يأبى الفلسطيني إلا أن يحمل وطنه في حلّه وتِرْحاله الذي كُتِب عليه بعد النكبة واللجوء عام 1948 ثم النزوح عام 1967 إلى مناطق اللجوء والشتات خاصة الدول العربية المحيطة " سورية , الأردن , مصر, العراق , لبنان " وغيرها من الدول الإقليمية والعالم ..أسْكَن فلسطين في قلبه وبات حاضناً لها ومدافعاً عنها ومحتفظاً بحقه بالعودة إليها رغم كل الاعتداءات الصهيونية والتهجير والتشريد والإبعاد , لم يكن كما غيره من الشعوب التي تعيش في أوطانها بل إن فلسطين هي التي سكنت في قلوب أبنائها وعاشوا سوية في بلدان اللجوء والاغتراب الذي طال الشعب الفلسطيني مجدداً إلى جانب الشعب السوري " منذ عام 2011" مما اضطرهم مرغمين لمغادرة سورية هرباً من النزاع المسلح الذي فُرض على الشعب السوري دفاعاً عن أبنائه وحريته وكرامته , خاضوا غمار تغريبة جديدة , انتشروا في شتى أصقاع الأرض ومنها تركيا باعتبارها ممراً لهم باتجاه أوروبا التي لم يستطع الجميع مغادرتها فاستقروا فيها وانخرطوا بالحياة الاقتصادية لأكثر من عقد , مع انتصار الثورة السورية يوم 8/12/2024 باتت الأبواب مشرعة أمام اللاجئين للعودة والمساهمة ببناء سورية الجديدة , عاد البعض ومازال البعض الآخر يفكر بالعودة نتيجة الشعور بالقلق والارتباك تجاه المتغيرات الجديدة .. توجهت بمجموعة أسئلة لبعض الفلسطينيين السوريين المقيمين بتركيا إقامة "سياحية أو لجوء" فأجابوا مشكورين :
• الكاتب والباحث الفلسطيني إبراهيم العلي رئيس متحف فلسطين في اسطنبول :
س1/ ماهي أبرز القطاعات الشعبية الفلسطينية الموجودة في تركيا وما أبرز نقاط معاناة اللاجئ الفلسطيني فيها ؟
- اللاجئ الفلسطيني في تركيا هو جزء من حالة اللجوء الكبيرة الموجودة هناك, استطاع خلال فترة وجوده أن يكون داخل كل القطاعات الناشئة لاستيعاب وتقنين حالة اللجوء فتراه موجوداً تحت اللافتات المختلفة التي تعنى بشرائح اللاجئين عموماً مثل المؤسسات ذات البعد التعليمي والاجتماعي والاقتصادي .
بالنسبة للمعاناة فهي متفاوتة ولا يمكن وضع الجميع تحت هذا المسمى فهناك شرائح استطاعت النهوض وإعادة ترتيب أوضاعها على الأصعدة كافة , وهناك من يفتقرون إلى وضع قانوني لأسباب ذاتية أو موضوعية حدّت من حصولهم على الخدمات المقدمة للاجئين في مجالي الصحة والتعليم على سبيل المثال لا الحصر .
س2/ كيف يقيّم اللاجئ الفلسطيني السوري في تركيا التطورات الأخيرة في سورية ؟
- اللاجئون الفلسطينيون في سورية بحكم سنوات اللجوء الطويلة هم جزء من النسيج الاجتماعي السوري وبالتالي فإن حالة اللجوء والنزوح المتكرر وما شهدته سورية من دمار وما قدمته من شهداء وما عانى منه الشعب السوري من حالات الاعتقال والإخفاء القسري والموت تحت التعذيب , كان الشعب الفلسطيني في سورية شريكاً في هذه المعاناة التي امتدّت عبر سنوات الثورة حيث قدّم آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين , وتعرضت غالبية المخيمات الفلسطينية للدمار والتهجير , وبالتالي فإن انتصار الثورة السورية هو انتصار للحق الفلسطيني .
