Menu

الحكيم.. شدّ على أيدي الرفاق وقال: إلى الثورة

أحمد نعيم بدير

الحكيم جورج حبش

غزة _ بوابة الهدف

"أدركتُ أن الاغتيالات بعد النكبة لا تُحرر فلسطين، وإنما يجب اطلاق حركة سياسيّة. يجب بناء تنظيم حديدي يتولاه شباب شجعان ينذرون أنفسهم للقضية وبدأ تفكيري يتجه نحو الجماهير". جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

تلك الجبهة التي تُؤكد مراراً وتكراراً، على أنّ مبادئ ورؤى وقيم وأخلاق الحكيم المُؤسس، وتجربته النضالية، لا تزال ماثلة في عقول كلّ من سلك دربه، والتي ما زالت تُعاهده في السير على دربه، متسلحةً بفكره ومبادئه.

كان الحكيم جورج حبش ثورياً قومياً اشتراكياً روحانياً في ذات اللحظة، كان مُنحازاً للفقراء والكادحين في أبسط حقوقهم المشروعة، مؤمناً أنهم أبطال القضية.

ولد صاحب المبادئ الصلبة في مدينة اللد المُحتلة في الثاني من أغسطس عام 1926، وتعرض كما الشعب الفلسطيني عامةً للتهجير عام 1948.

بعد ذلك انتقل الحكيم لدراسة تخصص الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، وبعد أن ألقت النكبة بظلالها على شعبنا، عاش جورج حبش صراعاً نفسيّاً حاداً بين إكمال الدراسة، أو التوقف عنها، وانتهى بإكمال الدراسة بناءً على إلحاح والدته بشكلٍ خاص، التي كانت تحلم أن تراه طبيباً.

إلى النضال يا رفاق

شقّ جورج حبش طريقه السياسي والنضالي مبتدئاً من جمعيّة العروة الوثقى في الجامعة الأمريكيّة في بيروت عام 1949، والتي حوّلها الحكيم ورفاقه من منتدى يهتم باللغة والآداب إلى منتدى للنشاط السياسي والفكري.

خلال النشاطات الأولى التي بدأها جورج حبش في النشاط السياسي، طُرحت مجموعة من الأسئلة التي تفسر ما حصل في فلسطين. وكيف حصل؟ وما هو الرد المُناسب؟.

كانت تتبلور قناعات الحكيم الثوريّة صوب أن القوّة المُسلحة هي الطريق الوحيد لاسترداد الحق المسلوب، فما كان منه هو ومجموعة قليلة من الشباب العربي لتشكيل "كتائب الفداء العربي"، التي نفذت بعض العمليّات وضربت بعض المؤسسات الصهيونيّة في الوطن العربي.

تأسيس حركة القوميين العرب لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد انكشاف تشكيل "كتائب الفداء العربي"، حينها أدرك الحكيم ما مدى أهميّة العمل من خلال الجماهير وصفوفها.

مُظاهرة الجامعة

عام 1951، تخرج جورج حبش من الجامعة الأمريكية مُتخصصاً في طب الأطفال، مُحققاً بذلك رغبة والدته، وتم تعيينه في الجامعة الأمريكيّة مُعيداً، وفي أحد الأيام تم التخطيط لعمل مظاهرة، فأحيطت الجامعة بمئات العناصر الأمنيّة، وأغلقت أبواب الجامعة على من فيها، فما كان من جورج حبش ورفيقه الشهيد وديع حداد إلا النزول وخلع أبواب الجامعة بالقوة.

بعد هذا المشهد الذي بيّن للجامعة بكافة أركانها، أن جورج حبش مُناضل عنيد، وبعد أن علمت إدارة الجامعة أن أحد أساتذتها يُحرض الطلاب على التظاهر، بادر الحكيم وقدم استقالته.

بعد الاستقالة، غادر جورج حبش إلى العاصمة الأردنية عمّان لافتتاح عيادة عام 1952، وبعد فترة لحق به الشهيد المُناضل وديع حداد، لتصبح الأردن هي المركز الذي يُشرف من خلاله الحكيم، على حركة القوميين العرب، التي بدأت تتشكل في لبنان وسوريا والخليج والعراق.

