Menu

في مواجهة السياق الأيديولوجي والتاريخي لمخطط التهجير الصهيو - أميركي منذ النكبة وحتى طوفان الأقصى

عليان عليان

نشر في مجلة الهدف العدد (68) (1542)

جذور مخطط تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة ومن الضفة الغربية ومن عموم فلسطين بعد معركة طوفان الأقصى ، هي حجر الأساس في المشروع الصهيوني وما أعلن عنه نتنياهو وسيموريتش وبن غفير ، وارد في كل أدبيات الحركة الصهيونية بتياراتها المختلفة ، ابتداء من طروحات مؤسس الحركة ثيودور هرتزل ، وفي طروحات الصهيونية الليبرالية بزعامة حاييم وايزمان ، والصهيونية العمالية بزعامة ديفيد بن غوريون، والصهيونية المحافظة بزعامة فلاديمير جابو تنسكي، والصهيونية الدينية ، وما نجم عن هذه التيارات من تشكيلات صهيونية حزبية مثل حزب العمل وحيروت والليكود وكاديما والمفدال وشاس والمركز والقوة اليهودية والعظمة الصهيونية ألخ مع ضرورة الإشارة إلى أن الأحزاب العلمانية الصهيونية وظفت الطروحات التلمودية والتوراتية الزائفة في خدمة مخطط تهجير الشعب الفلسطيني والسيطرة على كامل فلسطين التاريخية .

 

طروحات التهجير لعرابي الحركة الصهيونية

ونستحضر هنا- على سبيل المثال لا الحصر- مقولات كل من ثيودور هرتزل وفلاديمير جابوتنسكي وديفيد بن غورون ، ويوسف فاتيس ، بشأن تهجير الشعب الفلسطيني من وطنه التاريخي .

من جانبه حدد هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 ضرورة إزالة سكان فلسطين بالشروط التالية:

طرد السكان الفلسطينيين عبر الحدود، وتوفير فرص العمل لهم في بلدان العبور، مع حرمانهم من أي عمل في بلدنا ويجب أن يتم نزع الملكية منهم".

أما جابونتسكي- زعيم الصهيونية المحافظة – فقد أطلق عام 1923 إبان الانتداب البريطاني لفلسطين ، أيديولوجية الجدار الحديدي ، وكتب "الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوافق بموجبها العرب على دولة يهودية في فلسطين، هي القوة التي تسحقهم وتذعنهم".

أما ديفيد بن غوريون- زعيم لصهيونية العمالية- رئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية لفلسطين، وبعد ذلك أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، كتب في رسالة عام 1937 إلى ابنه: "يجب أن نطرد العرب ونأخذ مكانهم".

وكتب يوسف فايتس ، الذي كان مسؤولاً كبير في الصندوق الوطني اليهود ، ومن من أقطاب الصهيونية العمالية في مذكراته عام 1940 " الحل الوحيد هو أرض (إسرائيل) الخالية من العرب، لا يوجد مجال هنا للتسوية، يجب نقلهم جميعاً ، لا يمكن أن تبقى قرية واحدة، ولا قبيلة واحدة".

 

مخطط التهجير من مطلع الخمسينات وحتى مطلع الألفية الراهنة

سبق مخطط التهجير الأمريكي والصهيوني ، سلسلة مخططات بعد نكبة 1948 التي تم خلالها تهجير (850) ألف نسمة من أصل مليون فلسطيني، على يد العصابات اليهودية وهدم 520 قرية ، من خلال خطتي دالت ونحشون التي نفذتها عصابات الإجرام الصهيونية مثل "الهاجانا وشتيرن واتسل ولحي" التي ارتكبت العديد من المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني.

ومن أبرز المخططات التي طرحت بعد النكبة ، مخطط تهجير أبناء قطاع غزة إلى سيناء الذي طرحه الأمريكي "بلاند فورد" مدير عام الأونروا عام 1953 ، بدعم من الرئيس الأمريكي "دوايت أيزنهاور"، وخطط التوطين منذ مطلع الخمسينات وحتى مطلع الستينات وأبرزها : مشاريع (الأونروا ) للتوطين 1952-1954 / مشاريع دالاس 1953 ، 1956 / مشاريع جونستون 1955 ، 1961/ مشروع ايدن 1955 / مشروع أيزنهاور 1957 ، 1958/ مشروع الرئيس جون كنيدي عام 1957/ مشروع الأمين العام للأمم المتحدة "همرشولد" 1959/ مشروع الرئيس بيل كلينتون عام 2000م....يضاف إلى ذلك المشاريع الاسرائيلية مثل : مشروع ليفي أشكول 1965 / مشروع إيجال آلون 1968 / مشروع شلومو جازيت 1994 .

