار المحلل العسكري يوآف زيتون إلى وجود تقديرات أمنية تشير إلى "عدم تقدم" مقترح ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة. وأوضح أن العقبة الأساسية تكمن في غياب دولة ثالثة مستعدة لاستقبالهم، مما يجعل تنفيذ الخطة غير واقعي، ومن جانبها لفتت الكاتبة في صحيفة معاريف آنا براسكي إلى أن هذه الخطة تفتقر إلى الواقعية وتواجه عقبات دولية وأخلاقية كبيرة وأن استمرار الحديث عن مثل هذه الخطط دون وجود آليات تنفيذية واضحة قد يضر بمصداقية إسرائيل على الساحة الدولية.

وفي ظل التخبط الذي يعانيه المشهد السياسي الإسرائيلي يلجأ اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو إلى الشماعة من أجل تعليق فشله عليها وهي التلويح براية الحرب وفتح أبواب الجحيم وكأن ما قد مضى كان بردا وسلاما، فبحسب تقرير نشره موقع "فرانس 24"، جاء هذا التهديد في إطار الضغط على حركة حماس للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، هذا التصعيد يعكس استخدام التهديد العسكري كأداة لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بتهجير السكان.

في ظل الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، وجد اليمين الإسرائيلي نفسه عالقًا بين التوقعات العالية والواقع السياسي المعقد، حيث أدى تراجع ترامب عن خطة التهجير وفشل نتنياهو في استثمار تهديداته ضد غزة إلى انقسامات داخلية وخيبة أمل بين مؤيديه. ومع تصاعد الضغوط الدولية والانقسامات الداخلية، يبقى نتنياهو وفريقه المتطرف في مواجهة تحديات متزايدة، محاولين التمسك بالتصعيد العسكري كحل أخير للحفاظ على مكانتهم، في مشهد سياسي يبدو أكثر اضطرابًا من أي وقت مضى.