العمل مع الجماهير

في عمّان فكّر الحكيم بضرورة شق مجرى للعمل بين الجماهير، من خلال بعض الوسائل وأهمها العيادة المجانية، والعمل في أحد نوادي الشباب، ومدرسة لمكافحة الأميّة، وإصدار مجلة أطلق عليها اسم "مجلة الرأي"، وكان يُتابع هذه النشاطات في الأردن مع نخب من سياسيّة وثقافيّه كمقبل مومني وسالم النحاس وغيرهم.

انتقل الحكيم إلى دمشق ثم عاد إلى الأردن، وبعد عودته جرت انتخابات نيابيّة، شارك فيها ومجموعة من أعضاء الحركة وأصدقائها بهدف الاتصال مع الجماهير، وحصل جورج حبش على أصوات أكثر من المُتوقع، رغم أنه لم ينجح في الانتخابات.

حركة القوميين العرب كان لها دوراً مهماً في نشوء حركات أخرى في الوطن العربي، ففي عام 1956، عقد المؤتمر التأسيسي الأول في الأردن، وتم اختيار اسم حركة القوميين العرب، وحضر المؤتمر مندوبون عن "لبنان، العراق، سوريا، الأردن، الكويت ، وفلسطين".

وبعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا وتصاعد المد الناصري والتفاف الجماهير العربيّة حول قيادة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، طرح بعض مسؤولي الحركة سؤالاً حول مبرر استمرار وجود الحركة.

وكعادته كان للحكيم وجهة نظر تتمثل في ضرورة وأهميّة تنظيم حركة الجماهير عبر إطار سياسي، وأن جمال عبد الناصر يُمثل القيادة الرسميّة للجماهير العربيّة، والحركة واجبها تنظيم وتعبئة الجماهير للنضال من أجل تحقيق الشعارات التي رفعها عبد الناصر.

استمر الحكيم في مجال طب الأطفال حتى عام 1957، بعدها خرج من الأردن إلى دمشق وصدرت بحقه عدّة أحكام بين الأعوام 1958 و1963، وانتقل بعدها من دمشق إلى بيروت.

شهد صيف عام 1959، تأسيس النواة لحركة القوميين العرب في ليبيا و السودان واليمن بشطريه الشمالي والجنوبي، ومناطق جديدة في الخليج العربي.

وفي العام 1961، تزوج الحكيم من المقدسيّة هيلدا حبش، وأنجبا طفلتين هما ميساء ولمى، وفي عام 1961 وقع الانفصال وانفك عقد الوحدة بين مصر وسوريا، فقامت المظاهرات والتحركات الجماهيريّة المُطالبة بإعادة الوحدة، ولعبت الحركة دوراً في تحريك الشارع العربي، وبشكلٍ خاص في سوريا، وتم اعتقال جورج حبش في هذه الفترة ثم أفرج عنه.

وفي عام 1963، حصل انقلاب جاسم علوان في سوريا، والذي كان يستهدف إعادة الوحدة الفوريّة مع مصر، وكان جورج حبش أحد المتهمين بالتخطيط لهذا الانقلاب، بعدها اختفى جورج حبش لمدة تسعة شهور، غادر بعدها إلى لبنان لقيادة عمل حركة القوميين العرب.

بداية عام 1964، غادر جورج حبش إلى القاهرة، لمُقابلة الرئيس عبد الناصر، وتكونت بينهما علاقات قوية، وطرح الحكيم على عبد الناصر، موضوع الكفاح المُسلح في جنوب اليمن، والكفاح المُسلح في فلسطين، ودار نقاش طويل حول الموضوعين كانت نتيجته بدء الكفاح المسلح في جنوب اليمن الذي انتهى بطرد القوات البريطانيّة، وكذلك الاتفاق على بدء الإعداد للكفاح المسلح الفلسطيني على أن تتم عمليّة التنفيذ في اللحظة المناسبة.

