Menu

الأنظمة العربية تغتال الوطن وأهله

طلال سلمان

أرضنا مشاع ، سماؤنا مشاع ، وبحارنا مشاع ...يمكن لأي " قادر" أن يأخذها، وإسرائيل أولاً وأساساً، وان كانت عملياً، تهيمن على معظم قرارها.

من شاطئ البحر الأحمر في شبه الجزيرة العربية إلى تونس ، مروراً بليبيا و مصر (وفلسطين كلها ) .. وصولاً إلى سوريا فالعراق، ثمّ إمارات الخليج العربي من دون أن نستثني السعودية وسلطنة عُمان ، وانتهاء باليمن السعيد شمالاً وجنوباً وبين بين .

ليس بين " المحيط الهادر والخليج الثائر " ، كما كان الهتاف بين منتصف الخمسينات وأوائل السبعينات ، بلد عربي واحد يمكن اعتباره حراً، مستقلاً ، سيداً ، يعيش بموارده ومصادر الخير في أرضه ، يمارس حقه في كل قرار يتصل بمصالحه الوطنية وتحقيق إرادة شعبه .. فالكل مرتهن قراره للخارج ، مباشرة بالاحتــــلال أو القواعد العســكرية والاحتيــاج إلـى المــساعدات ( مالية ، مباشرة ، أو عبر المؤسســـات الدولية الخاضعة للقرار الأمــيركي خصوصاً والغربي عامة . )

جامعة الدول العربية " تكية " للترويح عن نفوس السلاطين بالثرثرة عن الأهداف القومية ، التي تدرجت نزولاً من الطموح إلى الوحدة أو الاتحاد إلى الرضا بالتعاون والتنسيق في أضيق الحدود ، وبما لا يغضب الغرب بالقيادة الأميركية ، وبما لا " يستفز " إسرائيل – وهي بكل بوجودها كاحتلال أجنبي ودولة معادية في نهجها العنصري الذي باشرته مع أقامتها بالقوة، على أرض فلسطين التاريخية.

أكوام من الاتفاقات والمعاهدات والمواثيق التي كانت تجمع هذه الدول ، أو معظمها ، وتلك التي عقدت بين " دولتين " أو أكثر ، لم تنفع حتى في مجالات الضرائب والرسوم على التبادل التجاري ، ولا هي عززت " العلاقات الأخوية بين الأقطار الشقيقة " ... فعند أول خلاف بين أي "زعيمين " عربيين تلغى الاتفاقات والمبادلات وتحشد القوات العسكرية على حدود "الدولة الشقيقة "، بينما العدو الإسرائيلي والمخابرات الأجنبية ، الأميركية خصوصاً ، تنفخ في نار الخلافات لعلها تتفجر حروباً ... ثمّ في اللحظة المناسبة تتقدم للعب دور " الوسيط" .

-2-

تشن إسرائيل حروبها الدورية على العرب ، بعنوان مصر أو سوريا أو كلتيهما ، أو على لبنان الذي قدم شعبه نموذجاً فذاً في المقاومة حتى التحرير، فيدير حكام العرب وجوههم إلى الناحية الأخرى .. ويطير بعض وزرائهم إلى واشنطن لاستئذانها بخطب ناريه في الأمم المتحدة ومجلس الأمن في نيويورك ، ثمّ يجلسون في الكواليس يفاوضون على المفاوضات بين المعتدي والضحية ، ويخطبون ولا يتعبون مع الأخذ بقاعدة " لكل مقام مقال " ، وما يقال في الخطب الجماهيرية يسحب من التداول ، لكلام دبلوماسي ناعم لا يُغضب " المرجعية " ولا يســتفز المعتدي .

ثمّ .. كان أن تدهورت العلاقات بين الدول الأغنى والدول الأفقر ، عندما رفضت الدول ذات التاريخ أن تسترهنها الدنانير والريالات " والشرهات " فتُؤخذ إلى حروب " الإخوة الأغنياء" ضد "الإخوة الفقراء"، كما في اليمن، حتى إذا غضب الإخــوة المذهبون أوقفوا المساعدات ، بل وعادوا يحركون المواجع مطالبين بأراض ليست لهم ( كما في اليمن ) أو بجزر تخلوا عنها ودفع المصريون سيولاً من الدماء دفاعاً عنها ( كما في تيران والصنافير .. )

بل أن بعض هذه الدول العربية المذهبة لم تتردد في تجنيد المرتزقة وتسليحها وتدريبها لكي تقاتل بالنيابة عنها ، ضد سوريا، وضد العراق كما ضد اليمن ..وهكذا غذّت وأدامت حروباً بالوكالة عن إسرائيل في سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي ليبيا وحتى في تونس ، مع محاولات ترهيب بالعمليات الانتحارية في لبنان الخ .

كذلك فإنها لم تتورع عن التحالف مع تركيا ، علناً، ومع إسرائيل سراً يماثل العلن ، في التآمر على العراق وسوريا ولبنان ومصر وتونس ، مرة تحت عباءة الإخوان المسلمين ، ومرة باسم " المعارضة " ودفاعاً عن " ديمقراطية " لا تعرفها ولا هي تعترف بها ... ودائماً في التخلي عن فلسطين والحق المقدس لشعبها فيها .

