Menu

حزمة الرسوم الجمركية الأمريكية تنذر بخطر ركود عالمي جديد

عليان عليان

بوابة الهدف

 

أثارت الإدارة الأمريكية برفعها الرسوم الجمركية في الثاني من نيسان ( إبريل )الماضي -الذي وصفته بأنه " يوم التحرير"- على مختلف دول العالم الحليفة والعدو لها ، ردود فعل هائلة من قبل هذه الدول ومن قبل منظمة التجارة العالمية ، ومن قبل البنوك العالمية الكبرى، وباتت هذه الأطراف تحذر من ركود اقتصادي يشبه كساد 1929 ، وركود 1997 وكساد 2008-2009 وركود الكورونا مع ضرورة ،الإشارة إلى أن رفع الرسوم الجمركية سبق وأن تسبب في ركود اقتصادي في فترات متفاوتة في القرنين السابقين ، ويقدّم التاريخ الاقتصادي دروسًا مهمة حول مخاطر الحروب التجارية.

واعتبر ترمب أن قراره يصحح أخطاء تجارية وجمركية امتدت 50 سنة، سمحت بزيادة ثروات دول استفادت شركاتها من دخول الأسواق الأميركية، في وقت واجهت الصادرات الصناعية الأميركية رسوما مرتفعة وتضييقات غير مالية، قدر تعريفاتها بضعفي ما تم توقيع

لقد شهدت الولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر (6)حالات ركود اقتصادي عميق -يُعرّف هنا بأنه انكماش اقتصادي مستمر لستة أرباع متتالية أو أكثر ،جميعها باستثناء واحدة، كانت نتيجة مباشرة أو تفاقمت بفعل الرسوم الجمركية والقيود التجارية، وقد تتسبب سياسة ترامب الجمركية في أضرار جسيمة ما لم يتم كبحها بسرعة.

والركود الاقتصادي المحتمل جراء قرارات ترامب ، قد يتحول إلى كساد في إطار الدورة الرأسمالية المرافقة للنظام الرأسمالي ، الذي تختلف أسبابه من فترة إلى أخرى ، حيث أجمع منظرو الاقتصاد السياسي للرأسمالية ،أن هذا النظام قد جبل على خلق الأزمات، بل يذهب بعضهم للقول أن هذا النظام حامل لأزمات مثلما تحمل السحب المطر، وفيه سنوات عواصف شديدة ، إلا أنها تختلف في البدايات والحدوث، فقد تبدأ الأزمة في هذا القطاع أو ذاك، مثلما هو جسد أي دولة، فهنالك مناطق رخوة يمكن أن تكون هي مكمن الخطر ، كونها لم تكن قد تحسبت لما يمكن أن يحدث عندما تضعف آليات الضبط الاقتصادي ، التي يعتمدها كل نظام وبالتالي كل دولة.

انعكاسات رفع الرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي

عاشت البورصات العالمية الاثنين (السابع من نيسان/أبريل 2025) أسوأ الانهيارات منذ أزمة "الخميس الأسود" عام 1929 ، بعد أن وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حزمة رسوم تعريفات جمركية "بتاريخ 2 نيسان 2025 ( يوم التحرير الاقتصادي) ، شملت الحلفاء والأصدقاء والخصوم على السواء في 60 دولة، وصفهم بـ"الشركاء غير النزهاء" وتراوحت معدلات التعريفات الجديدة بين 10 في المئة على المملكة المتحدة والبرازيل و46 في المئة على فيتنام، وبلغت النسبة 34 في المئة على الصين و32 في المئة على تايوان، و26 المئة على الهند وكوريا الجنوبية، و24 في المئة على اليابان، و20 في المئة على دول الاتحاد الأوروبي، و17 في المئة على (إسرائيل) و10 في المئة على بقية الموردين إلى الأسواق الأميركية ولم يُعلن أي رسوم على كندا والمكسيك) لكن التعريفات عادت لتشمل معظم دول العالم ، حيث لم يأبه ترامب بتأثيرات هذه الرسوم على حلفائه في دول الاتحاد الأوروبي وفي الدول الصناعية السبع ، وإن كان لخصمه الاقتصادي الرئيسي ( الصين ) حصة الأسد في هذه الرسوم التي وصلت إلى حد 145 بالمائة وهذه النسبة من الرسوم الجمركية غير مسبوقة منذ الكساد الكبير ، سددت ضرية قاسية لمبادئ الحرية التجارية التي تقوم عليها منظمة التجارة العالمية.

تجدر الإشارة إلى أن أكثر الدول تأثراً بالتعرفة الجمركية الأمريكية بالترتيب هي : الصين / فيتنام / تايلاند / تايوان / إندونيسيا/ سويسرا / جنوب إفريقيا / الهند / كوريا الجنوبية/ اليابان.