تأسيس الجبهة وتبني الماركسية

بعد خروجه من الأردن ركز جهوده نحو القضيّة الفلسطينيّة، ولعب دوراً في تبني الثورة الفلسطينيّة للفكر الماركسي ال لينين ي، في ديسمبر من عام 1967، أسس الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين مع وديع حداد وأبو علي مصطفى وآخرون، وشغل منصب أمينها العام، وقامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على تبني المبادئ اللينينيّة، بعد استغناء جمال عبد الناصر عنها وإعادة برمجة دعمه لياسر عرفات.

روج حبش في إطار قيادته للجبهة الشعبيّة للأعمال المثيرة والتي أخذ بعضها شكل عمليات اختطاف طائرات صهيونية وتفجير لبعض خطوط النفط والغاز وهجمات على السفارات الصهيونيّة في عدة عواصم غربيّة، وكان أبرز العمليات خطف طائرات في الأردن عام 1970، إبان حرب أيلول الأسود بين الفدائيين والجيش الأردني.

بعد أيلول الأسود، انتقل حبش إلى لبنان كغيره من الشخصيات الفلسطينيّة في العمل النضالي في تلك الفترة، وخرج منها عام 1982 ليستقر في دمشق، وظل أميناً عاماً للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين حتى العام 2000، حيث ترك موقعه طوعاً وخلفه في هذا الموقع أبو علي مصطفى والذي قامت قوات الاحتلال الصهيوني باغتياله في 27 آب 2001.

أشد المعارضين لأوسلو

تخلى حبش عن منصبه كأمين عام للجبهة عام 2000، وقال عن سبب تخليه للسلطة إنه جاء من منطلق الديمقراطية "ايماناً مني بإفساح المجال لقادة غرسوا في النضال، وقناعة مني بأن الجبهة الشعبيّة لديها القدرة على خلق القيادات".

الحكيم جورج حبش وكما عوّد رفاقه بأنه كان منسجماً مع نفسه ومع مبادئه الصلبة، كان له موقفاً من اتفاقية "أوسلو"، بل يُعد من أكبر المعارضين للاتفاقيّات المبرمة مع "إسرائيل"، وكان يرى أن الحلول المنفردة للأطراف المتنازعة مع "إسرائيل" شيء مرفوض، ورأى أن نتائج الاتفاقية رجحت لمصلحة الاحتلال بشكلٍ حاسم، وظل حبش رافضاً لتقديم طلب إلى الاحتلال للعودة إلى الضفة المحتلة وقطاع غزة حتى وفاته.

منذ عام 2003 اتخذ الحكيم من الأردن مكاناً لإقامته، وذلك بعد مشاكل صحيّة عانى منها، وفي 26 يناير 2008 توفي في العاصمة الأردنية عمّان بسبب جلطة قلبية، بحسب السفير الفلسطيني في الأردن عطا الله خيري، ودفن في عمان.

أخطر من هدد "إسرائيل"

الحكيم جورج حبش كان محط اهتمام لأقلام الصحافة العبرية، فتناولت الصحف العبريّة وفاة جورج حبش من زاوية فشل الموساد الصهيوني في تقدير حالته الصحيّة وتوقع وفاته، رغم أنه كان هدفاً لهذا الجهاز الاستخباري على مدى سنواتٍ طوال.

جورج حبش وكما وصفته الصحافة العبرية، فهو من أخطر الشخصيات التي هددت الوجود "الإسرائيلي"، وتساءلت بعد مقتل الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي على يد نسور الجبهة الشعبية: هل هناك المزيد من العنف من هذه المنظمة التي أقامها حبش؟؟.

وبحسب اعترافات العدو الصهيوني، أصبحت طائرات الركاب "الإسرائيلية" والمطارات في أوائل السبعينات هدفاً استراتيجياً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي يرأسها جورج حبش.

عند الحديث عن المُناضل وحكيم الثورة جورج حبش، يأتي أذهاننا القائد الأممي الراحل فيديل كاسترو والذي كان يقول حتى آخر نفس أنه سيُحارب الإمبريالية الأمريكية في كل العالم، ورحل وهو ثابت على هذه المبادئ، كذلك حكيم الثورة رحل ثابتاً رغم كل الضغوطات التي مورست عليه للعودة الى الضفة المحتلة أو قطاع غزة، كان يحلم برؤية فلسطين مُحررة بكامل ترابها، رافضاً كل الاتفاقيات المشبوهة.