Menu

تلك الجديلة عشبة للأرض

أحمد علي هلال

نشر في مجلة الهدف العدد (69) (1543)

بأصابع مرتعشة تحسس الأب المكلوم جديلة ابنته باحثاً عن نداء للحياة أخير... تلك الطفلة المسجاة إثر قصف وحشي في مقتلة غزة، كانت تحلم وتحلم فقط كيف تصبح على وطن يليق بالشهداء والأنبياء، ولعلها نسيت جدائلها حيث تضفرها أصابع الصباح، صباح غزة الذي لا يشبهه أي صباح، قالت سأدعها عشبة لأرضي تنمو على مهل أغنية وقصيداً، يصمت الأب قليلاً كي لا يوقظ طفلته من نوم مفاجئ، وهو يهمس بينه وبين ذاته لعلها ذهبت إلى هناك سبقتنا بحلم ووردتين، ولعلها تحلم أكثر بوطن مبرأ من الغزاة... ذات مساء.. ذات صباح، كانت طيور الفجر تحوم في الأرجاء في طقس غريب، أشبه بالوداع أو اللقاء، لتنهمر الأغنيات لطفلة الجدائل، وينثال الغناء طليقاً زغردي يا ام الجدايل... يارا الـ جدايلها شقر، لم يعد مهماً اسمها ومن أي منطقة هي لأنها فلسطينية بما يكفي لأن تكون المكان... ذاكرة المكان، بكل براءتها وطفولتها الذاهبة إلى زمن آخر، لا يحتمل وحشاً في الحكايات كي تنام بهدوء، ولا يحتمل ذئاباً آخرين كي تستقبل حلمها، فهل انتهت الحكاية هنا يقول الراوي: لغزة ما يكفي من سردياتها اليومية، سرديات بشر كانوا هنا ولم يزالوا، وعادوا ليحتضنوا التراب إذ هو فضة أرواحهم، وإكسير أحلامهم الكبرى، يصغي الأب لرواة التاريخ لكنه يعود للهمس بنحيب متقطع، هي سردياتنا التي تفتتح الحضارة من جديد وتلهم الأسطورة كي تُروى على شفة التاريخ، هي غزة إذن مرة أولى وعاشرة، الجسر إلى فلسطين كلها..