Menu

افتتاحية مجلة الهدف العدد (1530) بالتسلسل العام (56) رقميا

لقاء موسكو والخيار الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة

Al Hadaf 56.jpg

يستمر العدوان الصهيو-أمريكي على قطاع غزة والاعتداءات والاجتياحات الصهيونية اليومية لمدن ومخيمات وقرى الضفة الفلسطينية و القدس وبنفس الوقت تتواصل عملية القمع والتنكيل وكم الافواه لأبناء شعبنا في الجزء المحتل من فلسطين عام 1948.

يأخذ العدوان طابعا عسكرياً وسياسياً وإيديولوجياً واضحاً، والهدف واحد عنوانه تصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني في فلسطين التاريخية، وهذا ما يفسر جرائم العدو وعنصريته وفاشيته واستدمائه في حرب الإبادة والتطهير العرقي وإصراره على مواصلة عدوانه حتى آخر نقطة في قطاع غزة ومحافظة رفح، وصولاً إلى محور صلاح الدين (فيلادلفيا) أي الشريط الحدودي مع جمهورية مصر العربية والبالغ طوله 14كم. حدد الكيان الصهيوني كل أهدافه بوضوح تام وهو مدرك باستحالة تحقيقها دفعة واحدة، لذلك يعمل على ذلك بالتدريج وبالتراكم. 

الأهداف القريبة

احتلال قطاع غزة، واجتثاث المقاومة الفلسطينية، وفرض السيطرة الأمنية الصهيونية الكاملة عليه، وتشكيل إدارة مدنية محلية موالية للاحتلال وتابعة له وتعيين ضابطاً إسرائيلياً بمهمة المنسق للإدارة المدنية في القطاع كما هو قائم في الضفة الغربية وهي التسمية البديلة للحاكم العسكري التي كان معمولا بها قبل اتفاق أوسلو وملحقاته الأمنية. أما في الضفة تستمر الاقتحامات والتوغلات لوأد وتصفية خلايا وكتائب المقاومة ومصادرة الأراضي وبناء وتوسيع المستوطنات ومحاولة إجراء تغييرات جدية في واقع السلطة وثم تمكينها للقيام بوظيفتها الأمنية على أكمل وجه، وفي القدس تتواصل عملية التهويد وترويع الفلسطينيين ومصادرة الأراضي والساحات وهدم البيوت بحجج ودواعي أمنية مثل عدم وجود تراخيص أو نقص في السجلات والثبوتيات. وزيادة الضغط على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 والتنكيل بهم ومنعهم من التعبير عن تطلعاتهم الوطنية والقومية تجنبا لتكرار هبتهم لنجدة الاقصى وحي الشيخ جراح وسلوان ،التي امتدت لأكثر من مدينة فلسطينية مع معركة "سيف القدس" ، وفوق كل ذلك إزالة القلق الوجودي وتعزيز المناعة القومية وإعادة الاعتبار لقوة الردع التي تهشمت في السابع من أكتوبر في "عملية طوفان الأقصى" ، واستعادة الدور والمكانة الاستراتيجية التي تمكّن الكيان الصهيوني من أداء وظيفته ومهامه الاستعمارية على أكمل وجه خدمة لحماية المصالح الإمبريالية والأمريكية .

العمل مع الإدارة الأمريكية للقيام بحرب واسعة ضد قوى المقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة والدول الداعمة لها وخاصة الجمهورية الاسلامية الايرانية والتي باتت حسب زعمهم قاب قوسين أو أدنى من إنتاج القنبلة النووية 
الضغط على امريكا لمواصلة جهودها في توسيع عملية التطبيع مع الدول العربية واستكمال ما تم التوصل إليه على هذا الطريق مع المملكة العربية السعودية.

الأهداف البعيدة

يعمل الصهاينة على ضم جميع أراضي الضفة الغربية والأغوار وتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين تجنبا للوقوع في محاذير الدولة الواحدة وتفاديا للأخطار الديموغرافية المحتملة خاصة وأن عدد الفلسطينيين اليوم في فلسطين التاريخية يفوق عدد اليهود والمهوّدين، ومنع وجود أي هوية وطنية أو قومية تتعارض أو تتناقض مع هويتهم المزعومة والمصطنعة "الهوية القومية اليهودية"، وفرض على من يتبقى من الفلسطينيين أن يعيشوا كأفراد موالين لكيانهم وسياساته وقوانينه.

يعني ذلك حسب ادعائهم لا يوجد أرض للفلسطينيين لأنهم وجدوا على هذه الارض بالصدفة وبدون اي وجه حق، هذا الزعم الصهيوني يؤكد عدم قبولهم بأي تسوية سياسية تشير الى حق الفلسطينيين بالأرض أو بأي جزء منها أو الى حق الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة أو بأي حق للاجئين بالعودة أو بأي حق في القدس. وهذا هو سر رفضهم لقرارات ما يسمى بالشرعية الدولية.

رغم كل ذلك تقف دول الغرب الإمبريالي الكبرى وعلى رأسهم أمريكا داعمة لهذا الكيان بلا حدود. أما أصدقاء فلسطين من الدول الكبرى فلا حول لها ولا قوة إلا القول والتصريح والتأكيد على الحقوق الفلسطينية المشروعة وفقا لما جاء في قرارات "الشرعية الدولية".

الموقف الفلسطيني

بلغت التحديات والأخطار التي يواجهها الشعب الفلسطيني ذروتها، وكشف العدو الصهيوني عن مخططاته التكتيكية والاستراتيجية بكل وضوح ولم يترك خياراً للفلسطينيين إلا الموت أو الرحيل أو الاستسلام أو الخنوع.
لكن الشعب الفلسطيني اختار طريق التضحية والفداء طريق الصمود والثبات والتحدي، طريق الثورة والمقاومة طريق العزة والكرامة وطريق التحرير والعودة.

