Menu

الفاشية الصهيونية والإجرام الممنهج لاستهداف الأسرة الفلسطينية

أحمد عويدات

نشر في مجلة الهدف العدد (69) (1543)

لم يكن العالم على موعد مع هذا الكم الهائل من الجرائم الإسرائيلية التي لا تُعد ولا تُحصى، والتي أخذت أشكالاً وصنوفاً متعددة اخترقت من خلالها سجلات غينيس للأرقام القياسية. ولم تكن البشرية بأسرها تتوقع فظاعة وبشاعة هذه الجرائم ضد الأطفال والنساء الذين أصبحوا هدفاً دائماً لطائرات الكيان المغتصب فترامت أشلاؤهم هنا وهناك تحت خيمةٍ ممزقةٍ أصبحت بديلاً لمنزلهم المدمّر أوتحت أنقاض منزلٍ متهاوٍ إلا من بعض جدرانه ، حدث ذلك كل يوم وكل ساعة ، لكن ذاك اليوم كان الذي أعلن فيه المجرم نتنياهو استئناف الحرب بعد هدنةٍ قاربت الشهرين فكان الأعنف دموية ؛ إذ سقط أكثر من 450 شهيدا بينهم 150 طفلا ، ونحو 500 جريح كان جلّهم من الأطفال والنساء. إن هذا الإجرام الصهيوني المستمر والمتجدد كماً ونوعاً يعبر عن طبيعة الكيان وتأصله في البنية الفكرية والسيكولوجية والشخصية الدينية التوراتية المتطرفة التي لا تعيش ألا على دماء الفلسطينيين ، هذه الشخصية التي طالما دعت إلى قتل الطفل والمرأة والرجل والغنم والبقر..... وكل شيء له صلة بالحياة الفلسطينية ، ولعل الباحث الإسرائيلي الياهو يوسيان عبر عن ذلك بقوله "إن الطفل عدو والمرأة الحامل عدو لأنها تحمل طفلا عدوا"، لذلك إن استهداف الأطفال والنساء جاء ترجمة للعقيدة الصهيونية المتطرفة التي يُنشئ أطفالهم عليها في المدارس، وعليه فإن ما ورد في نشيدهم "الوطني" المزعوم "هاتكفاه"، إنما هو تجسيد واقعي لتلك الحقيقة، وهناك عامل آخر يقف وراء استهداف الأسرة الفلسطينية هو العقلية العسكرية العدوانية المدفوعة بمفهوم "الخطر الوجودي" التي تروّج له القوى اليمينية المتطرفة متمثلة بإيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي الذي اشترط العودة إلى الحكومة باستئناف نتنياهو الحرب وعدم توقيع صفقة مع المقاومة لتبادل الأسرى، وأيضا سموتريتش الذي طالما هدّد بالخروج من الحكومة إذا تم الانتقال إلى المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى .

وفي هذا السياق، تعصف الإنقسامات والخلافات الحادة بالكيان الصهيوني على خلفية تعطيل الاتفاق مع المقاومة لإتمام المرحلة الثانية من الصفقة، وكذلك من خلال الاحتجاجات والتظاهرات الحاشدة والصاخبة لذوي الأسرى وأحزاب المعارضة والطلبة وأساتذة الجامعات والنقابات والهيئات المجتمعية المطالبة باستقالة الحكومة بسبب إقالة نتنياهو لرئيس الشاباك رونين بار، الذي اتهم نتنياهو بمسؤوليته عن تعطيل صفقة تبادل الأسرى ، وقيام المحكمة العليا بتجميد هذا القرار، وما أعقبه من مصادقة حكومة نتنياهو على حجب الثقة عن المستشارة القضائية للحكومة بهدف تعطيل التحقيقات بتهم الفساد واستغلال السلطة الموجهة إلى نتنياهو، ولجوء هذا الأخير إلى الطلب من الكنيست المصادقة على "قانون تغيير تشكيلة لجنة تعيين القضاة "، في سعيه الدائم إلى تقويض السلطة القضائية ؛ استجابة لطلب المتطرفين المتدينين الذين ضموا في صفوفهم منظمتين إرهابيتين محظورتين من قبل القضاء الإسرائيلي مهمتهما ترويع وإرهاب الفلسطينيين والاعتداء على ممتلكاتهم وأراضيهم ، وبالنهاية قتل الأسرة الفلسطينية الممنهج

