Menu

«عنزة ولو طارتْ»!

د.فايز رشيد

إصرار السلطة الفلسطينية على نهج المفاوضات مع الكيان الصهيوني، كما جاء في كلمة الرئيس محمود عباس في المؤتمر السابع لحركة فتح، هو إصرار غريب، وغير معقول، ومراهنة على السراب، وينطبق عليه المثل القائل «عنزة ولو طارتْ»، رغم تجربتها القاتلة وعبثيتها المؤلمة. في المقابل، خذوا مثلاً ما يتصرف به الكيان في الضفة الغربية المحتلة عام 1967، وفي الأراضي المحتلة عام 1948.

في الضفة الغربية المحتلة، يسعى العدو الصهيوني عدا عن مشاريعه الاستيطانية اليومية، إلى تشريع قانون يقوم على سلب ونهب الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة، ونعني بها الأراضي التي أقام عليها المستوطنون بؤرهم الاستيطانية، والذي يمكن تفسيره فقط، على أنه ضم متدرج للضفة الغربية وإلى «سيادة دولة الكيان» عليها. وكان الكنيست قد أقر الأسبوع الماضي، بالقراءة التمهيدية (من حيث المبدأ)، مشروع القانون، على أن تعطي حكومة الكيان لأصحاب الأراضي تعويضات هشة، أو أراضي بديلة في مكان بعيد، بغير إرادتهم. ذلك، ليتم الإعلان عن تلك الأراضي بأنها «أراضي دولة»، وبالتالي تنقلها الحكومة إلى شعبة الاستيطان في الوكالة الصهيونية، لتقوم الأخيرة، بتمليكها لعصابات المستوطنين.

عملياً، يجري الحديث عن آلاف الدونمات التي استولى عليها المستوطنون بالعربدة، وبدعم مباشر من جميع حكومات الاحتلال الصهيوني، وأقاموا عليها بؤراً استيطانية. كانت لجنة برلمانية خاصة شرّعت إعداد القانون للقراءة الأولى، وبدأت مداولات مكثفة حوله. تستطيع السلطة الفلسطينية عملياً أن تجرّ الكيان إلى محكمة الجنايات الدولية، لأن المشروع المعروض يتناقض مع العديد من القوانين الدولية، بشأن الحق في الملكية الخاصة. أيضاً، ووفقاً لخبراء القانون الدولي فإن الصيغة المقترحة، تتناقض مع واجب القائد العسكري، لحماية ملكية سكان المنطقة الذين يعرّفون في القانون الدولي، بأنهم محتلون مؤقتاً من قبل دولة أخرى، ويتوجب عليها حمايتهم.

وحسب القانون الدولي، توجد قيود كثيرة على الدولة في فرض قوانينها على الأرض خارج نطاقها الإقليمي، فكل تسوية يجب أن تتم تبعاً للقانون الدولي الذي هو مصدر الصلاحيات للقائد في المنطقة.القانون أيضاً، يعطي الفلسطينيين وحركة مقاطعة الكيان العالمية (بي. دي. اس)، المادة الأساسية لملاحقة «إسرائيل» وجنود جيش الاحتلال وجرّهم إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.

على صعيد المنطقة المحتلة عام 1948، لقد كشف النقاب أيضاً، عن أن وزير الزراعة المستوطن المتطرف أوري اريئيل، قد بلور مشروعاً جديداً يهدف إلى اقتلاع عشرات القرى العربية،التي يسكنها عشرات الآلاف من فلسطينيي 48، وتجميعهم في منطقة جغرافية محددة، في إطار السعي للمصادرة الكلية لمئات آلاف الدونمات، لبناء مستوطنات جديدة لليهود في صحراء النقب. وكانت الحكومة الصهيونية قد طرحت على مر السنين سلسلة من المشاريع، إلا أن واحداً من أخطرها تم طرحه في عام 2011، وعُرف باسم «مخطط برافر»، وهو يقضي باقتلاع حوالى 30 قرية فلسطينية عربية، يسكنها ما يقارب 40 ألفاً من فلسطينيي 48، واستكمال مصادرة 800 ألف دونم. وقد واجه أهلنا من فلسطينيي 48 المخطط بمظاهرات ومواجهات. إلا أنه في المقابل، فإن المستوطنين وحركات كثيرة تابعة لهم، اعترضت على المخطط لكونه يبقي 150 ألف دونم للفلسطينيين، فهم يريدون مصادرة كل الأراضي الفلسطينية في ذات المنطقة.

المشروع الحالي الذي يطرحه الوزير المتطرف، المعروف بعدائه الشرس للفلسطينيين والعرب، يهدف إلى تهجير أهالي عشرات القرى، والزج بهم في بقعة جغرافية ضيقة لا تضمن حتى أمورهم الحياتية الأولية. وتنتشر في النقب حوالى 40 قرية فلسطينية عربية، يرفض الكيان الصهيوني، الاعتراف بوجودها، ويسكنها ما يقارب ال 90 ألف نسمة، وهم محرومون من البنى التحتية وخطوط المياه والكهرباء المنتظمة، وشبكات الطرق والمرافق العامة. وتواجه عدة قرى فلسطينية في النقب في هذه الأيام أخطار التدمير، بموجب تنفيذ مخططات الاقتلاع، وهي قرى بير هدّاج، رغم اعتراف الحكومة «الإسرائيلية» قبل 13 عاماً بوجودها على الأرض، إلا أن حكومة الاحتلال تسعى الآن لتدمير عدد من أحيائها وتقليص مساحتها. وقرية أم الحيران، التي سلب الكيان أراضيها في عام 1948، وجرى اقتلاع الأهالي منها، ونقلهم إلى حيث هم الآن. إلا أن الحكومة الصهيونية، تريد اقتلاعهم مجدداً لبناء مستوطنة يهودية تحمل الاسم ذاته «حيران». والقرية الثالثة، التي هدمت 105 مرات في السنوات الست الأخيرة هي قرية العراقيب، التي باتت رمزا للنضال من أجل البقاء. وبعد ذلك هل يمكن لعاقل أن يتوهم بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 من خلال نهج المفاوضات كخيار وحيد؟

انظروا ماذا يفعل الكيان بأهلنا في المنطقة المحتلة عام 1948، وفي مناطق الضفة الغربية.