يواجه الشعب الفلسطيني اليوم في قطاع غزة حرب إبادة موصوفة وفي الضفة والقدس حرب الاقتلاع، وفي مناطق الـ 48 حرب الهوية والمواجهة لقوانين التمييز العنصري وقرارات التنكيل والقمع، وفي الشتات يتمسك الفلسطينيون بحقهم بالعودة في مواجهة أخطار ومخططات التوطين.

شعب واحد وصوت واحد ولسان حاله ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش: 
"لو أنّا على حجر ذُبحنا لن نقول نعم" أي لن نستسلم ولن نركع. 

وهذا ما عبر عنه الفدائيون في قطاع غزة وطوفان الأقصى وفي مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية وفي عملياتهم البطولية في القدس وفي حيفا ويافا وغير ذلك، وربما جميع الفصائل الفلسطينية متفقة على أولويات القضايا المطروحة وهي (وقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي إلى ما قبل السابع من أكتوبر، وتبادل الأسرى "الكل مقابل الكل"، وتقديم الإغاثة الفورية لشعبنا في غزة، وتوفير الضمان للشروع بإعادة الإعمار، ووقف الاستيطان والاعتداء على الضفة والقدس).
قريباً سينعقد لقاء فلسطيني في موسكو بدعوى من معهد الاستشراق التابع لوزارة الخارجية الروسية، والمثير للغرابة والاندهاش هو تنحي الدول العربية المعنية بهذا الملف عن هذا المسعى. 

ماذا ينتظر الفلسطينيون من لقاء موسكو المرتقب؟ هل ترتقي الفصائل الفلسطينية إلى مستوى التضحيات وعذابات الشعب المكلوم في غزة والمحاصر في الضفة والقدس والمكبل في أراضي الـ 48 والمهدد بالتوطين والحرمان في أماكن اللجوء والمنافي؟ وبغض النظر عن المستويات القيادية الحاضرة لهذا اللقاء فهي من المستوى السياسي الأول في الفصائل الفلسطينية وعن راعي اللقاء والمستوى السياسي في البلد المضيف، تريد روسيا الاتحادية اليوم تعزيز حضورها في الشرق الأوسط من البوابة الفلسطينية، لتكون حاضرة بأي ملف له علاقة بتسويات الأزمات في هذه المنطقة، وربما تكون الصين معنية بذلك ارتباطاً بخطة " الحزام – الطريق" وإعادة الاعتبار لطريق الحرير. 


ولكن ماذا تريد الفصائل الفلسطينية من هذا اللقاء؟ 

سيرى المتتبع لهذا اللقاء ثلاثة اتجاهات وربما سيتقدم كل منها بورقة، وعلى الأقل هناك ستة فصائل فلسطينية اتفقوا على رؤية موحدة وهي الجبهة الشعبية و حركة حماس وحركة الجهاد والقيادة العامة والمبادرة والصاعقة وباقي الفصائل مطلين على هذه الورقة، فبعضهم له تحفظات مثل الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب والبعض الآخر وخاصة فتح لم تكترث بذلك، ولم تقدم أي مبادرة على هذا الصعيد. 

هل سيتمسك كلٌ بمواقفه وبالتالي تكرار الفشل وزيادة الخذلان والخيبات، أم أن حرارة الدماء والأشلاء الممزقة وإيقاع حرب الإبادة والتطهير العرقي وأخطار التهجير والاقتلاع والاستيطان والتهويد ستقرب المسافات وستوحد الخيارات أمام الفلسطينيين. 

إن الوحدة الوطنية الفلسطينية وتحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ببرنامج سياسي واضح أساسه الصمود والثبات والمقاومة هي الضامنة الأكيدة لإفشال مخططات العدو الصهيوني، وهي الخيار الذي يمكّن الشعب الفلسطيني من تحقيق أهدافه بعيداً عن أي رهانات عبثية، وعن أية أوهام سياسية وتفاوضية ثبت بالملموس فشلها وعقمها. يجب عدم السماح للعدو بفرض معادلة كي الوعي على شعبنا ووضعه أمام خيار إما الاستسلام وإما الإبادة والدمار. 

إن الواقعية السياسية أو الثورية لا يحددها الخيار السياسي وفقاً لمقتضيات "الشرعية الدولية"، إنما يحددها ميزان القوى على الأرض وفي الميدان، وإذا كانت الأرجحية في الميزان لمعسكر الأعداء فهذا يضع المجتمعين  في موسكو أمام رسم خطة وبرنامج التغيير لميزان القوى عبر إنجازات تراكمية وعبر تعزيز دور المقاومة بكل أشكالها وخاصة المقاومة المسلحة، والفلسطينيون ليسوا وحدهم في مواجهة المخططات الصهيو- أمريكية في فلسطين والمنطقة فمعهم كل شعوب الأرض وأحرار العالم، ومعهم المقاومة في لبنان و اليمن والعراق ودول إقليمية داعمة ووازنة كإيران وسورية والجزائر، وعلى المستوى الدولي هناك ما يزيد عن المئة وخمسين دولة تساند الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية. 

نعم الكيان الصهيوني صوّت مؤخراً على عدم الاعتراف بدولة فلسطين، وبذلك أعلن لأصحاب الخيار التفاوضي سقوط حل الدولتين. انتهى الأمر وأعلن الكيان الفاشي العنصري بأن هذه الأرض "فلسطين المحتلة" لا تتسع لهويتين وطنيتين أو قوميتين متعارضتين أو متناقضتين او متصارعتين، والشعب الفلسطيني يقول إن الأرض الفلسطينية لا تتسع إلا للفلسطينيين والأحرار المساندين لقضيتهم. أيها المجتمعون "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه".