Menu

المركزي الفلسطيني يخول رئيس السلطة باختيار حسين الشيخ نائبا له تنفيذا لإملاءات واشنطن

عليان عليان

نشر في مجلة الهدف العدد (70) (1544)

بعد مهزلة خطاب رئيس السلطة في افتتاح جلسة المجلس المركزي الفلسطيني في دورته ال (36) ، بتاريخ 24-6-2025 ،الذي طالب فيه المقاومة بالإفراج عن الأسرى الصهاينة بلغة استفزت الشارعين الفلسطيني والعربي عندما قال : "يا أولاد الكلب سلموا الرهائن الذين بحوزتكم... سدوا ذرائعهم" ، دون أن يأتي على ذكر (10) آلاف أسير فلسطيني يقبعون في السجون الصهيونية ".

ولم يكتف بذلك بل أضاف : "أنا زعلطي ، ويجب أن تُنهي حماس سيطرتها على قطاع غزة وأن تُسلم كل أسلحتها وشؤونها للسلطة الوطنية الفلسطينية، وأن تتحول إلى حزب سياسي يعمل وفقاً لقوانين الدولة الفلسطينية ، ويتمسك بالشرعية الدولية" ، كما كرر شروطه لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية ممثلةً : "بالالتزام ببرنامج منظمة التحرير السياسي (برنامج أبو مازن) في الاعتراف باتفاقيات أوسلو وبحق ( إسرائيل) في الوجود ، ونبذ العنف ( المقاومة) والقبول بالتنسيق الأمني ، والقبول بشعار الدولتين " الذي سبق وأن رفضه العدو وأكد رفضه بتشريع صادر عن الكنيست الصهيوني بتاريخ 17 تموز (يوليو) 2024.

ما يجب الإشارة إليه هنا ما يلي :

1- أن هذا الاجتماع للمجلس ، جاء بناء على طلب كل من الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني لإنجاز البند الرئيس على جدول الأعمال ، ألا وهو استحداث منصب نائب الرئيس ، وإن كان الأمر يقتضي الإشارة إلى طرح بنود شكلية للتمويه تحت عنوان " لا للإبادة ...لا للاستيطان...لا للتهجير ... إلخ".

2- أن هذا الاجتماع عقد على عجل لتلبية الإملاءات الأمريكية، إذ جرت العادة لعقد المجلس ، أن يتم التحضير له قبل فترة بمشاركة الفصائل والشخصيات الوطنية للتداول في جدول الأعمال ، ولإنضاج الحوار حول القضايا المطروحة قبل التصويت عليها.

3- وأن الشخص المطلوب لإشغال موقع نائب الرئيس : الحرف الأول من اسمه (حسين الشيخ).

4- أن رئيس السلطة تجاهل في خطابه وفي جدول أعمال المجلس ،التفاهمات السابقة بين حركة فتح التي يرأسها وبين بقية فصائل المقاومة وآخرها " اتفاق بكين"، ومن المعلوم أنه رفض توقيع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح " محمود العالول - أبو جهاد" على اتفاق بكين.

 

فصائل المقاومة تقاطع المجلس وترفض مخرجاته

لقد رفضت الفصائل الرئيسية في منظمة التحرير ، مدخلات اجتماع المجلس ومخرجاته وهي : الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والمبادرة الوطنية ، وحزب الشعب الفلسطيني ، ولم يصوت على قرارته من الفصائل سوى حركة فتح ، وفصيلين مجهريين هما : جبهة التحرير الفلسطينية ( أبو العباس) ، أما حركتا حماس والجهاد لاسلامي اللتان خارج إطار منظمة التحرير ومؤسساتها، فقد أدانتا بقوة ما جاء في خطاب عباس وأكدتا على الوحدة الوطنية على أرضية برنامج المقاومة.

لقدت تكاملت الفصائل الفلسطينية في رفضها لآلية عقد الاجتماع ، وفي رفض ما جاء في خطاب رئيس السلطة من شتم للمقاومة في قطاع غزة ، وفي رفضها " لتخريجة" انتخاب نائب الرئيس ، وأجمعت الفصائل – التي سنأتي على ذكرها- على أن الاجتماع وانتخاب حسين الشيخ ، بالطريقة التي وافق عليها المجلس لمركزي ، جاء استجابةً لإملاءات خارجية، وتكريسًا لنهج التفرد والإقصاء.

