Menu

مفاوضات أم تزجية للوقت؟

سعاده مصطفى أرشيد

الهدف الإخبارية

لم تتوقف الحرب في غزة ووقودها الدم والأرواح وأجساد المدنيين، فيما تدور مفاوضات غير مباشرة بين المقاومة ودولة الاحتلال في الدوحة أحياناً وفي القاهرة أحياناً أخرى. هذه المفاوضات تبدو وكأنها تزجية للوقت، وفي آخر ما حُرّر يقول قيادي في المقاومة مساء أمس الاثنين، أن المقترح الذي قدّمه المصريّون يتضمن نصاً صريحاً بشأن نزع سلاح المقاومة. وعلى ما يبدو أن ذلك مقابله لا شيء. الأمر الذي يعني الاستسلام.

لم يكن موضوع الحرب على غزة موضوعاً محورياً في لقاء ترامب نتنياهو الأسبوع الماضي، فقد كان جلّ اهتمام الرئيس الأميركي نزع فتيل الاشتعال في سورية ما بين حليفه «الإسرائيلي» وحليفه التركي الذي قال إنه يحبّه والوصول إلى تقاسم مصالح بينهما. والمسألة الثانية كانت من أجل ضبط السلوك «الإسرائيلي» والحيلولة دون قيام نتنياهو بعمل قد يعطل مشروع التفاوض الأميركي الإيراني الذي قد يكون من المبكر اعتباره واعداً إذ لا زالت طريقه محفوفة بالمخاطر، والذي قد يحتاج من الرئيس الإيراني وفريقه من الإصلاحيين المعتدلين حسم بعض المسائل مع المرشد وفريقه الأكثر أصولية وحذراً.

أما في الملف الفلسطيني، فالرئيس الأميركي ترامب لم يغيّر من رؤيته لغزة ومن مشروعه الذي ستكون مقدمته فقط التهجير والسيطرة على غزة، باعتبارها مشروعاً عقارياً سياحياً، ثم تتالى المسائل بشطب حق العودة والتعويض وحكاية حل الدولتين المملّة إلا إن كانت الدولة الفلسطينية ستُقام خارج فلسطين. إنها باختصار شطب المسألة الفلسطينية برمّتها فيما ترد أنباء عن مشاريع نقل أهل غزة إلى مناطق عديدة في العالم منها شمال سورية ومنها إلى القرن الأفريقي في دولة أرض الصومال غير المعترف بها مقابل حصول هذه الدولة على الاعتراف الأميركي وبالتالي العالمي.

كان الرئيس الأميركي قد قال في لقائه مع الصحافيين الذي أعقب زيارة نتنياهو للبيت الأبيض أن الحرب في غزة ستنتهي قريباً وأنّه طلب من نتنياهو الإسراع في إنهائها، أي أنه طلب منه تكثيف قتله وقصفه لغزة وحسم الأمور فيها خلال فترة محددة، وذلك في سبيل إنجاح زيارته المقررة للسعودية. فهو يريد منه أن يسحق غزة قبل ذلك التاريخ وبما يجعل أي حديث له مع وليّ العهد السعوديّ لا يتجاوز المشاعر الإنسانية الكاذبة وشيء من الإغاثة والبحث عن مأوى لمن بقي حياً ولم تقتله الأسلحة الأميركية التي يضرب بها «الإسرائيلي».

تدرك المقاومة في غزة أن هذا الفصل الدامي من القتال هدفه التهجير، وبالتالي فإن هدفها من الصمود في القتال هو منع التهجير، بخاصة أن الدمار الشامل قد حصل والقتل العشوائيّ الذي يستهدف البشر والحجر يتواصل. فالمسألة أصبحت أشبه بمسألة العضّ على الأصابع فمن يصرخ أولاً هو مَن يخسر.

صحيح أن نتنياهو وفريقه الحكومي يريدون الحرب ويقطعون الطريق على أي مبادرة لوقفها، وهم قادرون على احتمال احتجاج الشارع «الإسرائيلي» الذي يريد الإفراج عن الرهائن، فيما لا يبالي نتنياهو بأرواحهم كما لا يبالي ببكائيّات ذويهم الذين يدعمهم معارضوه، ولكن المؤسسات الأمنية المحترفة في دولة الاحتلال أصبحت تميل إلى وقف الحرب ولو على طريقة استراحة محارب واستئناف الحرب لاحقاً.

يطرح التساؤل المشروع هل سيكون ولي العهد السعودي محرجاً إذا استقبل ضيفه الرئيس الأميركي والحرب في غزة لا زالت مشتعلة؟ وهل سيبادر إلى إعلان التطبيع الرسميّ والعلنيّ مع دولة الاحتلال في مثل هذا الوضع؟

ربّما، ولكن للتذكير ففي نيسان 2002 حاصر جيش الاحتلال كنيسة المهد في بيت لحم مدعياً أن مجموعة من المقاومين المطلوبين للاعتقال قد احتلوها وأنهم قد أخذوا رهبانها رهائن، الأمر الذي نفاه الرهبان، فأطلق الجيش «الإسرائيلي» على الكنيسة قنابله ورصاصه وقتل قارع أجراسها ولم تفلح الوساطات الدينية الكنسية في وقف العدوان على الكنيسة. في ذلك الوقت كان رئيس الوزراء الاحتلال أرئيل شارون يهمّ بزيارة واشنطن، فاتصل بابا الفاتيكان بالرئيس الأميركي معاتباً إذ كيف يستقبل شارون وكنيسة المهد محاصرة؟ حينها أبلغت واشنطن تل أبيب أن على شارون إنهاء الحصار قبل مجيئه، الأمر الذي حصل خلال 24 ساعة. فهل لمن يريد أن يكون زعيماً للعالم العربي والإسلامي (محمد بن سلمان) أن يفعل مثل ما فعل زعيم العالم المسيحي؟!

*سياسي فلسطيني