كما أن أكثر الدول عربية تأثراً برفع الرسوم الجمركية بالترتيب هي : الإمارات / السعودية / مصر / المغرب/ قطر / الأردن / الكويت/ الجزائر/ سلطنة عمان / البحرين

انعكاسات رفع التعرفة الجمركية على الاقتصاد الأمريكي

المعطيات الرقمية لمنظومة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على مختلف الدول سواء تلك المصنفة في إدطار الحلفاء أو الخصوم وانعكاسها على القيمة السوقية للشركات الكبرى تكذب التقديرات المتفائلة حول تحقيق مكاسب تقدر ب (6) ترليون دولار خلال عقد من الزمن هذا ( أولاً) و(ثانياً ) فات خبراء الاقتصاد في عهد ترامب أن هذه الإجراءات ستخلق ضغوطات تضخمية على الاقتصاد الأمريكي ، من زاوية ارتفاع أسعار السلع وانخفاض الطلب عليها جراء انخفاض القوة الشرائية من يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وخلق مقدمات للركود الاقتصادي ، خاصة وأن المستهلكين الأميركيين، وليس المصدرين الأجانب- وفق ما ذكرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" هم من يتحملون فعليا الرسوم الجمركية الجديدة،وهذا يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية، من السيارات إلى الأجهزة الإلكترونية. و(ثالثاً) ستنعكس بالسلب على القطاع الزراعي الأمريكي الذي هو من أكثر القطاعات الأميركية اعتمادا على التصدير، وقد تكبّد المزارعون الأميركيون خسائر تُقدّر بـ27 مليار دولار خلال ولاية ترامب الأولى نتيجة الرسوم الانتقامية، وفقا لوكالة "رويترز".

لقد شهدت الأسواق الأميركية تراجعا حادا عقب الإعلان عن الرسوم الجديدة، حيث خسرت شركات التكنولوجيا الكبرى، المعروفة بـ"السبع العظام" (Magnificent 7)، نحو 1.8 تريليون دولار من قيمتها السوقية خلال يومين فقط، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس ، وكانت شركة آبل الأكثر تضررا، بخسارة قدرها 311 مليار دولار من قيمتها السوقية خلال يوم واحد، كما تضررت شركات أخرى تعمل في مجالات الزراعة والفضاء والمعدات الثقيلة لا سيما تلك التي تعتمد على السوق الصينية.

وكان رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول،) من أن هذه الرسوم قد ترفع الأسعار وتُبطئ النمو الاقتصادي، مخالفا بذلك توقعات الإدارة الأميركية بخفض الأسعار ، وأكد أن التكاليف الإضافية الناتجة عن الرسوم غالبا ما يتحملها المستهلك الأميركي، وهو ما يتفق عليه العديد من الاقتصاديين الذين أشاروا إلى أن هذه الرسوم تنعكس في النهاية على أسعار السلع اليومية..

لقد لحقت بالصناعات الأمريكية خسائر هائلة جراء رفع الرسوم الجمركية ، إذ إنه وفقًا لتقديرات مختبر ميزانية جامعة ييل، ستكون واردات المنسوجات والسيارات والإلكترونيات من بين الأكثر تضررا، وذلك قد يؤدي إلى:ارتفاع أسعار الملابس بنسبة تصل إلى 32.7%. / زيادة أسعار المنسوجات غير الملبوسة بنسبة 18%./ / ارتفاع أسعار السيارات بنسبة 15.8%، أي ما يعادل زيادة تبلغ نحو 7600 دولار على متوسط سعر السيارة لعام 2024/ زيادة أسعار المنتجات الطازجة بنسبة 6.2%. / ارتفاع عام في أسعار المواد الغذائية بنسبة 4.5%..

أما قطاع الإلكترونيات في الولايات المتحدة فهو الأكثر تأثرا ، لأن المصانع الصينية تنتج أكثر من نظيراتها في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا مجتمعة، والعديد من المنتجات المستوردة إلى الولايات المتحدة تأتي من الصين. كما تمثل الصين المصدر الرئيسي للإلكترونيات الاستهلاكية في السوق الأميركية.

وقال الأستاذ المساعد في الاقتصاد التطبيقي والسياسات بجامعة كورنيل، ويندونغ زانغ، لصحيفة نيويورك تايمز، إن هذه الرسوم سيكون لها تأثير اقتصادي كبير، مشيرا إلى أن: 73%من الهواتف الذكية / و78% من الحواسيب المحمولة/ و87% من أجهزة ألعاب الفيديو/ و87% من أجهزة ألعاب الفيديو تأتي من الصين، وذلك يعني أن تأثير الرسوم الجمركية على هذا القطاع سيكون كبيرا للغاية.

في ضوء ما تقدم فإن توقعات ترامب والخبراء الاقتصاديين الذين زينوا له فوائد رفع التعرفات الجمركية ، من زاوية توقع الحصول على 600 مليار دولار سنويا ً ، وتحقيق مكاسب بقيمة (6) ترليون دولار خلال بضعة سنوات تجاهلوا (أولاً) انعكاسات زيادة التعرفة الجمركية على المواطن الأمريكي جراء ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والكمالية المصدرة من الصين وغيرها ، لا سيما وأن الصين رفعت الرسوم الجمركية بنسبة 125% على السلع الأميركية اعتبارا من 12 نيسان الماضي ، وذلك ارتفاعا من 84% التي أعلنت عنها في وقت سابق، مما يزيد من حدة حرب تجارية تنذر باضطراب سلاسل التوريد حول العالم .

