Menu

الحرب النفطية الباردة.. تلاعب بالعرض والطلب !

الهدف_هاني حبيب:

مع نهاية العام الماضي،2014 فوجئ سوق النفط الدولي، بانخفاض  بالغ في أسعاره، عادة ما تنخفض الأسعار بالتدرج لكن هذه المرة، جاء التخفيض سريعاً ومباشراً. 35 بالمئة مرة واحدة وأيام تالية، بات التخفيض  بحدود 50 بالمئة مرة واحدة، الغريب انه في تلك الفترة، زادت الولايات المتحدة من ضخ المزيد من "النفط الأحفوري" الأمر الذي أدى إلى انخفاض سعر النفط حسب العرض والطلب، الأكثر غرابة، أنه كان من المجدي منطقياً أن تقوم المملكة السعودية ودول أوبيك، بخفض الإنتاج، للحفاظ على أسعار النفط، وفقاً للعرض والطلب، لكن ما حدث أن السعودية ودول أوبيك، حافظت على ذات المستوى من الإنتاج الأمر الذي أدى إلى هذا التدهور المتسارع في سعر النفط, لذلك، يتم استخدام "مصطلح تخفيض" سعر النفط، وليس انخفاض سعر النفط، لأن هذا السعر تم خفضه بطريقة مدروسة متعمدة، ولكن لماذا؟!

عام 1973، أثناء حرب تشرين / أكتوبر بين العرب وإسرائيل، اضطرت السعودية إلى زيادة أسعار النفط بشكل غير مسبوق بعدما، أغلقت نسبياً، صنابير الإنتاج النفطي لديها، الأمر الذي أدى إلى أزمة على مستوى عالمي، وحينها قيل بحرب النفط، حرب الأسعار، عندما تيقنت السعودية، أن استخدامها للنفط كسلاح يجعلها لاعب أساسي في السياسة، الإقليمية والدولية حينها، كان استخدام هذا السلاح أمراً مبرراً بالنظر إلى العبد القومي العربي في المواجهة مع العدو الإسرائيلي.في ذلك الوقت

في أعقاب تلك الفترة، درج الباحثون على استخدام مصطلحاً جديداً، وهو مصطلح " البترو دولار " ذلك أن المنتج الأول للنفط على الصعيد الدولي السعودية، تصدر إنتاجها إلى المستهلك الأول للنفط والطاقة، الولايات المتحدة الأمريكية تعود مليارات الدولارات إلى السعودية، مقابل بيع النفط لأمريكا وغيرها، غير أن الولايات المتحدة، تستعيد أموالها من خلال "البترو دولار" عبر بيع الأسلحة المتطورة منزوعة التقنيات الحديثة، وبشكل مستمر الأمر الذي جعل السعودية، احدى أهم وأكبر الدول المستوردة للسلاح الأمريكي الثقيل، خاصة الطائرات مع أن السعودية لم تخض أية حرب تستلزم هذه الترسانة الهائلة من الأسلحة التي يتم أهلاكها كل عام، لكن يتم استيراد الجديد منها، دورة الدولار في الولايات المتحدة للسعودية، بديلاً للنفط، بالتوازي مع دورة الدولار في السعودية إلى أمريكا، مقابل السلاح، وهكذا، كان عائد النفط السعودي، يعود بشكل غير مباشر للولايات المتحدة الأمريكية مع الابقاء على قدر كاف من الأموال لصالح طبقة الأمراء المنتفعة من جراء تصدير النفط السعودي

عندما أقدمت الولايات المتحدة على ضخ المزيد من "النفط الأحفوري" الذي يتميز بأن إنتاجه مكلف جداً، كانت تهدف إلى خفض الأسعار على المستوى الدولي، في مواجهة مباشرة مع كل من روسيا وإيران، هناك عقوبات أمريكية على روسيا، بسبب  المسألة الأوكرانية، وكشكل من أشكال زيادة هذا الحصار، فإن انخفاض أسعار النفط وهو أحد أعمدة الاقتصاد الروسي، يعتبر وسيلة ضاغطة من خلال استخدام النفط كسلاح لإرغام موسكو للاذعان  حول الموقف الأمريكي في المسألة الأوكرانية، وفي سياق متصل، وشبيه إلى حد ما، فإن انخفاض أسعار النفط، ستؤثر تأثيراً مباشراً على الاقتصاد الإيراني، والذي هو عماد الاقتصاد لهذه الدولة التي كانت تجري مفاوضات مع الدول الست حول برنامجها النووي، وهي كما روسيا، تخضع لعقوبات اقتصادية مشابهة، الضغط من خلال، انخفاض أسعار النفط على إيران، كان الهدف الأساسي وراء ضخ الولايات المتحدة المزيد من النفط الأحفوري رغم تكلفة إنتاجه العالية لإخضاع روسيا و إيران على الملفين المشار إليهما.

لكن استمرار أمريكا في ضح النفط الأحفوري، لن يجد نفعاً على المدى الطويل، ذلك أن إنتاج هذا النوع من النفط، رغم انه سيشكل ضاغطاً على روسيا وإيران، إلاّ أنه سيشكل ضاغطاً على الاقتصاد الأمريكي، تكلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط الأحفوري يصل إلى قرابة 60 دولاراً، فإذا تم بيعه في السوق الدولية، خمسين دولاراً، كان ذلك خسارة غير مبررة على المستوى الاقتصادي إضافة إلى المساوئ البيئية الخطيرة.

