عملية السابع من أكتوبر أحدثت زلزالا ً في الكيان الصهيوني، لامست فكرة وجوده، كما أحدثت ارتدادات على القوى والدول الداعمة لتلك العملية، وانتقل فضاؤها إلى دول العالم وشعوبها، إزاء تلك العملية تحرك الكيان الصهيوني وحلفاؤه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية للرد على هذه العملية عبر حرب تدميرية مفتوحة وشاملة، طالت البشر والحجر وحرقت الأخضر واليابس في قطاع غزة، أسفرت حتى اللحظة عن استشهاد أكثر من 52 ألفاً وجرح أكثر من مئة وعشرين ألفاً، وتدمير كل مقومات الحياة في قطاع غزة، كما أدت إلى توجيه ضربات موجعة لحزب الله الذي شارك كقوة إسناد لغزة.
لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة على لسان مجرم الحرب نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب عن خارطة جديدة للشرق الأوسط يتم التحضير لها استناداً إلى منجزات يعتقد قادة الكيان وأمريكا أنهم حققوها.
•ملامح الشرق الأوسط الجديد
فلسطينياً
كل المفاوضات بين قادة المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني عبر الوسطاء لا تتعثر بسبب حجم الأسرى المفرج عنهم، ولا بسبب عدد أيام الهدنة، بل بسبب المرحلة الثانية من الاتفاق التي تشمل وقف إطلاق النار نهائياً والانسحاب وإعادة الإعمار ومن يحكم عزة، حصل الإسرائيلي على تعهد من القمة العربية بعدم حكم حماس ل غزة في المرحلة الثانية وبموافقة الحركة.
يحاول الإسرائيلي عبر الضغط العسكري تجريد حماس والمقاومة من سلاحها بشكل كامل وإذا تعذر ذلك تدمير الصواريخ ومعامل إنتاجها وتدمير الأنفاق عبر إشراف إحدى الدول العربية الموثوقة لديه، والحصول على هدنة طويلة الأمد قد تمتد إلى 25 عاماً.
فتح باب الهجرة الطوعية وتقديم التسهيلات اللازمة لذلك، ضم مناطق واسعة من الضفة الفلسطينية وضمان اعتراف أمريكا بذلك مع الإبقاء على السلطة الفلسطينية ككيان هش محاصر له دور أمني بعد إعادة هيكلتها.
إذا لم ينجح الضغط العسكري سيلجأ الكيان وحليفته أمريكا إلى مقايضة إعادة الإعمار بتلك المطالب.
لبنان..
بعد الضربات المؤلمة التي تلقاها حزب الله وانتخاب رئيساً للبنان ورئيساً للوزراء ليسا من مؤيدي بقاء سلاح المقاومة خارج سيطرة الدولة.
تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى مقايضة الانسحاب من المناطق اللبنانية التي احتلتها، والحفاظ على الهدوء في الداخل اللبناني، وإعادة الإعمار وتقديم مساعدات عاجلة للنهوض بالاقتصاد مقابل سحب سلاح حزب الله أو السيطرة على السلاح عبر ما يسمى إستراتيجية الدفاع التي تتلخص (بأن يكون هذا السلاح والتشكيل التابع لحزب الله تحت سيطرة وزارة الدفاع اللبنانية ويتلقى الأوامر منها ويصبح قرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية).
دفع الحكومة اللبنانية للحوار المباشر مع إسرائيل لترسيم الحدود يفضي إلى الاعتراف المتبادل والتطبيع.
سورية
بعد أربعة عشر عاما ً من الحرب خرجت سورية مدمرة اقتصادياً وتم تدمير كل القدرات العسكرية لديها، وتحتاج سورية إلى إعادة إعمار على كافة المستويات ويقدر الخبراء أنها تحتاج إلى ترليون دولار، إزاء هذا الواقع الاقتصادي المتردي والمشاكل الداخلية التي تعاني منها، تعتقد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أنها أمام فرصة تاريخية لمقايضة رفع الحصار الأمريكي بمطالب سياسية وعلى رأسها التطبيع مع إسرائيل ومناقشة مشكلات الحدود وليس احتلال إسرائيل للأرض السورية، وإذا لم تنجح في ذلك ستعمل على تسعير الخلافات بين مكونات الشعب السوري وصولاً إلى التقسيم أو الفدرلة.
إيران
الجزرة والعصا هذه السياسة التي سيتبعها ترامب مع إيران خاصة بعد فقدانها سورية وتراجع قوة حلفائها في لبنان وفلسطين والعراق، سيسعى إلى اتفاق شامل مع إيران يشمل البرنامج النووي والصواريخ بعيدة المدى ودعم حلفائها في لبنان وفلسطين و اليمن والعراق، أو اللجوء إلى الخيار العسكري الذي تفضله إسرائيل وتحاول إقناع إدارة ترامب به، يقول الصحفي الإسرائيلي ارئيل كهانا (من وجهة النظر الأمريكية، حلّ قضية الأسرى هو مجرد مرحلة واحدة في الطريق نحو الرؤية الكبرى لـ"شرق أوسط جديد"، تقوم أساساً على إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. أي، بمجرد حلّ "المشكلة الصغيرة" المتعلقة بالأسرى، يمكن التوجّه نحو الخطة الكبرى، التي ستنضم في إطارها السعودية ولبنان والعديد من الدول العربية والإسلامية إلى اتفاقيات أبراهام، وتوقع اتفاقيات تعاون علنية مع إسرائيل.
بشكل عام، يمكن تشبيه الأسابيع والأشهر القادمة بالفترة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. كان واضحاً من المنتصر ومن الخاسر، لكن طريقة إنهاء الحرب وحدود ما بعد الحرب لم تكن قد تحددت بشكل نهائي. من المتوقع أن يصاحبنا هذا المسار في الأشهر المقبلة، وقد يكون درامياً مثل القنابل الذرية التي أُلقيت على هيروشيما وناغازاكي).
الشرق الأوسط كله على مفترق طرق والقضية الفلسطينية في القلب منه، الخيارات المتاحة أمام شعوب وحكام المنطقة وأمام الشعب الفلسطيني ليست كبيرة إما الرضوخ والاستسلام لهذا المخطط أو الصمود بانتظار حدوث متغيرات، فالبلطجة الأمريكية ستواجه برد فعل عالمي، والداخل الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله وسيشهد جملة من المتغيرات على مستوى المجتمع والأحزاب والمؤسسة العسكرية، وهي قادمة لا محال .