كما بررت رفضها المشاركة في اجتماع المجلس، أو الانسحاب منه وذلك على النحو التالي :

- الجبهة الشعبية: بررت عدم مشاركتها في اجتماع المجلس الاجتماعات باعتباره خطوة مجتزأة، ولا يمكن أن يكون بديلا عن الخطوات التي حدّدتها جولات الحوار ومخرجاتها المُكررة، والتي جرى تعطيل تنفيذها أكثر من مرة ، ودعت إلى عقد اجتماع للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، لبحث تشكيل مجلس وطني جديد، يعكس تمثيلا وطنيا شاملا، ومحددات لشراكة وطنية حقيقية في اتخاذ القرار ، في ما يتعلق بالشأن الوطني وإدارة الصراع مع الاحتلال وتشكيل حكومة توافق وطني.

- الجبهة الديمقراطية: انسحبت من الاجتماع بعد خطاب عباس ، وبررت انسحابها بدعوى عدم تحقق الحد الأدنى من الحوار المطلوب قبيل انعقاده ، وسجلت عضو المكتب السياسي للجبهة "ماجدة المصري "في كلمتها اعتراض "الجبهة" بشكل واضح على آلية عقد الدورة، في ظل غياب التحضيرات اللازمة لعقدها، وغياب الحوار الوطني بين كل الفصائل، إلى جانب اعتراضها على تصريحات الرئيس محمود عباس ضد حركة "حماس".

وقالت، في مؤتمر صحافي: "قررنا الانسحاب مما تبقى من جلسات المجلس المركزي لما يمكن أن يترتب في نهايتها من نتائج خطرة، خاصة أن المؤشرات التي جاءت في خطاب الرئيس (عباس) تشير إلى خطورة المرحلة، وما يمكن أن يخرج عن المجلس من نتائج".

 

  • حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية : بررت مقاطعتها لاجتماعات المجلس المركزي إلى كونها متأخرة، ولأن هذا الاجتماع كان يجب أن يعقد منذ شهور لبلورة استراتيجية وطنية كفاحية موحّدة ، للتصدي لحرب الإبادة والتجويع والتهجير في غزة والضفة الغربية.

- حزب الشعب الفلسطيني: أعلن على لسان كل من أمينه العام بسام الصالحي - عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير - ولسان عضو المكتب السياسي "فهمي شاهين" "أن الحزب انسحب لاحقاً منن جلسات المجلس المركزي، داعيًا المجلس المركزي وحركة فتح لبدء حوار فوري مع كافة القوى بما فيها حركتي حماس والجهاد، لتحقيق خطاب موحد لمنظمة التحرير ، لوقف الإبادة الجماعية المستمرة ضد شعبنا ، وأن "قضايا أخرى يجب أن يكون لها الأولوية ،غير منصب نائب الرئيس، يجب أن تعالج في سياق التوافق الوطني الشامل بين كافة القوى السياسية ،بعد هذه الفترة الطويلة من العدوان على شعبنا.

- حركة حماس : وهي ليست عضوا في منظمة التحرير الفلسطينية، أكدت رفضها للنهج الأحادي في إدارة الشأن الوطني وأن هذا المجلس لا يعبر عن الإجماع الوطني الفلسطيني، واعتبرت نتائج اجتماع المجلس المركزي خيبة أمل وطنية عميقة لأنها تجاهلت تطلعات الشعب الفلسطيني للوحدة، في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، وتصاعد التهديدات التي تستهدف وجوده وقضيته، لا سيما في الضفة الغربية و القدس .

- حركة الجهاد الإٍسلامي : قالت في بيان لها " اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لم يتم استجابة لحرب الإبادة والمعاناة التي يعيشها شعبنا، بل جاء استجابة لضغوط دولية وإقليمية، بهدف استحداث منصب نائب مزدوج لرئيس السلطة في رام الله ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن الاجتماع، الذي عقد بعد ما يزيد على عام ونصف العام من الحرب المتواصلة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني بدعم من الإدارة الأمريكية تجاهل معاناة الفلسطينيين وتعامل مع القضايا المصيرية كأنها ثانوية .

 

قرار المجلس المركزي على مقاس "حسين الشيخ"

لقد أصدر المجلس المركزي قراره الرئيس بشأن استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين بالأغلبية الساحقة ، لكن في غياب النصاب السياسي المطلوب ، وينص القرار على أن يعين النائب من بين أعضاء اللجنة التنفيذية، بترشيح من رئيس اللجنة ومصادقة أعضائها، ويحق لرئيس اللجنة تكليفه بمهام، وأن يعفيه من منصبه، وأن يقبل استقالته.

