منذ بداية المشروع الصهيوني، لم تخلو الساحة العربية والفلسطينية، ممن هم مقتنعين بضرورة الحديث والتواصل مع الصهاينة، ورغم سقوط هذه المحاولات أمام التعنت الصهيوني والجرائم المتواصلة، إلا أن هذه المحاولات لم تنقطع حتى من داخل صفوف بعض القوى المؤمنة بالكفاح المسلح كطريق أوحد لمواجهة المشروع الصهيوني.
الذرائع لهذه الاتصالات مع الصهاينة لم تتغير، بداية بذريعة توضيح الظلم الواقع على الفلسطينيين جراء الجرائم الصهيونية، أو تشجيع فريق صهيوني يتوهم البعض أنه معتدل، أو حتى تلك الاتصالات الرسمية وشبه الرسمية التي راهنت على الوصول لتسوية للصراع .
في حوار أجراه صحفي فرنسي مع الشهيد غسان كنفاني تساءل الصحفي لماذا لا تتحدثون؟ فرد غسان عن ماذا نتحدث هذا سيكون أشبه بالحوار بين المقص والورق. هذه الخطوات كانت ولا تزال تشكل فرصة للكيان الصهيوني للتغطية على جرائمه، وتظهير الصراع كما لو كان خلاف سياسي يجري النقاش حوله، هذا ناهيك عن كونها نافذة للتطبيع، وخرق لجدار الصمود الفلسطيني.
إن انفاق الجهود والموازنات والرهانات على هذه المحاولات لا يعد هدراً للموارد فحسب، ولكن أيضاً اضعاف لقدرة الإنسان الفلسطيني على الصمود، واشغال له عن الانخراط في الصراع الحتمي واليومي مع الكيان الصهيوني، من هذا المنطلق يجب أولاً عدم الاكتفاء بإدانة هذه اللقاءات والرهانات، بل رفع الصوت عالياً ضدها، وعودة الكل الفلسطيني للرهان على جماهير شعبنا وإرادتها في انتزاع الحرية. وأن قيام طرف هامشي بمثل هذه المحاولات قد يكون محدود الأثر، ولكن قيام جهات رسمية وقيادات فلسطينية رئيسية بذلك يترتب عليه الكثير، وهو ما يجب أن يتوقف فوراً وتعيد تلك القيادات تقييم موقفها ورهاناتها التي اثبتتا كل التجارب خسرانها، فلا زال التطرف الصهيوني يزداد، وفي ذروة سنوات التطبيع لم تتأثر التطرف والإجرام الصهيوني الممنهج، فهذه هي طبيعة هذا المشروع الصهيوني منذ بدايته، وهذه هي فلسفة وجوده، ومنظومة عمله، وبالتأكيد علينا أن نتساءل حول منظومة وأدوات عملنا في مواجهته، فلا يعقل أن نواجه التطهير العرقي والإبادة والقتل المخطط والمستمر بدعوات لحوار المقص مع الورق والرقاب مع السكاكين المشرعة ضدنا.