س / برأيكم هل بدأ الفلسطيني السوري بحزم حقائبه للعودة إلى المخيمات الفلسطينية في سورية باعتبارها أصل الحكاية وتمثل خطوة باتجاه العودة إلى فلسطين ؟
- في الواقع اللاجئون الفلسطينيون من سورية إلى تركيا هم أحد ثلاثة شرائح فهناك شريحة بدأت بحزم حقائبها وعادت فعلاً إلى سورية خاصة أبناء المخيمات التي لا زالت بيوتها قائمة , وهناك شريحة ترغب بالعودة فعلاً ولكنها لا تملك تكاليف السفر والعودة , أما الشريحة الثالثة فغالبيتها من أبناء مخيم اليرموك المدمّر لديها الرغبة بالعودة لكن ليس لديها القدرة على ترميم منازلها أو إعادة إعمارها وبالتالي ستكون في سورية بحالة مشابهة لحالتها في تركيا فقررت البقاء واستبعدت خيار العودة في الفترة القريبة .
س/ ما هو دور المؤسسات الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني لتسهيل عودة اللاجئين إلى سورية بالتنسيق مع الجهات التركية والسورية ؟
- ليس هناك ما يمنع العودة الطوعية للاجئين الفلسطينيين من سورية في تركيا فالحكومة التركية تتعامل معهم كمعاملتها مع السوريين , إلا أنه تظهر أحياناً بعض العقبات نتيجة عدم وضوح بعض القوانين لدى الموظفين أو التفسير الملتبس لها على المعابر الحدودية , من وجهة نظري أنه يتوجب على المؤسسات الفلسطينية العاملة في تركيا التواصل مع الجهات الحكومية لتوضيح العلاقة القانونية بين الفلسطيني والسوري وماهيّة وثائق السفر السورية التي يحملها اللاجئون الفلسطينيون والعمل على تسوية الأوضاع القانونية للمخالفين لتسهيل عودة الراغبين بالإضافة إلى تقديم الدعم المالي اللازم لتحقيق عودة آمنة .
س/ باعتبارك من المبادرين لإقامة المتحف الفلسطيني في اسطنبول , هل تفكر بالعودة إلى سورية وإقامة نفس المشروع فيها ؟
- يتوجب على أبناء فلسطينيي سورية في كل مكان أن يكون لهم دور في إعادة تأهيل المخيمات والتجمعات الفلسطينية هناك فالإحصائيات التي تشير إلى وجود ما يقارب 430 ألف فلسطيني في سورية إلى جانب المسؤولية الوطنية والاجتماعية تلقي على كاهل جميع الناشطين والمؤثرين المسارعة إلى تقديم المشاريع والمبادرات التي من شأنها إعادة الحياة إلى تلك المخيمات وبث الأمل تلك النفوس وتعزيز الانتماء والتمسك بالهوية .
بالنسبة لفكرة إقامة متحف فلسطيني في سورية والذي يلعب دوراً مهماً في حفظ التراث والذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني فوجهة نظري أنها ممكنة وقابلة للتحقق وربما تشكّل نجاحاً أكبر من ناحية الوفر والغنى في المحتويات الممكن عرضها على اعتبار أن سورية بلد لجوء أول بالنسبة لآلاف الفلسطينيين الذين حملوا معهم الوثائق والأدوات والمفاتيح وغيرها من الأشياء التي كانت بحوزتهم في مرحلة ما قبل النكبة ..
• الناشط الفلسطيني السوري باتر تميم :
- يعيش معظم الفلسطينيين في تركيا حياة صعبة لا تلبي طموحاتهم بسبب هشاشة وضعهم القانوني وتعقيداته وذلك لغياب القانون الذي يُعرّف من هو "الفلسطيني السوري " مما ينعكس سلباً على وضعه المعيشي والخدمي .
- سقوط نظام الأسد أسعد الفلسطينيين السوريين في تركيا كونه السبب الأول بتهجيرهم بعد قصف مخيماتهم وتدميرها تدميراً ممنهجاً , والتضييق عليهم مما دفعهم للهجرة , كما يتوسمون خيراً بالحكومة الانتقالية بعد تعيين عدد من فلسطينيي سورية بمراكز حساسة مثل منصب وزير النفط , آملين إلغاء بعض القوانين التي ضيّق بها النظام السابق عليهم كقانون التملك العقاري .