من خلال تسليح المستوطنين وحمايتهم ؛ مما أجج الشارع الإسرائيلي غضباً، و دفع برئيس وزراء إسرائيل السابق أيهود أولمرت إلى القول "نحن أقرب إلى حرب أهلية أكثر بكثير مما يدركه الناس، وأن نتنياهو مستعد للتضحية بكل شيء من أجل بقائه على سدة السلطة".

بينما أشار في هذا السياق رئيس المحكمة العليا السابق أهارون براك "أن نتنياهو انتهك عدداً لا يحصى من القواعد من أجل البقاء في السلطة والهروب، من مقاضاته".

وهناك عامل آخر وراء قتل الأسرة الفلسطينية هو الروح الانتقامية والثأرية لقوات الكيان الغازية ؛ نتيجة ما وقع بها من خسائر فادحة وهزائم متتالية على يد المقاومة. وهناك قتل من نوع آخر وثقت جزءاً منه نافي بيلاي رئيسة اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في انتهاكات "إسرائيل" للقانون الدولي يفيد: " بمسؤولية إسرائيل التسبب بإيذاء بدني ونفسي للنساء والفتيات له تداعياته المباشرة على الصحة النفسية والبدنية الإنجابية ". ولا بد من التذكير هنا بأن الاعتداء على "مركز البسمة للإخصاب وأطفال أنابيب" الذي تم قصفه في 17نيسان /أبريل 2024 قد الحق إيذاء بنحو5000 جنين وتسبب بتدمير جميع المواد الإنجابية المخزّنة لمساعدة الأمهات على الحمل والإنجاب، وهذا ما يشكل برهاناً ساطعاً على السياسة الفاشية الممنهجة لقتل الأسرة الفلسطينية باكراً والقضاء على المستقبل ، وهذا بالتأكيد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية ويعتبر شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية. يضاف إلى تلك العوامل محاولة القوات الإسرائيلية والمستوطنين النيل من كرامة وصلابة الشخصية الفلسطينية بكسر عنفوانها وكبريائها عندما "عمدت إلى ممارسة العنف الجنسي الممنهج والعنف القائم على النوع الاجتماعي"، كما جاء في تقرير رئيسة لجنة التحقيق الدولية المستقلة الذي حمل عنوان : "أكثر ما يحتمله أي إنسان". وكان آخر اعتداء جنسي حصل على شقيقين فلسطينيين- يفترض أنهما طفلين- في شهر كانون الثاني حسب ما أوردته صحيفة هآرتس العبرية ، التي أشارت إلى تعرضهما للخطف وللتعذيب والاعتداء الجنسي. وقد سبق ذلك تلك الجريمة التي وقعت في الزنازين الإسرائيلية عندما تم الاغتصاب الجماعي للمعتقلين الذكور في العام الماضي من قبل السجّانين والمستوطنين الإسرائيليين وقد تم عرض مشاهد من هذه الجريمة على شاشات التلفزة لبعض القنوات الإخبارية. إن هذه الممارسات والانتهاكات ليست جديدة على الجيش الإسرائيلي، فقد شهدت بلدات الصفصاف ودير ياسين والجش إبان نكبة 1948 قتل نحو 250 فلسطينياً بعد الاعتداء عليهم جنسياً ، معظمهم من الأطفال والفتيات والنساء.

