بعد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أعلن الرئيس ترامب خطته القاضية بتهجير سكان القطاع، والاستيلاء عليه وتحويله إلى ريفيرا الشرق، وإلزام كل من مصر والأردن باستقبال المهجرين من أهل غزة .
وقد عبر الأردن عن رفضه الشديد خشية على أمنه القومي خاصة في ظل دعوات متكررة من قيادات الكيان الصهيوني المتعاقبة بضرورة إنشاء دولة فلسطينية في شرق النهر "الأردن" وهذا يعني في حال وافق الأردن على مشروع كهذا سيفتح شهية قادة الكيان إلى تهجير سكان الضفة الفلسطينية.
أما الموقف المصري الذي لا يختلف عن موقف الأردن في رفضه القاطع لأي عملية تهجير لأنه يعتقد أن مشروعاً مثل هذا في حال الموافقة عليه سيرمي القضية في الحضن المصري، من ناحية أخرى يخشى النظام المصري من ردة فعل الشارع المصري الرافض وبشدة لمشروع كهذا.
إن مخطط التهجير بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، واستمر بأشكال وصيغ متعددة لكن صمود الشعب الفلسطيني أفشل كل هذه المخططات. في أثناء العدوان على غزة والمستمر منذ خمسة عشرة شهراً، عاد مشروع التهجير إلى الواجهة منذ الأيام الأولى للحرب، وبقي هذا المخطط في صلب الإستراتيجية السياسية والعسكرية للاحتلال والهاجس الديمغرافي، فنجد أن الشعب الفلسطيني يقف أمام تطورات متسارعة، بين دعوات ترامب للسيطرة على غزة، والتطورات الميدانية تحضيراً لضم الضفة إلى إسرائيل.
لقد قام الفكر الصهيوني على مبدأ أن أرض فلسطين بلا شعب، وسيسكنها شعب بلا أرض، ولكي تصبح هذه الفكرة صالحة للتنفيذ لا بد أن تصبح الأرض فعلاً بلا شعب فلسطيني.
وإن موضوع التهجير القسري للفلسطينيين من ديارهم ووطنهم ليس بجديد منذ عام 1948 حتى اليوم؛ وغالباً ما تصدر دعوات التهجير الذي اقترب إلى ثمانية عقود تقريباً من سياسيين إسرائيليين، سواء من دولة الكيان أو دول أخرى، إما بدافع أمني أو سياسي، فمنذ عام 1948 للاحتلال الصهيوني لأراضي فلسطين تم تهجير /750,000/ فلسطيني من ديارهم نتيجة لعمليات عسكرية ارتكبتها العصابات الصهيونية، ومنذ ذلك التاريخ والموقف الفلسطيني والدولي رافض للتهجير، أصدرت الأمم المتحدة القرار /194/ الذي يؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم ولم ينفذ حتى الآن.
وفي حرب /1967/ عندما احتل الكيان الضفة الغربية وقطاع غزة و القدس الشرقية، تم تهجير /24/ ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأردن، ونحو/11/ ألفاً من قطاع غزة إلى مصر، كما ظهرت دعوات بعض السياسيين في الانتفاضة الأولى/1978-1983/ لتهجير الفلسطينيين من الضفة وقطاع غزة. ومن أبرز الداعين إلى ذلك السياسي الإسرائيلي رحبعام زئيفي الذي اقترح ترحيل الفلسطينيين إلى دول عربية لكنها منيت بالرفض والانتقام الواسع من المجتمع الدولي والدول العربية...
لكن هذا الهاجس لدى الاحتلال لن يتحقق لأسباب عديدة:
- مقاومة الأهالي وصمودهم بأرضهم.
ـ عدم وجود تأييد دولي على سياسة التهجير.
- عدم نجاح المخطط الإستراتيجي لدى الاحتلال في دمج أهالي /48/ .
وأخيراً زيادة معدل نسبة النمو الفلسطيني بالنسبة للمستوطنين وفقاً لأرقام دائرة الإحصاءات الفلسطينية. وهذا وضع حذر منه ساسة وباحثون إسرائيليون، ووصفوه بأنه "قنبلة ديمغرافية" ينبغي التخلص منها بأي وسيلة.
وهذا ما نجده في أوقات الحرب تعمد الكيان إلى ارتكاب المجازر والترويع، ونشر الإشاعات لدفع الفلسطينيين إلى الفرار من بيوتهم ومدنهم وقراهم، كما حدث في مجازر دير ياسين وقبية والدوايمة عام /1948/.
وفي أوقات السلم، اعتمدت وسائل كثيرة منها، التضييق الأمني والاقتصادي والمعيشي، من خلال تقييد الخدمات الصحية والتعليمية، وتقييد حركة الفلسطينيين من خلال مئات الحواجز التي أقامتها بين مدن وقرى الضفة الغربية، والسيطرة على الموارد الطبيعية ومنعهم من استغلالها.
إضافة إلى فرض العقوبات الجماعية، والغرامات المرتفعة، وعدم الاعتراف بمواطن البدو وتهجيرهم منها، وإقرار قانون أملاك الغائبين الذي مكن سلطات الاحتلال من وضع يدها على أملاك المهجرين.
رأى قادة الاحتلال في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إحداث تغيير إستراتيجي في وضع القطاع، وذلك بخلق منطقة عازلة داخله، أو احتلال شماله بالكامل وتفريغ سكانه، أو تهجير أهالي القطاع، أو نسبة كبيرة منهم، إلى خارج فلسطين، طوعاً أو كرهاً، براً أو بحراً.
وفي الحرب الجارية على القطاع، اعتمد جيش الاحتلال سياسة الترويع من خلال تشديد الحصار ليصبح حصاراً شاملاً، أوقف بموجبه الماء والغذاء والوقود والكهرباء، إضافة إلى القصف الهادف إلى إيقاع أعداد كبيرة من القتلى ونطاق واسع من الدمار، بما يشمل تقويض المرافق المدنية، وكل ما يلزم لاستمرار الحياة، كالمستشفيات والمدارس والمساجد، مع إبداء أصناف الوحشية في اعتقال الفلسطينيين. ومن أهداف هذا السلوك دفع أهل القطاع إلى الهجرة، وهذا استنساخ أكثر إجراماً وقسوة لنموذجي التهجير في /1948/ و/1967/.
كما استخدم الاحتلال أوامر الإخلاء المتدرجة لبعض مناطق القطاع بما يؤول إلى تجميعهم على الحدود مع مصر كمقدمة لتهجيرهم. وعلى الصعيد السياسي، طرحت حكومة الاحتلال التهجير حلاً للصراع ومنذ بدايات الحرب، يتم العمل إسرائيلياً على تجريم عموم أهالي القطاع لتبرير قتلهم وتهجيرهم، أو الترويج بأن من ترغب إسرائيل في تهجيرهم من مؤيدي حركة حماس كما جاء في تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموترتيش..
وتقف المنطقة هنا أمام تحديات جديدة، فهل ينجح ترامب في تنفيذ تصريحاته؟ وما هو دور المنطقة العربية في مواجهة هذا التخطيط؟