أن العرب ، الآن ، يقاتلون العرب ، ويصالحون عدوهم جميعاً ، وشعب فلسطين المتروك للريح يقاتل فتيته وفتياته باللحم الحي والحجارة ضد عدو عاتٍ يقتل ويدمر وينسف البيوت والمساجد ويصادر ويطرد أهل القدس - بناتها – ليتخذ منها عاصمة لملكه الذي لم يكن له وجود في التاريخ .

-3-

أن في الحرب على اليمن متآمرين ملكيين عرباً يرسلون طائراتهم المقاتلة التي لم تخض أي حرب من قبل لتدمر معالم الحضارة الأولى في التاريخ الإنساني .

كذلك الأمر في الحرب على سوريا وعلى العراق ، بذريعة مقاومة "المد الفارسي" ، كأنما إيران دولة معادية ... فأنواع السلاح التي تُزود بها دول الخليج العربي بالقيادة السعودية أشتات المعارضات في سوريا ( وفيها أفغان وألبان وباكستانيين وأتراك ، كثير من الأتراك ، وعرب استقدموا من مختلف جهات الوطن العربي ، بامتداد المسافة بين تونس وبين اليمن ) تكفي لتسليح جيش بل جيوش ، ومهمتها الآن تدمير معالم الحضارة في كل من اليمن والعراق وسوريا ، مدناً عريقة يتجاوز بنيانها سبعة آلاف سنة ( كما في حلب) وتدمر وبعض أنحاء العراق في الموصل وشمالها ، (سنجار وجوارها الخ ) ..

إن الوطن العربي الذي تفتت، بأفضال أنظمته، إلى أخوة – أعداء - يصطرعون فيدمرون بعضهم بعضاً ، وتستنجد دوله العريقة بالأجنبي فيأتي إلى العراق جيوش من حوالي عشر دول عربية ، للنجدة من الجو!! بالطائرات التي تقاتل أشباحاً ، ويأتي إلى ارض سوريا وجوها آلاف مؤلفة من المرتزقة الذين يشاركون المتعصبين ولا دين( داعش، جبهة النصرة أو القاعدة فضلاً عن المنظمات ذات الهوية التركية شعاراً أو مقاتلين)... وبالمقابل تأتي إيران ومعها " حزب الله" في لبنان، قبل أن تتدخل روسيا بالطيران ثم عبر المشاركة الميدانية الفعالة، عسكريا وسياسياً (مؤتمر كازاخستان، مثلا).

إن هذا الوطن العربي قد فقد أو يكاد يفقد، مع " دوله" هويته القومية.. وبات كثير من زعامات الطوائف التي صار لها عسكرها الذي يتولى الأشقاء المذهبون تسليحه بسخاء ، وكأنها جيوش، وهو مكرس لقتال أية أفكار وطنية أو تقدمية أو وحدوية ولو عبر شعاراتها القومية، يقاتلون ضد دولهم ، بل أوطانهم، وهم يعرفون قطعاً أن المستفيد الأول والأخطر هو الامبريالية أو الاستعمار الجديد بالشراكة مع إسرائيل.

إن " الطوائف" هي بديل من الأحزاب السياسية في الوطن العربي عموماً بدءاً من مشرقه.. من دون أن يعني أن ذلك أن الأنظمة براء من هذا الداء، فالوهابية حزب سياسي وان كانت شعاراتها إسلامية – أصولية بمعنى العودة إلى السلف الصالح( مع اختيار النموذج الأكثر انغلاقاً ومجافاة لروح العصر) وكل أقطار الخليج تحكم باسم الإسلام كبديل عن الهوية القومية..

-4-

وإذا كان الإسلام السياسي ممثلاً بحركة النهضة( إخوان تونس) قد فشلت في الهيمنة على السلطة في تونس فإنها ما تزال " تناضل" للعودة مجدداً إلى هذا الهدف، فضلاً عن الوجود المتنامي للإسلاميين في الجزائر( ولو وراء أبواب مغلقة) في حين أن الحكومة في المغرب الآن يهيمن عليها الإسلاميون.

و"الإسلام السياسي" هو الشعار المهذب للدعوة إلى القضاء على العروبة كهوية جامعة لأبناء هذه الأمة وطموحاتهم وتطلعهم إلى غدهم الأفضل بعيداً عن الهيمنة الأجنبية ومفاعيل الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين وإرادة العديد من الدول العربية.

كيف لا يكون الغد العربي مهدداً، والحال هذه.

لهذا، وكثير من التفاصيل المؤذية، فان أرضنا مشاع، سماؤنا مشاع، وبحارنا مشاع.. وكل قادر( ودائماً من خارج أهلها،غريب عن أحلامهم وأمانيهم وآمالهم) هو الذي يسعى إلى الهيمنة على مصائرهم في مختلف معظم دول المنطقة وهي ساقطة قومياً، وساقطة عسكريا واقتصادياً وتعليميا وثقافة ، وبلا مقاومة تذكر ، مع الأسف الشديد، لان الأنظمة – قبل إسرائيل ومعها وبعدها – تتواطأ على روح الأمة كما على مصيرها.