وتجاهلوا (ثانياً) الخسائر الهائلة التي لحقت وستلحق بالشركات والصناعات الأمريكية الكبرى وتجاهلوا (ثالثاً)التضخم جراء انخفاض الطلب على مختلف السلع بحكم انخفاض القوة الشرائية للمواطن الأمريكي ، ناهيك أن توقعات ترامب بأن تلجأ الشركات من مختلف دول العالم إلى الاستثمار داخل الولايات المتحدة غير مضمون ، وفق العديد من الخبراء الاقتصاديين ، ومن ثم فإن ترامب بإجراءاته الجمركية يلحق ضرراً بالولايات المتحدة لا يقل عن الضرر الاقتصادي الذي يلحقه بالدول الأخرى ، وهو بهذه الإجراءات بات كمن يطلق النار على قدميه.

منظمة التجارة العالمية تحذر من ركود قادم

منظمة التجارة العالمية تتوقع انخفاضاً بنسبة 0.2% في التجارة العالمية للسلع عام 2025، مع تراجع حاد في صادرات أميركا الشمالية، وتحذر من انكماش أكبر في حال استمرار التوترات السياسية والرسوم الجمركية المتبادلة.

وحذّرت المنظمة من سيناريو أكثر تشاؤماً، حيث قد تشهد التجارة العالمية انكماشاً يصل إلى 1.5-% في العام 2025، في حال تدهور الوضع بما في ذلك تطبيق رسوم جمركية "متبادلة" وتداعيات أوسع لعدم اليقين السياسي.

وفي مؤتمر صحافي، عبّرت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، نغوزي "أوكونجو إيويالا" عن قلقها البالغ إزاء حالة عدم اليقين المحيطة بالسياسة التجارية، بما في ذلك المواجهة بين الولايات المتحدة والصين.

وأشارت إلى أنّه "خففت التهدئة الأخيرة للتوترات الجمركية بعض الضغوط على التجارة العالمية مؤقتاً، إلّا أنّ "حالة عدم اليقين المستمرة تهدد بعرقلة النمو العالمي، مع عواقب سلبية وخيمة على العالم، ولا سيما الاقتصادات الأكثر ضعفاً".

ترامب يوحد بقية دول العالم ضده

وهذه الرسوم المتفاوتة من دولة إلى أخرى، خلقت حالة من الاصطفافات الدولية ضد نهج الحماية الجارية ، رغم أن العديد من الدول مثل اليابان وغيرها باتت ترضخ لإملاءات ترامب وتضطر للدخول في مفاوضات معه للتقليل من حجم خسائرها ، فها هي جمهورية الصين الشعبية تتحالف مع مجموعة دول " آسيان" في مواجهة الهجمة الجمركية الأمريكية ، في حين تترنح دول الاتحاد الأوروبي جراء هذه الرسوم التي تلحق أكبر الضرر باقتصاداتها ، ولا تجرؤ على التصعيد أو التحالف مع الصين بحكم أنها لم تتجاوز تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية منذ مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية .

لكن الدول الأوروبية واليابان وكوريا الجنوبية ، قد تحبذ التعامل التجاري مع الصين دون أن تدخل في تحالف معها ضد الولايات المتحدة،لأنها ترى فيها خصماً أيديولوجياً ، لا سيما وأن الصين في تعاملاتها التجارية تسعى لتطبيق مبدأ ( رابح- رابح) لإفشال النهج الامبريالي الأمريكي.

فالرئيس ترمب بقراره الخطير القاضي برفع الرسوم الجمركية ، يدق مسمارا في نعش التحالف الاقتصادي والجيوسياسي والعسكري، الذي امتد على مدى 80 سنة، ظلت فيها الولايات المتحدة قائدة العالم الحر ،الداعمة تحرير التجارة والمبادلات وحرية الملكية الخاصة والاستثمارات ورؤوس الأموال ، كما أنه ينقلب على مبادئ التجارة الحرة التي أرساها عالم الاقتصاد البريطاني "آدم سميث" ، وينقلب على اتفاقية الجات مبادئ منظمة التجارة العالمية التي جرت بلورتها في مفاوضات الأوراغواي( 1986- 1993) .

ونختم بالقول أن الخاسر الرئيس من مبادئ التجارة الحرة ومن الحمائية التجارية ، دول العالم الثالث التي لا تملك القدرة على المنافسة ، وسبق للمفكر العربي المصري أن حذر من منظمة التجارة العالمية بقوله :" الهدف المركزي والأساسي لإنشاء منظمة التجارة العالمية، إخضاع العالم للقوى النيوليبرالية المعولمة، وربما يتطور مجلس إدارة هذه المنظمة مستقبلاً ليحل محل الأمم المتحدة، ولا يمكن أن يدار هذا النظام العالمي دون تدخل عسكري وهو ما يحدث عبر الذراع العسكري للمنظمة (حلف الناتو) وما حدث في الخليج ويوغسلافيا وغيرهما يؤكد هذه الحقيقة".