واليوم، تتعرض الأسرة الفلسطينية إلى جريمة التجويع والتعطيش لتشكل شاهداً حيّاً على نازية وفاشية الكيان الصهيوني، وهي شكل آخر من جرائم الإبادة الجماعية ، ناهيك عن تدمير كل مقومات الحياة وبناها التحتية ؛ فقد مضى أكثر من 30 يوما على إغلاق كافة المعابر ومنع دخول المساعدات إلى غزة وهي الفترة الأطول منذ بدء طوفان الأقصى وهي الأسوأ فتكاً بالتزامن مع غضب الطبيعة من أمطار ورياح وبرد ، ومع تزايد الإجرام الصهيوني قصفاً بالغارات الجوية للطائرات الحربية وقذائف الدبابات والمدفعية وتوغل القوات الإسرائيلية وحصارها للمناطق الآهلة بالسكان في تل السلطان وبيت لاهيا وغيرها ؛ لارتكاب المزيد من مجازر الإبادة الجماعية، كما أشار إلى ذلك وزيرالدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعالون:"ان الجيش ينفذ تطهيراً عرقياً في غزة ".

كل هذا يحدث مع انعدام الأمل بوقف هذه الحرب الفاشية خاصة مع انكشاف الترابط النازي الإجرامي بين نتنياهو وإدارة ترامب بفرض تحقيق الأهداف بالقوة ؛ وأية أهداف غير قتل الأسرة الفلسطينية ، وتهجير من تبقى قسرياً بالضغط الإنساني والعسكري ، و الاستيلاء على الأراضي في قطاع غزة كسياسة تبناها نتنياهو مؤخراً لفرض شروطه على المقاومة ، وفرض الاستسلام عليها بتسليم سلاحها ، وتحريض أزلام السلطة والعملاء ضدها للنيل من حاضنتها الشعبية ومن صمودها الأسطوري. كل ذلك يتم والعالم غير آبه لصور أشلاء الأطفال وصرخات الأمهات الثكالى وآهات ومعاناة 80 % من ذوي الأمراض المزمنة والجرحى الذين يفتقدون إلى أدنى العناية الطبية والدوائية، هذا العالم الذي نسي ما أقرّته محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الإنسان، وهيئات الأمم المتحدة الأخرى ، التي تطالب بمحاسبة المجرمين والقتلة والسماح بدخول المساعدات ، وعدم رهن ذلك بمواقف سياسية أو عسكرية ميدانية ، هذا العالم الذي يكتفي بالتنديد والاستنكار لتفاقم الوضع الإنساني الكارثي الذي لم يُشاهد له مثيل ولا سابقة بهذه الشدة والترويع ؛ إذ يعاني نحو 90 % من الغزيين، من فقدان مصادر المياه الصالحة للشرب ، ونحو 85 % فقدوا مصادر الغذاء الرئيسية بسبب منع المساعدات بحسب مصادر مكتب الإعلام الحكومي في غزة.

إن البلطجة الإسرائيلية والجنون الإجرامي الإسرائيلي وبدعم أمريكي أدى إلى سقوط خمسين ألف شهيد و 113 ألف جريح و 14000 آخرين لا زالوا مفقودين ، كما أدى إلى إخفاء أسر فلسطينية بالكامل من سجلات القيد المدني وصلت إلى نحو أكثر من 1200 أسرة.

بالرغم من هذا، فإن الأرقام تشير إلى تزايد معدلات الإنجاب وتزايد سكاني في صفوف الغزيين، خاصة أثناء الحرب مقارنة بالأعوام السابقة ؛ مما يشير إلى صلابة الأسرة الفلسطينية ، واستحالة تدميرها بكل السبل والعوامل التي يمارسها المحتل. إن هذا يؤكد حقيقة واقعية لطالما شدوناها مع شاعرنا محمود درويش ، ونتوجه بها إلى الرأي العام العالمي الذي لازال عاجزاً عن القيام بواجبه الإنساني :

"على هذه الأرض ما يستحق الحياة".