وهكذا وضع المجلس، قرار تحديد الشخص الذي يتولى منصب نائب الرئيس في يد رئيس السلطة الفلسطينية ، الذي دعا إلى عقد اجتماع اللجنة التنفيذية بتاريخ 26 نيسان الماضي ، مقترحاً اسم " حسين الشيخ - أمين سر المنظمة - لشغل موقع نائب الرئيس حيث صادقت اللجنة التنفيذية على الاقتراح فوراً ، ليصبح " حسين الشيخ" نائباً لرئيس منظمة التحرير ونائبا لرئيس السلطة ، ونائباً لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

 

مدى قانونية القرار :

قبل الحديث عن مدى قانونية المجلس في استحداث منصب نائب الرئيس، نشير إلى مسألة محددة ، وهي أن رئيس السلطة يكيف الأمور على النحو الذي يريد ، فتارة يعتبر أن ما يصدر عن المجلس المركزي توصيات غير ملزمة وليس قرارات إذا كانت لا تخدم نهجه وإذا كانت تخدم نهجه يعتبر أي قرار يصدر عن المجلس ملزماً.

يجمع العديد من خبراء القانون في الساحة الفلسطينية ، أن انتخاب نائباً للرئيس يخالف ميثاق منظمة التحرير من زاوية أن المادة الـ13 من ميثاق المنظمة التي تنص على "أن يتم انتخاب جميع أعضاء اللجنة التنفيذية من قبل المجلس الوطني، وأن يتم انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية من قبل اللجنة التنفيذية، التي تنتخب من داخل المجلس، ولا يوجد ذكر لمنصب نائب الرئيس".

ووفق خبراء قانونيين، فإن استحداث المنصب يتطلب موافقة المجلس الوطني الفلسطيني على تغيير البند 13 من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما يتيح استحداث المنصب لكن المجلس المركزي حصل على تفويض من المجلس الوطني عام 2018 بتولي مهامه دونما إجراء التعديل القانوني المطلوب للمادة (13) .

هذا من جانب ومن جانب آخر ، فإن المجلس الذي اتخذ القرار ، استناداً لتوفر النصاب العددي القانوني لانعقاده إلا أنه لم يحصل على الشرعية التنظيمية الفصائلية، جراء غياب وانسحاب الفصائل الأساسية من اجتماع المجلس.

ومن جانب ثالث : لو افترضنا جدلاً ضرورة انتخاب نائبا للرئيس، رغم عدم وجود نص في ميثاق المنظمة يجيز ذاك، فإن أبجديات البعد الديمقراطي ، تقتضي أن يكون هناك أكثر من مرشح يجري التصويت له وليس مرشحاً واحداً ، مصمماً على مقاس شخص واحد.

يضاف لذلك أن المجلس المركزي الواجب انعقاده كل ثلاثة أشهر، وفق النظام الداخلي للمنظمة بوصفه الهيئة الوسيطة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية ، لكن سنوات عديدة قد تمر دونما دعوة لانعقاده ، وغالبا ما يستدعى للانعقاد ،عندما تريد السلطة تمرير بعض القرارات، فعلى سبيل المثال لا الحصر : رغم مرور ثلاث سنوات على انعقاد الدورة (31) التي عقدت عام 2022 ، ورغم مرور 17 شهراً على حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة فقد دعي المجلس المركزي للانعقاد في دورة جديدة في 23 نيسان 2025 لتمرير اتخاذ قرار تنصيب " حسين الشيخ" لشغل موقع النائب لثلاثة مواقع رئيسية.

 

لماذا اختيار حسين الشيخ ؟

وأخيرا يبقى السؤال : لماذا اختار رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" "حسين الشيخ" مرشحاً وحيداً لشغل موقع النائب له ؟ هل هو مرتبط بجانب الكفاءة والمهنية؟ أم لأسباب أخرى؟

وفق تقديرات معظم المحللين وفصائل المقاومة ، فإن ترشيحه واختياره لموقع نائب الرئيس لا يتعلق بجانب الكفاءة والمهنية والنقاء الوظيفي ، بل بناءٍ على إملاءات أمريكية وضغوطات من بعض الدول العربية ..هذا ( أولاً) و ( ثانيا) لأنه منذ فترة طويلة الذراع اليمنى للرئيس الفلسطيني والملتزم بنهجه في معاداة المقاومة المسلحة و(ثالثاُ) لأنه يرى أن التعاون والتفاهم مع (إسرائيل) هو السبيل لنيل حقوق الشعب الفلسطيني وليس الصدام معها ، وذلك في ضوء سجله الوظيفي والمهني بعد إنشاء السلطة الفلسطينية، إثر توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 .

فقد عمل حسين الشيخ في قوات الأمن الفلسطيني برتبة عقيد منذ عام 1994 و حتى عام 1997، ثم لعب دوراً مركزياً في بلورة وتفعيل التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وبنى علاقات واسعة مع قيادات إسرائيلية، مما أهله لتولي منصب وزير الهيئة العامة للشؤون المدنية، ورئيس لجنة التنسيق المدنية العليا ، التي تعتبر حلقة الوصل الرسمية الفلسطينية مع حكومات العدو المتعاقبة، وذلك منذ عام 2007.