Menu

الإقليم واهتزازاته الجديدة

سعاده مصطفى أرشيد

ادخل يوم السابع من تشرين أول 2023 الإقليم في حالة استثنائية من الارتجاج وبما يتجاوز مسالة الصراع مع الاحتلال إلى أبعاد أوسع، وهي ارتجاجات لا زالت تتفاعل ولن تأخذ المنطقة شكلها النهائي قريبا، وهذا ما أكده المبعوث الأمريكي ويتكوف يوم الجمعة الماضي معبراً عن خشيته من أن ما جرى ويجري في غزة من أحداث سوف تنعكس على كامل الإقليم.

في غزة كانت البداية وكان صمود أسطوري ومقاومة فاقت الخيال وقدرته من أهل غزة على الاحتمال، لا يقاربها إلا نماذج قليله في التاريخ، ولكن 15 شهراً من الحرب كانت كفيله باستنفاذ قدرات المقاومة العسكرية والبشرية، في حين لم يتبق في غزة شيء لم يهدم أو يدمر، لم يبق فيها إلا أهلها الذين اصبحوا الهدف الوحيد لآلة القتل، ولمشاريع الثنائي ترامب- نتنياهو، و قد عاد الحديث من جديد عن تهجيرهم إلى مصر والأردن وأماكن ابعد، وها هي الحرب تضعهم أمام احد خيارين الهجرة أو الموت فيما لا يبدو أن هنالك أية مبادرة جدية لدعمهم وبما يعطيهم الأمل على الثبات والبقاء، و اكثر ما تطرحه الشقيقة الكبرى مصر وعلى لسان وزير خارجيتها إدارة لغزة على شكل شركة يحظر بها وجود أي فريق سياسي أو من له بعد قومي أو وطني.

في دمشق انتهى حكم حزب البعث بعد سته عقود ونيف متواصلة، ونصف قرن من حكم عائلة الأسد، كان النظام يبدي قدرة على الثبات في المفاصل الحاده التي كان يتعرض لها سواء في اشتباكه الحربي مع دوله الاحتلال أو في صراعه مع الإخوان المسلمين في الثمانينات ثم في الصراع الداخلي على السلطة والتي أدت إلى خروج الرجل القوي من كامل الصورة (رفعت الأسد)، وأخيراً فيما جرى منذ عام 2011 حتى نهاية العام الماضي حيث ساد الانطباع حتى حينه أن الصمود الطويل للدولة يؤكد أن النظام باقي، ولكن حصلت المفاجأة وانهار بشكل دراماتيكي وغير متوقع ، الأمر الذي له أسراره التي لم يعرف كثير منها بعد.

في لبنان قاد المعارضة السياسية حزب الله، كما قاد المقاومة لا بل واصبح رمزها الأول بعد أن اسقط اتفاق أوسلو عام 1993 السلاح كأداة لتحرير فلسطين واستبدلها بالمفاوضات، خاض حزب الله الحروب واثبت قدرة وجدارة برغم موازين القوى غير المتكافئة، وكان عصيا على الاختراق ولكن حادث أجهزة البيجر ثم مسلسل الاغتيالات لكثير من قادته وعلى راسهم أمينه العام كان إثباتاً أن فائض الثقة قد تجاوز حده، و بغض النظر أن كان الاختراق بشري أم تكنولوجي، فالنتيجة قد تكون انكفاء المقاومة وربما تكون في طريقها لان تصبح حزبا سياسياً تقليدياً.

الارتجاجات لم تتوقف وإنما تتفاعل بقوة وعنف مستهدفة مناطق مركزية أولها في تركية التي كان لها الدور المحوري في إعداد الوجبة المسمومة التي أطاحت بالدولة السورية، وجاءت بصنيعتها الشيخ الجولاني- احمد الشرع لاحقا رئيساً، بدستور جديد يجعل منه قابضاً على كل مفاصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأن كان غير قابض على حكم معظم الأرض السورية التي اجتاحها الإسرائيلي جنوبا بينما يسيطر الأكراد على شرق الفرات، فيما يحكم المناطق الأخرى إمراء الحرب من ذوي الذقون الكثة والعيون الغاضبة الحمراء.

قدمت تركية نفسها على إنها سيدة اللعبة و ناظمة الإيقاع في الإقليم، و هي بعد أن أوصلت الشرع إلى مكانه الحالي ترى أنها من يحكم ويقرر ويصنع الرؤساء في معاملها الاستخبارية، ولكنها اليوم تهتز بقوة تحت وقع المظاهرات التي أعقبت اعتقال رئيس بلدية أستنبول، المنافس القوي لحزب العدالة و التنمية ولرجب طيب أردوغان الذي كان تعليقه الأبرز أن تركية لا تحكم من الشارع وإنما منه، هذا فيما تنهار الليرة التركية وترتفع نسبة البطالة و تعاني البلاد من المهاجرين السوريين الذين لا يثقون بالحكم الجديد وبقدر يدفعهم للعودة، فيما الملف الكردي يتفاعل في غير صالح أنقرة وتبخرت أهزوجة حل حزب العمال الكردستاني التي علقت عليها أنقرة الآمال سريعا.

تقول الأمثال إنك تستطيع أن تكذب على كل الناس بعض الوقت ولكنك لا تستطيع أن تواصل خداعهم كل الوقت، وقد آزفت نهاية أحلام الخلافة العثمانية وزعامة العالم السني لدى اردوغان و بوادرها بالارتجاجات التي نراها وان كان من المبكر الحكم اذا كانت هذه هي النهاية أم بداية النهاية، و لكن الأكيد أن هذه الارتجاجات سيكون لها صداها عند صنائع أنقرة و خاصة الذين أوصلتهم للحكم في دمشق.