ندما نقول «داعش»، يعني أننا نقصد كل منظمات التطرف والإرهاب المجرم. نعم، لا توجد منظمات إرهابية معتدلة وأخرى متطرفة، فالإرهاب إرهاب. وإن كل الضربات الأخيرة ل«داعش» وكل الضربات الإرهابية لمنظمات الإرهاب في مصر، وبرلين، ومدينة الكرك في الأردن، وفي أمكنة أخرى غيرها، هي الصحوة الأخيرة لهذه التنظيمات قبل الموت، هذا بعد الهزيمة التي تلقتها هذه التنظيمات في أكثر من منطقة. لكن مسار الأحداث يبين بما لا يقبل مجالاً للشك، انزعاج أطراف أمريكية، وغربية، وصهيونية من هذه الهزيمة، وإلا لماذا الحرص والإصرار على إمداد هذه المنظمات بالأسلحة والأموال؟ إن الولايات المتحدة، إن لم تكن قد ساهمت مباشرة في إنشاء «داعش»، ومنظمات التطرف الأخرى، فهي في أقل الحالات، سببت، ورعت نشوءها للاستفادة منها، لتمرير مخططاتها التخريبية في الوطن العربي.
اليوم تكشف مجلة «نيوزويك» الأمريكية، دور الولايات المتحدة في رعاية «داعش». لقد تساءلت المجلة في عددها الأخير، عما إذا كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن نشوء هذا التنظيم في الأصل، لفشل استراتيجيتها في العراق وكل المنطقة؟ وقالت، إن الولايات المتحدة لم تنشئ تنظيم «داعش» عمداً، ولكنه ما كان له أن يظهر ويصعد، لولا العثرات التي واجهتها أمريكا أثناء احتلالها للعراق في عام 2003، وأضافت، أنه لم يكن هناك قبل ذلك، أي جماعات إسلامية مسلحة، مثل تنظيم «داعش» في العراق. واستطردت «صحيح أن حكم الرئيس العراقي صدام حسين كان رهيباً، ولكنه نجح في إبقاء عينيه مفتوحتين لمراقبة تلك الجماعات، لكننا غزونا العراق وأطحنا صدام من السلطة». وأشارت إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية فشلت في إصدار القرارات المناسبة لحفظ الممتلكات في العراق، ما أدى إلى انتشار الفوضى، والنهب، والسلب على نطاق واسع في البلاد، بل وإلى انهيار المنظومة الاجتماعية في البلد، في ظل حالة من عدم توفر الحد الأدنى من الأمن. وأضافت «نيوزويك» أن سلطة الائتلاف المؤقتة التي كانت مسؤولة عن إدارة العراق، سرعان ما اتخذت قراراً بحل الجيش العراقي، الأمر الذي جعل مئات الآلاف من الشباب المدججين بالسلاح، يجدون أنفسهم أحراراً، بلا هدف، ولا عمل يقومون به، وكانوا يهيمون في الشوارع خارج نطاق السيطرة. كما أن الخطوة الخاطئة الأخرى تمثلت في الدور الذي لعبته الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث، الأمر الذي أدى إلى فقدان الآلاف من الخبراء والمهرة العراقيين لوظائفهم الحكومية. لذا، لم يمض وقت طويل، حتى تلتها موجات عارمة من الاعتقالات العشوائية التي طالت الأعداء، ومن قد يكونون من الأصدقاء، على حد سواء.
كما أشارت إلى أن انتشار الحواجز العسكرية في أنحاء البلاد التي كان يقوم عليها جنود أمريكيون، كانوا يطلقون النار على سيارات مدنية مملوءة بالأبرياء، كما انتشرت ظاهرة إطلاق النار العشوائي، وسادت حالة من سوء المعاملة، لدرجة اقتراف المجازر، من دون رادع، أو خوف من عقاب، الأمر الذي زاد من صب الزيت على النار. وذكرت أنه في مثل هذه الظروف، بدأت حركات التمرد في العراق تستقطب المقاتلين الإسلاميين، من كل أنحاء العالم للجهاد. وما لم يحدث في عقود من حكم صدام حسين للعراق، سرعان ما حدث في غضون أشهر، في ظل حكم الولايات المتحدة للبلاد.
من جانبها، قالت مسؤولة رفيعة المستوى، في وزارة العدل الهولندية، إن تنظيم «داعش» هو فكرة صهيونية، حاول مخترعوها تشويه صورة الإسلام. وأضافت ياسمينا حيفي: «لا علاقة ل «داعش» بالإسلام، بل إنها خطة ابتدعها الصهاينة لتشويه صورة المسلمين»، غير أنها ما لبثت أن مسحت هذا الرأي، وكتبت عبر حسابها على «تويتر»: «أدرك الحساسية السياسية لهذا الموضوع في ما يتعلق بعملي. وهذا ليس هدفي بتاتاً».
وإضافة إلى المحاولات الأمريكية - الغربية - الصهيونية لتفتيت وحدة الأقطار العربية، بلداً بعد آخر، وتخريب وحدة النسيج الاجتماعي للشعوب العربية، وإلهاء الدول العربية بالصراعات الطائفية، والمذهبية، والإثنية، عوضاً عن تناقضها التاريخي مع العدو الصهيوني، تهدف أيضاً إلى تشويه صورة الإسلام الحقيقي، والإسلام من جرائم هذه التنظيمات الإرهابية براء. تصوروا الأمر الذي وجهته قيادة «داعش» مؤخراً لخلاياها النائمة في أوروبا، بضرب الاحتفالات الشعبية في العواصم والمدن الأوروبية، بعيد الميلاد، أليس هذا تشويهاً مقصوداً للإسلام؟ دين العدالة والإخاء والمساواة، الذي نهى عن قتل الشيوخ والأطفال والنساء، وإلى عدم الاعتداء حتى على الشجر؟