وقد فشلت هذه المشاريع جميعها ، جراء رفض الشعب الفلسطيني لها ، حيث لعبت الثورة الفلسطينية بعد عام 1967 دوراُ رئيساً في افشالها، من خلال سلسلة قرارات صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ،حيث اعتبرت الجمعية العامة في قرارها رقم 2535 في ديسمبر (كانون أول) 1969 "أن مشكلة اللاجئين العرب الفلسطينيين ناشئة عن إنكار حقوقهم الوطنية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ".... وقد جرى التأكيد على هذه الحقوق في قرارات لاحقة نذكر منها : القرار 2628 في تشرين الثاني 1970/ القرار 2627 في كانون أول 1970 / القرار 2787 في كانون أول 1971 / القرار 2949 في كانون أول 1971 / القرار 3089 في كانون أول 1973 ، وقرار الأمم المتحدة الشهير رقم 3236 عام 1974الذي أكد على حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم الذين شردوا منها واقتلعوا منها والمطالبة بإعادتهم.

 

مشاريع التهجير عام 2010

ومن أبرز المشاريع التي طرحت منذ مطلع الألفية الراهنة :

  1. قرار الترانسفير الصهيوني 2010 :وقد تمثل في الأمرين العسكريين الإسرائيليين ، اللذان أصدرهما القائد العسكري الاسرائيلي اللواء غادي شامني، واللذان يحملان رقم 1649 ورقم 1650 ، واللذان يقضيان بترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، من الضفة الغربية والقدس، جرى توقيعهما مبكراً في تشرين أول 2009،
  2. مشروع جيورا آيلاند سنة 2010: مشروع جيورا آيلاند الذي ترأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي؛ وحمل مشروعه عنوان “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”، ونشر أوراقه مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية، والذي يستهدف تهجير أبناء قطاع غزة إلى سيناء عبر مقايضة أراضي في سيناء مع أراضي في النقب.

 

مخططات التهجير الصهيو أميركية بعد معركة طوفان الأقصى

لقد فشلت كافة مخططات التهجير السابقة، جراء رفض الشعب الفلسطيني لها وجراء انتفاضات وهبات شعبنا ومن ضمنها انتفاضة الأقصى ، وجاءت معركة طوفان الأقصى التاريخية في السابع من أكتوبر2023 ، والحرب العدوانية على قطاع غزة التي تلتها على مدى خمسة عشر شهراً ، لتهز أركان الكيان الصهيوني ، ولتطرح سؤال الوجود في الكيان لأول مرة ، ولتعمق أزماته على مختلف الصعد ، ولتصعد من هجرة اليهود من داخل فلسطين المحتلة إلى الخارج ، والتي وصلت إلى حدود (800 ) ألف يهودي منذ معركة الطوفان.

وفي مواجهة هذا الخطر الوجودي للكيان الصهيوني ، برزت مشاريع التهجير الصهيوأمريكية مجدداُ وأبرزها : مخطط ترامب، ومخطط ضم الضفة الغربية وتهجير أبنائها ، حيث برز هذا المخططان بعد انكسار العدوان الصهيو أميركي على قطاع غزة رغم استشهاد وإصابة ما يزيد عن (160) ألف فلسطيني في قطاع غزة ، وانكسار خطة الجنرالات في شمال قطاع غزة على وجه التحديد ،التي استهدفت تهجير أبناء شمال القطاع كمقدمة لتهجير كافة الفلسطينيين منه.

  1. خطة ترامب :

وهي الخطة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرابع من فبراير (شباط) الماضي أثناء لقائه مع نتنياهو ، التي تقضي بامتلاكه لقطاع غزة وتحويلها إلى ريفيرا الشرق الأوسط ، بعد تهجير أبنائها إلى الأردن و مصر وبلدان أخرى ، وعدم السماح لهم بالعودة إليها لاحقاً.

لقد كشفت الإمبريالية الأمريكية عن وجهها الأكثر بشاعة ، بطرحها هذه الخطة الاستعمارية

كما أن ترامب بهذا المخطط المجنون ، الذي أثلج صدور غلاة اليمين الصهيوني ، وتماهى به بالكامل مع مخطط زعيم الصهيونية الدينية ، "بتسلئيل سموتريش" وزعيم القوة اليهودية " "إيتمار بن غفير" تجاوز النهج الإمبريالي للدول الاستعمارية في القرن التاسع عشر، وتماهى مع النهج الصهيوني في الاستعمار الإجلائي الإحلالي .

ورغم تراجع ترامب عن هذا المخطط بزعم أنه مجرد " توصية- اقتراح"، وذلك لامتصاص الرفض الدولي له والرفض الفلسطيني الجذري له ، وجراء الرفض الرسمي الأردني والمصري له ، لكنه عاد ليؤكد على المشروع من خلال تصريح مبعوث الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط "ستيف ويتكوف" ، بأنه سيحضر إلى المنطقة ومعه مجموعة من المطورين العقاريين لبحث كيفية إعادة بناء القطاع وفق خطة ترامب .

