Menu

في الذكرى الأربعين ليوم الأرض...

راسم عبيدات

منذ الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين وإقامة أول مستوطنة على أرضها «زخرون يعقوبي» جنوب حيفا على أراضي قرية زمارين، والصراع مع الكيان الصهيوني محتدم على الأرض باعتبارها جوهر الصراع، لذلك سعى الاحتلال إلى اقتلاع شعبنا وإحلال المستوطنين مكانه مستخدماً كلّ الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية، وكذلك القوانين والتشريعات العنصرية، وفي مقدّمتها قانون أملاك الغائبين لعام 1953 وقانون استملاك الأراضي لعام 1935 قانون الحرام ، الصراع بلغ ذروته مع نكبة عام 1948، حيث شرّد أكثر من 800000 ألف فلسطيني، طُردوا وهُجّروا قسراً عن أرضهم، بفعل ما ارتكبته المنظمات الصهيونية بحقهم من جرائم ومذابح، وتدمير أكثر من 531 قرية فلسطينية، ومنذ تلك النكبة ونكبات شعبنا متواصلة بأشكال مختلفة، حيث جرى ويجري طرد وترحيل وتهجير شعبنا الفلسطيني، عبر سنّ الكثير من القوانين والتشريعات الصهيونية العنصرية، التي تستهدف وجوده وأرضه وكل مكوّنات هذا الوجود من هوية وتاريخ وتراث وثقافة… الخ، وقد سعى الاحتلال لكي يهوِّد منطقة الجليل للقضاء على الأغلبية الفلسطينية فيها، عبر مصادرة 21 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، ضمن ما عُرف بسياسة «تطوير الجليل» أي تهويد الجليل، وما عُرف بمشروع العنصري «أريه كنج»، فكانت انتفاضة يوم الأرض الخالد في الثلاثين من آذار /1976، والتي سقط فيها ستة شهداء من أبناء شعبنا ومئات الجرحى، بمثابة رسالة للعدو الصهيوني، بأن شعبنا لن يخضع للترهيب والقمع والتنكيل، وسيدفع الدم من أجل حماية أرضه والدفاع عن وجوده وبقائه عليها.

ومنذ ذلك التاريخ، وشعبنا يجترح المعجزات والتضحيات في الدفاع عن أرضه عبر معركة وصراع وجودي مع الاحتلال، الذي سعى بكلّ السبل والوسائل من أجل اقتلاعه بالطرق المشروعة وغير المشروعة، فهو نظر لشعبنا بأنه بمثابة السرطان الذي يجب اقتلاعه، والتطهير العرقي والطرد والتهجير، لم يكن مقتصراً على شعبنا في الجذر الفلسطيني، بل كان يطال القدس بشكل خاص، ولم تكن الضفة الغربية بمعزل عن التهويد… والاحتلال نظر للنقب كمنطقة استراتيجية تشكل أكثر من 50 من مساحة فلسطين، وبالتالي سيطرة العرب عليها، سيشكل خطراً ديمغرافياً على دولة الاحتلال، فسعى إلى حصر سكان النقب وبئر السبع في تجمّعات محدّدة، للحدّ من سيطرتهم على الأرض، أرضهم التي اعتبرها العدو أراضي دولة. ومن هنا كان ما يُسمّى بمشروع «برافر» التهويدي، الذي يهدّد باقتلاع وطرد أكثر من أربعين ألفاً من سكان النقب العرب، والاستيلاء على ما مساحته 800000 ألف دونم من أراضي شعبنا هناك، وحصرهم في مساحة لا تزيد عن 1 من أراضيهم.

رداً على هذا المشروع التهويدي التهجيري، انتفضت جماهير شعبنا في فلسطين التاريخية كلّها، وقالت إنّ مشروع «برافر» لن يمرّ ولن تكون هناك نكبة ثانية لهذا الشعب، جماهير شعبنا خرجت في مسيرات وتظاهرات ضدّ مشروع «برافر التهويدي على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية، مما اضطر الاحتلال للتراجع عن هذا المشروع بشكل مؤقت، حيث تجري مداولات بين أقطاب حكومة اليمين الصهيوني الحالية من أجل إعادة طرحه من جديد، وما قامت به جماهير شعبنا الفلسطيني من مسيرات واحتجاجات ويوم غضب على مشروع «برافر» التهويدي، شكّل علامة فارقة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، وهذا كان بمثابة رسالة إلى كلّ المستعمرين الصهاينة، بأنّ أرض آبائنا وأجدادنا لن تكون غير عربية، وهي ليست كما يدّعي ويقول المستعمر العنصري ليبرمان وزير خارجية دولة الاحتلال السابق وزعيم حزب «بيتنا» القادم من روسيا، ليقول لنا بأنّ ما جرى هو تعدّ على «أراضي دولة إسرائيل»، فسكان النقب العرب موجودون فيها قبل قيام دولة الاحتلال.

ومخططات الاستيطان والتهويد، ليست مقتصرة على الجليل والنقب، بل نرى بأنّ هناك «تسونامياً» استيطانياً يطال مدينة القدس، حيث آلاف الوحدات الاستيطانية أقيمت في القدس على أراضٍ فلسطينية جرت مصادرتها والاستيلاء عليها، والمخطط الصهيوني 2020، يريد أن يغرق القدس بعشرات آلاف الوحدات الاستيطانية، ويحسم مصيرها كـ»مدينة يهودية» وينزع عنها الطابع العربي، حيث يجري الحديث الآن عن البناء في المنطقة المسماة E1 ، شرق مدينة القدس، وبما يربط مستوطنات «معاليه أدوميم» و«ميشور ادوميم» بالقدس، ويحيط القدس العربية إحاطة السوار بالمعصم، ويعزلها ديمغرافياً وجغرافياً عن محيطها الفلسطيني، ناهيك عن البؤر الاستيطانية التي يجري زرعها في قلب الأحياء العربية، والضفة الغربية ليست بمعزل عن المخططات الاستيطانية والتهويدية، حيث آلاف الوحدات الاستيطانية تُقام هناك، من أجل خلق دولة للمستوطنين داخل الدولة، بحيث يتحوّل الفلسطينيون إلى جزر معزولة في محيط «إسرائيلي» واسع، وتتعالى الكثير من الأصوات اليمنية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية الداعية إلى سن وفرض القانون «الإسرائيلي» على منطقة C ، والتي تشكل 60 من مساحة الضفة الغربية، وبما يُلغي أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

الحرب والصراع مع المحتلّ على الأرض سيبقى جوهر الصراع، فهذا المحتلّ يريد نفينا وإقصاءنا وعدم الاعتراف بوجودنا، وهذا يتطلب منا أولاً وعاشراً استمرار الصمود والبقاء والثبات على أرضنا، وتكثيف حمايتها واستصلاحها وزرعها ليس فقط بالأشجار، بل بإقامة المزيد من الوحدات والمشاريع الإسكانية عليها، فأساس صمود الإنسان الفلسطيني على أرضه بالبناء فوقها، وكذلك لا بدّ من توفير مقومات الصمود لهذا الشعب من خلال البحث عن كلّ وسائل الدعم المادية من القطاع الخاص ورأس المال الفلسطيني المغترب، ورأس المال العربي والإسلامي المهدور والموظف في تدمير البلدان العربية وقتل أبنائها.