لهذا السبب، وجدت السعودية مبرراً شكلياً، يبدو مقنعاً للوهلة الأولى، للإبقاء على مستوى الإنتاج لديها ولدى منظمة أوبك، دون أي تخفيض في الإنتاج يؤدي إلى زيادة الأسعار، وتقول عبر المدافعين عن هذا الموقف، إن الإبقاء على سعر يتراوح بين 50_60 دولاراً للبرميل، يوقف النفط الأحفوري عن المنافسة في السوق الدولية نظراً للعائد المحدود غير الاقتصادي، إن زيادة سعر البرميل النفطي جراء تخفيض الإنتاج، سيشجع المستثمر الأمريكي على ضح المزيد من النفط الأحفوري المنافس، والعكس صحيح أيضاً.

والأمر هنا لا يتعلق بسخرية القدر، بل بسخرية السياسة، فالأسباب التي حدت بالولايات المتحدة اللجوء إلى تخفيض الأسعار، ارتباطاً بالملفين الروسي والإيراني، تكاد تكون ذاتها أيضاً لدى لجوء السعودية إلى تخفيض أسعار النفط، فبالنسبة للملف الروسي، فإن السعودية التي تمول بعض أطراف المعارضة السورية، ذات الأفكار الوهابية تحديداً، وتهدف إلى الإطاحة بنظام الأسد، باتت تدرك أن هذا الهدف بات بعيد المنال، بسبب تزويد موسكو لدمشق بالسلاح وبالوقوف معها في المنابر الدولية خاصة مجلس الأمن الأمر الذي ساعد النظام السوري على الاستمرار والمواجهة مع دعوته المتكررة إلى حل سياسي، رفض من قبل كافة أطراف المعارضة المدعومة من قبل السعودية وغيرها.

وفي سياق متصل تقريباً، تقف إيران إلى جانب النظام السوري، قلباً وقالباً، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ما عزز قدرته على مواجهة الفصائل الإرهابية المدعومة من السعودية وغيرها، بل أن الإسناد الروسي والإيراني، كان له الفضل في التراجع الملحوظ للسياسة الأمريكية إزاء الصراع على سوريا، فبعد أن  تبين لواشنطن أن القضاء على النظام، بات أمراً مستحيلاً، بل أن الإطاحة به، حتى لو تم ذلك، فإن البديل قد يكون أشد خطراً على المصالح الأمريكية في المستقبل، الأمر الذي أدى إلى تصميم أكبر لدى النظام السوري، بالبحث عن حل سياسي على ضوء فشل الإرهاب في تحقيق مقاصده وأهدافه، يضاف بُعداً أخر، لما يتعلق بالملف النووي الإيراني، إذ أن هذا البرنامج وما يحيط به، يبرر للرياض شراء المزيد من الأسلحة، بالعودة إلى البترو دولار، لكن ما تخشاه السعودية فعلاً، هو التمدد الإيراني ودعم أطراف مذهبية شيعية شرق السعودية حيث منابع النفط الأساسية، إضافة إلى المخاطر المحدقة جنوباً، حيث تتربع القوى الحيثية المسنودة مذهبياً وعسكرياً في إيران، الأمر الذي تعتبره المملكة، خطراً محدقاً على نظامها السلطوي ويهدد استقرار المملكة، ويجعل إيران أكثر تأثيراً من الناحية السياسية والأمنية على منطقة الخليج العربي، شرقاً من خلال مضيق هرمز، وغرباً حيث يقع باب المندب المسيطر على التجارة الدولية عبر قناة السويس بين الشرق والغرب.

لذلك كله، كانت حرب الأسعار، حرب باردة، ليس من خلال سباق التسلح، الشكل التقليدي للحرب الباردة، ولكن  من خلال استخدام النفط كسلاح، للضغط الأمريكي والسعودي المتناغم على كل من روسيا وإيران، لأهداف مشتركة باتت أكثر وضوحاً مع مرور الوقت.

ومرة أخرى،  فالأمر لا يعود إلى سخرية الأقدار، بل سخريات السياسة، فإن الحرب التي تخوضها السعودية في إطار قيادتها " لعاصفة الحزم" من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، خاصة إذا ما استمرت هذه الحرب طويلاً، الآن ارتفعت  الأسعار قليلاً، إذ أن الاستهلاك  بدأ يتعاطى مع الاحتياطي النفطي، على الصعيد العالمي، ذلك أن الشركات العملاقة، استثمرت انخفاض الأسعار خلال الشهور الخمسة الأخيرة لتشتري النفط الرخيص حيث يتم تخزينه لمثل هذه الأيام، ولكن بعد نفاذ الاحتياطي، فإن أسعار النفط ستزيد، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من العائدات النفطية لكل من روسيا وإيران، بالضد مما أرادته كل من أمريكا والسعودية!! ولهذا السبب فإن مصلحة السعودية عدم إطالة هذه الحرب خشية على مصالحها في إطار الحرب النفطية الباردة!!