 

2- خطة ضم الضفة الغربية

خطة ضم الضفة الغربية وتهجير الشعب الفلسطيني ،المثبتة في برنامج حكومة الائتلاف اليميني بزعامة نتنياهو عام 2022 ، التي أخذت طريقها للتطبيق الأولي بتاريخ 28 أغسطس/آب 2024، في الهجوم على مدن جنين وطولكرم وطوباس وبلدات شمالي الضفة الغربية المحتلة ، واستهداف المقاومين فيها، وصفتها حكومة العدو ، بأنها الأوسع منذ عملية "السور الواقي" عام 2002 ، وأطلق عليها العدو اسم " مخيمات صيفية"، وأطلقت عليها المقاومة الفلسطينية اسم "رعب المخيمات" ،حيث تصدى رجال المقاومة لقوات الاحتلال بكل جرأة وألحقوا بها خسائر كبيرة، واستشهد خلالها عدد كبير من المقاتلين الفلسطينيين من بينم قائد كتيبة طولكرم " أبو شجاع" ، ولجأ العدو في هذه المعركة إلى تجريف مساحات واسعة من البنية التحتية في هذه المخيمات.

وقد كشف وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك "يسرائيل كاتس" عن أهداف العدوان على المخيمات بزعمه " أن مخيمات اللاجئين هي بؤر للشر ، لا تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية وإنما تخضع لإيران، ويجب إخلاء مخيم جنين اللاجئين وبقية المخيمات من المدنيين والتعامل معها كما التعامل مع قطاع غزة".

وجاءت عملية الأسوار الحديدية العدوانية في (21) كانون ثاني (يناير) الماضي والمستمرة حتى الآن ، والتي تشارك فيها الوحدات الخاصة والشاباك وحرس الحدود، والقوات المدرعة والطائرات الحربية والمسيرة- والتي يتصدى لها المقاومون من مختلف الكتائب - لتبني على عدوان " مخيمات صيفية" باتجاه تهجير اللاجئين الفلسطينيين، حيث عمدت قوات الاحتلال إلى تهجير ما يزيد عن (40) ألف من سكان مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس والفارعة إلى بلدات فلسطينية مجاورة ،وهدم مباني المخيمات بشكل شبه كامل ، كما شملت العملية مدن طولكرم طوباس وطمون وقباطية ونابلس .

والأمور تتطور باتجاه تدمير كافة مخيمات اللاجئين في الضفة ، بعد إلغاء حكومة العدو دور وكالة الغوث ، والتضييق على المدن والقرى الفلسطينية، بنصب البوابات أمامها ، وبزيادة عدد الحواجز العسكرية التي تجاوزت (900) حاجزاً، كخطوات تمهيدية لدفع المواطنين للهجرة من الوطن ، لكن المعطيات على الأرض تؤكد أن هذه المخططات الصهيونية ستفشل جراء تطور المقاومة في الضفة ، وجراء مقدمات اندلاع انتفاضة جديدة ضد الاحتلال وضد تغول السلطة على المقاومة، باستمرارها في نهج التنسيق الأمني المذل.

 

في مواجهة خطط التهجير...ما العمل ؟

مقاومة خطط التهجير -في التقدير الموضوعي- تقتضي مواقف وإجراءات عملية على نحو:

  1. تشكيل قيادة موحدة للمقاومة في الضفة الغربية ، واستثمار اللحظة السياسية الراهنة لإشعال انتفاضة جماهيرية ،لا سيما وأن مبرراتها باتت متوفرة .

2- عقد مؤتمر وطني فلسطيني من كافة الفصائل ومن قوى المجتمع المدني ، لتوحيد الموقف الفلسطيني على خطة موحدة ، في مواجهة خطة ترامب في غزة وخطة ضم الضفة وتهجير أبنائها.

3- مطالبة الدول العربية باتخاذ موقف حاسم في القمة العربية من قضية التهجير وفق الخطة المصرية لإعادة بناء وتأهيل قطاع غزة ،والتصدي لمخططات التهجير لكل من مصر والأردن وأن لا تمس قرارات القمة نهج المقاومة في الضفة والقطاع.

4- توفير شبكة أمن من قبل الدول النفطية لكل من مصر والأردن لإفشال الضغوط الاقتصادية والمالية الأمريكية عليهما ، الهادفة إلى قبولهما بخطط التهجير.

5- استثمار الموقف الدولي الرافض بقوة لمشروع التهجير باتجاه تشكيل جبهة دولية لمواجهة وإفشال خطة ترامب في غزة ، وإفشال مشروع ضم الضفة وتهجير أبنائها.