باغتيال يحيى حوراني (أبو صهيب) مسئول أكناف بيت المقدس الأول على الساحة السورية، اشتعل فتيل الأزمة في مخيم اليرموك. وازدادت محنة أهاليه ومعاناتهم، وقطع الطريق على المبادرة التي كانت تسير على قدم وساق لتحييد المخيم من الصراع الدائر في سوريا.
بعد عملية الاغتيال قامت أكناف بيت المقدس إحدى المجموعات التي احتلت مخيم اليرموك وساهمت إلى حد كبير من تشريد أهل المخيم وإطباق الحصار عليه باعتقال عناصر محسوبة على مجموعات داعش والنصرة؛ الأمر الذي زاد الوضع توتراً، مما دفع جبهة النصرة إلى الانقلاب على أكناف بيت المقدس رغم ما بينهم من تنسيق، وذلك بالتواطؤ والتآمر مع مجموعات داعش المتواجدة في الحجر الأسود.
تقدمت داعش لاقتحام مخيم اليرموك والسيطرة عليه تحت عنوان تصفية الأكناف، وبالفعل تمت عملية السيطرة والاقتحام في وقت قصير، الأمر الذي يدلل على حجم مساعدة وتهيئة النصرة للأجواء لهم للدخول دون أي صعوبات أو معاناة.
بدخول هذه المجموعات للمخيم، فُرض واقع جديد من المفترض الإقرار به والتعاطي معه بطريقة أخرى؛ لأن دخول هذه المجموعات أثار الرعب والخوف والذعر لدى الأهالي المدنيين مما اضطرهم للنزوح إلى مناطق الجوار التي هي بالأساس غير آمنة، وتقع تحت سيطرة قوى المعارضة مثل (أبابيل حوران، ولواء الإسلام، وشام الرسول) وهي قوى تابعة للجبهة الإسلامية في المنطقة الجنوبية والتي يمثلها (زهران علوش)، ورغم ذلك اضطر بعض من الأهالي للجوء إلى "أهون الشرّين"؛ لما تتصف به داعش من إجرام وقتل.
وفعلاً ما أن اقتحمت داعش المخيم أخذت باعتقال بعض من أعضاء الأكناف وبعض المدنيين، وأول ما قاموا به سيطرتهم على مشفى فلسطين الذي يعتبر "المشفى الوحيد" الذي يعمل في المخيم، ويقدم الخدمات الطبية مع عدم توفير المعدات الطبية والأدوية ومحاصرة طاقمه الطبي.
بعد ذلك فُك الحصار عن المشفى وذهب طاقمه للعمل في مشفى الباسل الذي لا يتوفر فيه أيضاً أي معدات طبية، ولكن استخدم لعلاج بعض الحالات البسيطة للجرحى المصابين جراء الاشتباكات التي تدور بين طرفي القتال، الأكناف من جهة، وداعش والنصرة من جهة أخرى.
وأعلنت أكناف بيت المقدس أنها سوف تقاتل حتى الرمق الأخير لتحرير المخيم من دنس هذه المجموعات، فطلبت المؤازرة والعون من القوى (المذكورة أعلاه) كانت الأكناف محسوبة عليها. إلا أنه لم تستجب لهذه الاستغاثة بل زاد الحصار والإطباق عليهم من كل المحاور سواء في التضامن أو دوار فلسطين الذي يؤدي إلى منطقة يلدا، وشعرت الأكناف بأنها لوحدها في المعركة ولا تستطيع مواجهة هذه العصابات منفردة، خاصة وأن جبهة النصرة صديقة الأمس باتت عدو اليوم بتحالفها مع داعش.
وما كان من داعش إلا أن استغلت فرصة اقتحامها ونزوح بعض العائلات إلى المناطق المجاورة فمارسوا حقدهم بأن سرقوا وكسروا أثاث المنازل واستولوا على ما تبقى من طعام وتمركزوا بها، وقاموا بفتح الطلاقيات من أجل القنص، وفي نفس الوقت احتلوا بعض المكاتب التي كانت تقدم خدمات إغاثية لأهل المخيم من ضمنها مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي يعتبر مقراً للهيئة الوطنية الأهلية الفلسطينية المكونة من فصائل منظمة التحرير، حيث قاموا بتكسير الأثاث وسرقة بعض ما استطاعوا سرقته وحرق صور الشهداء وأعلام فلسطين وكتابة بعض العبارات على الحيطان مثل (سوف نقتلكم يا كفرة) من أجل التخويف والترهيب.
وبسبب انشغالهم بالقتال على المحاور استطاع الرفاق استعادة المكتب وأعادوا ترتيب وتجهيز المكتب من جديد لاستئناف عمله،
داعش، بعد كل سيطرة على موقع تقوم بنشر قناصيها التي توجه على المدنيين حتى كانت حصيلتها ما يقارب من خمسة مدنيين استشهد أحدهم نتيجة الإصابة الخطيرة وعدم الرعاية الطبية وعدم التمكن من إخراجه خارج المخيم. ولقد ودفن الشهداء في أماكن تواجدهم لعدم التمكن من الوصول إلى إحدى مقبرتي الشهداء الموجودة في المخيم بسبب الاشتباكات الدائرة بين الطرفين.
بعد أن سيطرت داعش على جزء كبير من أنحاء المخيم اعتلت منابر المساجد وأخذت بالتكبير وإطلاق نداءات للأكناف بأن يسلموا أنفسهم لجبهة النصرة فيكونوا آمنين. وما كان من بعض الضعاف إلاّ تسليم أنفسهم للنصرة، ومنهم من بقي في صفوف الأكناف للقتال من أجل حماية المخيم وتحريره.
بعد أن بدأت داعش بالتمدد على أجزاء كبيرة من المخيم، ومع عدم قدرة الأكناف لوحدها على التصدي لهذا الهجوم طلبت العون والنجدة من الفصائل وبالتنسيق مع الدولة السورية من أجل دحر داعش وسحبها من المخيم.
وبدأ يلوح في الأفق تحالف بين اللجان والفصائل مع الأكناف، دون موقف فلسطيني موحد لاتخاذ قرار بتحرير المخيم، كان أجله قدوم وفد السلطة من رام واجتماعه مع فصائل منظمة التحرير الذي جرى بعد ظهر أمس الثلاثاء.
لقد زاد من معاناة الأهالي، سقوط القذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة من أجل القضاء على داعش، ما أدى لمزيد من التدمير والخراب والخسائر يذهب ضحيتها المدنيين.
ومما زاد من إطباق الحصار عدم وصول المؤازرة التي طلبت من القوى الموجودة على أطراف يلدان التي تمركزت في المركز الثقافي الكائن في دوار فلسطين كخطوط دفاعية لمواقعهم حتى لا يتسلل عناصر داعش من هذه الخاصرة، وكان باعتقاد الأكناف أنهم بدأوا بالزحف كمؤازرة لهم.
ولا نستطيع الجزم بإطلاق موقف لأنه لم يحسم شيء بعد لأنه لا زال كل طرف في موقعه دون أي تقدم، داعش والنصرة في شارع لوبية، والأكناف وتحالف الفصائل في محيط جامع صلاح الدين، ولا زالت محاور قتال واشتباكات مستمرة بين الطرفين كلا في موقعه.
هذا التطور الخطير على أزمة المخيم يزيد الأمور تعقيدا ويزيد من عبء المسئولية على كاهل الفصائل للتحرك السريع والعاجل من أجل تبني موقف موحد، ويجب انتهاز هذه الفرصة بقدوم الوفد كي تعيد فصائل المنظمة الاعتبار لها.