تشهد مؤسسات الاحتلال أزمة عميقة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس جهاز الأمن الداخلي رونين بار، التي تفجرت علنًا بعد قرار نتنياهو في 16 مارس-آذار 2025 إقالة بار بدعوى "فقدان الثقة" بحكمته الأمنية، ما أثار صدامًا دستورياً وأمنياً وحالة من الفوضى والاحتجاجات داخل الأراضي المحتلة.
لم تقتصر الخلافات على مسألة فقدان الثقة؛ فقد توالت التهم المتبادلة بين الرجلين.
حيث اتهم نتنياهو بار بـــ:
● التساهل الأمني: إثارة ثغرات للمعلومات وتسريب تفاصيل اجتماعات حكومية وسيناريوهات عملياتية حساسة أضرت بخطط المواجهة.
● سوء الإدارة: الفشل في تنسيق أجهزة الاستخبارات بما يكفي لمنع تسلل خلايا المقاومة.
● التسييس: السماح لعدد من ضباطه بالتعبير عن مواقف معارضة للحكومة علنًا.
في المقابل، رد بار بأن نتنياهو
● يسعى لتوجيه الشاباك لخدمة مصالحه الشخصية، عبر أوامر التجسس على المحتجين والدفاع عن نفسه في قضايا الفساد.
● يطالب بولاءات شخصية تتنافى مع استقلالية المؤسسة المهنية.
● يستهدف تهميش رأيه الأمني حين يخالف توجّهه السياسي أو يحرجه في المفاوضات مع واشنطن بشأن إيران.
جاء اقتراح نتنياهو بإقالة بار أمام الكابينيت الحكومي مصحوبًا بتصريحه بأن "الثقة التامة في رئيس جهاز الأمن الداخلي أمرٌ لا غنى عنه في زمن الحرب"، وأن تسريبات داخلية أخّرت اتخاذ قرارات أمنية مصيرية وأضرت بمصالح الاحتلال في الملفات الحساسة.
ردّ بار في إفادته للمحكمة العليا بأن مطالبة رئيس الوزراء بولاء شخصي تتعارض مع واجبه الدستوري في حماية المواطنين والدولة، وأن أي استخدام للشاباك ضد محتجين أو خصوم سياسيين يتجاوز صلاحياته المهنية ويهدد صلب الديمقراطية.
تدخّلت المحكمة العليا سريعًا وأصدرت في 20 مارس-آذار 2025 أمرًا بوقف تنفيذ قرار الإعفاء مؤقتًا، وحددت جلسة استماع للقضية في 8 أبريل-نيسان 2025، مؤكدة أن إقالة رئيس جهاز أمني لا يمكن أن تكون بناءً على ولاءات شخصية بل يجب أن تستند إلى أدلة مهنية واضحة.
شهدت ساحة المحكمة الكبرى في القدس تجمّعات احتجاجية يومية، هتف المحتجون خلالها بشعارات تطالب بحماية المؤسسات الأمنية من الاستغلال السياسي، فيما هددت منظمة الهستدروت بإضراب عام إذا مضت الحكومة في قرار الإعفاء دون تسوية دستورية واضحة.
إلى ذلك، حذّر زعيم المعارضة يائير لبيد من أن "تسييس الشاباك سيقوض الأمن القومي ويقضي على مبدأ الفصل بين السلطات"، في إشارة إلى أن محاولة رئيس الوزراء تركيع جهاز أمني سيؤدي إلى شلل دستوري في أوقات الحرب.
وسط هذه المعركة الداخلية، يواجه نتنياهو أيضًا تحديًا خارجيًا كبيرًا في مفاوضات الولايات المتحدة مع إيران لإحياء الاتفاق النووي، إذ أبدى تشكيكًا واضحًا في جدوى هذه المفاوضات، وهذا يفسر رغبة نتنياهو بفشل المفاوضات لأن أي اتفاق أميركي مع طهران سيضرب مصداقيته أمام الجمهور حيث روج لنفسه دائما بأنه "الحامي الوحيد للاحتلال من التهديد الإيراني".
بنى نتنياهو حملته الانتخابية الأخيرة على وعد المواجهة مع إيران، معززًا ذلك بالخطاب الأمني المتشدد الذي يكرّس صورته كزعيم لا يتراجع أمام قوة إقليمية، في وقت يرى فيه توجّهه الدبلوماسي مع واشنطن بأنه يخاطر بتهميش دوره الإقليمي وقدرته على اتخاذ مبادرات صارمة ضد طهران.
وقد دفع إحباط نتنياهو من مسار المحادثات الأميركية - الإيرانية إلى تكثيف الضغوط على بار لتطييع الشاباك في خدمة أجندته الداخلية والخارجية معًا، ويبقى سؤال ما إذا كانت معركته ضد الولاءات الشخصية ستنجح في تأمين ولاء الجهاز لخطواته السياسية والأمنية القادمة؟
في هذا المناخ المضطرب، يصف معارضون نتنياهو بأنه مفلس سياسيًا، إذ لجأ مجددًا إلى خيار الحرب على غزة كوسيلة للحفاظ على تماسك الائتلاف الحاكم واستمالة قواعد اليمين المتطرف، مستغلاً حالة الخوف من أعداء الاحتلال لتقوية موقعه وتبرير تمديد حكمه.
ويمتد صدى هذه الأزمة إلى علاقات الاحتلال الدولية، ففي حين تسعى واشنطن إلى تنسيق مع الأوروبيين وإيران لإعادة تفعيل الاتفاق النووي، يضغط نتنياهو على حلفائه الأميركيين لاتباع الضغط الأقصى على طهران، مهددًا باللجوء لخيارات عسكرية مشتركة مع الاحتلال.
ومع اقتراب موعد صدور قرار المحكمة العليا النهائي، تتعاظم المخاوف الإسرائيلية من أن تتجاوز هذه المواجهة الإطار القضائي إلى صدام مفتوح داخل أروقة الحكم، ما قد يشلّ مؤسسات الدولة ويضع الاحتلال في مواجهة أزمات دستورية وأمنية غير مسبوقة في أكثر لحظاته الحرجة.
إلى أين تتجه مؤسسات الاحتلال في ظل هذا التصدع بين أركان الحكم؟ وهل يمكن احتواء الأزمة دون تغيير جوهري في القيادة أو السياسات؟