نجاح التصويت على مشروع القرار الدولي ضد الاستيطان الصهيوني، غطّى على الكثير من التفاصيل التي يجب الوقوف عندها مطولاً، فمشروع القرار بنسخته الأولى التي قامت مصر بسحبها من التداول، والفانزويلي بنسخته الثانية الذي جرى إقراره بدون فيتو أمريكي، لا يعني تحوّلاً جذرياً في الموقف الأمريكي، وإنما أملته ظروف استثنائية، منها ما يتعلّق بقرب نهاية ولاية الرئيس أوباما والتي تشكّل امتداداً لتعامل مختلف نسبياً عند انتهاء ولاية الرؤساء الأمريكيين الذين يبدون بعض الاهتمام بالقضية الفلسطينية في نهاية ولاياتهم.
ومع ذلك، لم يمر القرار دون حشوه بصيغ إشكالية في بعض الفقرات، قد تستخدمها دولة الاحتلال وداعميها لإفراغه من مضمونه، ويبقى هذا الاستثناء الأمريكي في عدم استخدام الفتيو ضد القرار مهدداً من قِبل إدارة ترامب، لأنه عدى عن التصريحات المعلنة منها عقب إقرار القرار في مجلس الأمن، فإن ترامب وفريقه مارسوا ضغوطات على الأطراف العربية لسحب مشروع القرار، والأسوأ أن تلك الضغوطات قد نجحت بالفعل في سحب مشروع القرار المتداول قبل العودة لتبنيه من قبل فنزويلا والسنغال ونيوزيلاندا وماليزيا، وللأسف فإن الاستجابة لضغوطات فريق ترامب بحجة أن الرئيس القادم يرغب بالعمل بخطة متكاملة فيما يتعلق بالشرق الأوسط ولا يرغب باستباق ذلك بهذا القرار، يعطي انطباعا ضاراً وكأن في إدانة الاستيطان إشكالية لأي جهد حقيقي لمن يرغب بإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
الاستجابة العربية للضغوطات الأمريكية تعكس استمرار الرهانات الخاسرة على الدور الأمريكي المنحاز للكيان الصهيوني بشكلٍ سافر، رغم كل ما سبق ذلك من مؤشرات حول سياسة إدارة ترامب المقبلة، ومنها تعيين ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة لدى الكيان الصهيوني، وهو المعروف كصهيوني أمريكي داعم للاستيطان، ومتحمس لنقل السفارة الأمريكية للقدس، فضلاً عن ما صرّحت به "باكي دانلوب" مستشارة ترامب وأحد الأعضاء الكبار في طاقمه الانتقالي، بأن "الضفة الغربية" جزء لا يتجزأ من دولة "إسرائيل"، عدا عن تعيينات أخرى أكثر عداء لقضيتنا وانحيازاً للكيان الصهيوني، هذا بجانب طبيعة موقف ترامب الشخصي المفرط في عدائيته للهوية المشرقية والعربية بوصفها مصدراً للإرهاب الإسلامي، وتعاطفه ودعمه الكبير للمشروع الصهيوني التدميري على أرضنا باعتباره مصلحة أمريكية.
في ضوء هذا كله، فإن أي رهان فلسطيني أو عربي رسمي على تسوية أو عملية سلام مع الكيان الصهيوني يعتبر إضاعة للوقت وإهدار لتضحيات وحقوق أبناء شعبنا، وواجبنا اليوم هو الاستعداد للمواجهة بالحقائق المستمدة من أرض الواقع، وبحث خيارات جادة لتطوير أدوات المواجهة، بدايةً ببناء برنامج سياسي وإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتجهيز الحاضنة العربية لمواجهة العدوان الصهيوني والامبريالي المستمر.