- موضوع العودة إلى المخيمات يختلف من فلسطيني لآخر حسب الظروف الشخصية فعدد منهم دمّرت منازلهم وخسروا أرزاقهم فلا يوجد مأوى يعودوا إليه , كما يوجد عائلات فلسطينية عادت فعلاً وعدد آخر يتجهز للعودة .
- المؤسسات الفلسطينية وُجدت بسبب معاناة هذا الشعب ويجب عليها خدمته قدر الإمكان لا سيّما بالمساعدات المادية لتغطية أجور حافلات النقل للعودة إلى سورية وهي العائق الأكبر أمام العائلات الفلسطينية , كما يجب عليهم التواصل مع الجانب التركي لضمان تسهيل عودة الراغبين من الفلسطينيين السوريين من المعابر البرية بعد أن شهدنا منع دخول عدد منهم بحجة أنه يمنع دخول الفلسطيني حتى لو كان من مواليد سورية .
- فكرة العودة إلى سورية شبه محسومة لكن يجري دراسة كيفية تخطي بعض العقبات القانونية والمادية .
خلال دردشة جماعية مع بعض الفلسطينيات السوريات أجمعْنَ على رغبتهن بالعودة إلى المخيمات التي غادروها لكن بعض العقبات تحول دون ذلك :
- تقول أمل أنها حضرت مع زوجها وأطفالها الثلاثة قبل 10 سنوات بهدف المتابعة إلى الغرب .. غادر زوجها قبل عامين إلى المانيا ولم يحصل على الإقامة حتى الآن ! مع تغيير النظام باتت في حيرة من أمرها هل تعود إلى مخيم اليرموك لبيت متهالك ومن الصعب ترميمه , أم تنتظر أوراق لم الشمل ؟!
- طرحت زهرة مشكلة تعليم ابنتيها اللتين درستا باللغة التركية ولا تعرفان الكتابة بالعربية وهما بالمرحلة الإعدادية والثانوية , محتارة هل تعود معهما وتتفتح جروحهن لعدم العثور على زوجها في المعتقل !.
- تحدثت عفاف عن مشكلتها المزدوجة " مادية واجتماعية " فقد سافر زوجها قبل سنوات إلى النمسا على أمل اللحاق به لكنه طلّقها وارتبط بغيرها , تعيش مع ابنها "15 سنة " الذي ترك الدراسة والتحق بالعمل , وهي تعمل بورشة خياطة , مترددة بالعودة حالياً قبل استقرار الوضع وتوفر المستلزمات الضرورية خاصة وأن البيت في المخيم باسم زوجها الذي رفض أن تستقر فيه مع الابن كون شقيقته وعائلتها يعيشون فيه !.
- أم أكرم أفصحت عن مشكلة العائلة فزوجها عامل ولديهما طفلين وطفلتين بالمدارس العربية , تشجعوا جداً للعودة بعد انتصار الثورة لكن صادفتهم المشكلة المالية وأجور الطيران , تتمنى فتح باب العودة برياً لأنه أقل تكلفة , مازالوا بانتظار الفرج من المؤسسات أو الهيئات الفلسطينية لإيجاد حل !..
غيض من فيض مما تشعر به العائلات الفلسطينية السورية في تركيا والتي تعيش بترقب وحذر مما ينتظرهم خاصة مَن يقيم فيها بشكل مخالف ويتطلب تدخل المؤسسات الرسمية الفلسطينية للتواصل مع الحكومة التركية وتوفير الحلول المطلوبة لعودتهم إلى المخيمات أو المناطق السورية المختلفة حيث مكان إقامتهم السابق .. واستعادة حقهم بخدمات الأونروا التي انقطعت عنهم بعد لجوئهم إلى تركيا ..
أمل ورجاء بالمستقبل وانخراط اللاجئ الفلسطيني مجدداً بالمجتمع السوري في ظل تحديث القوانين المؤدية للاستقرار والتطوير مع التأكيد على حق العودة الذي أقرته كافة القوانين والشرائع الدولية ..