اجتمع ممثلو الفصائل الفلسطينية ببيروت في شهر كانون الثاني الماضي، للاتفاق على انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، ولإعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها المهمشة والمنسية، ولكن على ما يبدو أن ما صدر عن المجتمعين والتصريحات التي تلت الاجتماع من قبل العديد وعلى وجه التحديد من مسؤولي أو ممثلي فتح وحماس لا تبشر بإقتراب واحتمالات انعقاده، وتؤكد هذه التصريحات أن ما زال هناك مسافة كبيرة يجب تجاوزها، فنحن كفلسطينيون لسنا ـمام مجلس وطني قريب، لأن الانقسام لن ينتهي قريباً ولن يتم تجاوزه.
إذا عدنا إلى الوراء وعلى وجه التحديد إلى اتفاقيات أوسلو، ورسائل الاعتراف المتبادلة بين ياسر عرفات و"رابين" بتلك الفترة، نكتشف أن منظمة التحرير الفاسطينية تم إلغاء محتواها ودورها التي كانت تمثله للشعب الفلسطيني من خلال نقطتين أساسيتين هما: الأولى نص اتفاق أوسلو على أن يقوم سكان الضفة والقطاع باختيار ممثليهم، والثانية برسالة الاعتراف التي قدمها "رابين" لعرفات والتي تنص على منظمة التحرير الممثل للشعب الفلسطيني، حيث تم شطب الشرعي والوحيد، ليأتي المجلس الوطني الفلسطيني بجلسته بمدينة غزة وبحضور الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون"، ويقوم بشطب البنود الأساسية بالميثاق وتعديل ما تبقى، وهنا نطرح السؤال التالي: هل منظمة التحرير الفلسطينية ما زالت قائمة ومتواجدة وتمارس دورها الوطني بعد كل هذه الاحداث؟!.
منذ تلك الفترة تم استبدال دوائر منظمة التحرير بدوائر سلطة متفق عليها ضمن بنود أوسلو، فهمشت الدائرة السياسية ليحل محلها دائرة التطوير والتعاون الدولي، ولم يبقَ من المنظمة إلا اسمها ودوائرها، واقتصرت فقط للاستهلاك الداخلي والمحلي الفلسطيني، لأنه كان من الصعب أن ينسى شعبنا الفلسطيني أو يرى منظمة التحرير تختفي فجأة من أمام عينيه، فكان على القيادة الفلسطينية منذ توقيع اتفاق أوسلو البقاء على منظمة التحرير مراهنة على أن الأجيال القادمة ستنساها ولن تتذكرها وإنما ستدرسها من خلال كتب التاريخ، ولهذا لم تعطِ هذه القيادة على مدار ما يزيد على 23عاماً اي اهتمام يستحق للمنظمة الذي قدم شعبنا من أجلها التضحيات الجسام واعتبرها الوطن الفلسطيني الذي يجمع الفلسطينيين ما دام الوطن الأم المحتل يصعب على جمع الفلسطينين بداخله.
رهان القيادة الفلسطينية التي جاءت على اثر الأحداث الاقليمية والدولية التي سبقت أوسلو، متخطية بذلك الانجازات الكبيرة التي حققتها الانتفاضة الفلسطينية بتلك الفترة، هذا الرهان أخذ قضيتنا الفلسطينية إلى المجهول، المجهول الذي نمر به اليوم، حيث شعبنا مشتت، ومقسم، ولا يعرف كيف يحمع نفسه رغم المبادرات التي تحصل هنا أو هناك على مدار ما يزيد على خمسة عشرة عاماً، والتي كانت تهدف هذه المبادرات إلى عقد مؤتمرات لتجمعات شعبنا الفلسطيني التي كانت تهدف وما زالت إلى إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية ولشعبنا الفلسطيني بالشتات، وهذا الاهمال والرهان أخذ شعبنا إلى منحدرات قد يصعب الخروج منها نتيجة ما تمر به قضيتنا الفلسطينية من انقسام جغرافي وسياسي وحتى جماهيري، بالاضافة إلى افتقاد قطاعات واسعة من شعبنا إلى الثقافة الوطنية بظل استمرار الانقسام وتطورات الوضع على الساحة العربية من حروب طائفية تركات بصمات سلبية أخرى على الوعي عند الكثير من أبناء شعبنا الفلسطيني وعلى وجه التحديد بالدول العربية ومنها سوريا ولبنان.
اجتماعات المجلس المركزي للمنظمة، لم تكن لمتطلبات المرحلة ومراجعة لعملية والسلام والمفاوضات التي راهنت عليها القيادة الفلسطينية، وإنما لحسابات فئوية أو مصالح فصائلية أو شخصية، ولم تكن هذه الاجتماعات رغم كل ما صدر عنها إلا أنها لم تشّكل حالة نهوض، فاجتماعات المجلس المركزي لم تكن بمستوى الطموح، بل خطوة باتجاه مزيد من الاحباط لدى قطاعات واسعة من شعبنا الفلسطيني.
المحاولات الرامية لعقد المجلس الوطني وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية هي غير موفقة حتى الآن، بسبب عامل الانقسام، والتزام قيادة السلطة بالاتفاقيات الموقعة مع العدو الصهيوني، وإن أي محاولة فعلية لإعادة الاعتبار للمنظمة والمجلس الوطني ومؤسسات الشعب الفلسطيني التمثيلية خارج إطار أوسلو والاتفاقيات الموقعة، تقود إلى مواجهة فعلية بين هذه القيادة والكيان الصهيوني، ويلغي مبرر وجودها وقد يأخذها إلى كارثة، علماً أن هذه السلطة نخرها الفساد وأصبحت مرتمية فعلياً بحضن الكيان الصهيوني ولا تتوفر امكانيات تحررها من هذه القيود التي فرضتها هي على نفسها نتيجة رهانات فاشلة، لذلك فالرهان على تفعيل المنظمة وعقد المجلس الوطني الفلسطيني، لن تأتي من هذه القيادة أو هذا النهج، قد تكون هناك وسائل أخرى تبتدعها أطراف ترفض استمرار هذا النهج، وترفض هذا السكوت والتهميش لشعبنا وتجمعاته، مع التأكيد على دراسة أي خطوة بدقه بهذا الاتجاه، حتى لا تكون النتائج أكثر كارثية من كارثة أوسلو ورجالها.
شعبنا الفلسطيني بكافة تجمعاته، لم يتخل إطلاقاً عن حقوقه الوطنية والتاريخية، ويؤكد دائماً على انتمائه وهويته الفلسطينية رغم كل الظروف، وعلى حقه بالنضال سواء داخل فلسطين وخارجها، وأن لا حل إلا بتحرر كامل التراب الوطني الفلسطيني والعودة. وأن التنازلات وتخاذل القيادة ليس موقف الشعب الفلسطيني بكافة أماكن تجمعاته داخل وخارج فلسطين، ويؤكد على تصديه ومواجهة الهجمة الكبيرة والمتصاعدة التي تشنها دولة الكيان الصهيوني، وأن تجمعات شعبنا وصلت إلى قناعة أن الرهان على هذه القيادة لانقاذ الوضع الفلسطيني من الاستمرار بالتدهور هو رهان ليس بمكانه، وضرورة التخلص من هذه القيادة وخلق البديل الثوري هي مهمة من مهمات المرحلة ومتطلباتها، لن يكون أمام شعبنا إلا التأكيد على حقه بالتنظيم والنضال والتمسك بمؤسساته وإسقاط اتفاقيات الذل والعار ورجالها، وإيجاد البديل الثوري، باعتباره الحل السليم والصحيح لإقامة الدولة الفلسطينية والعودة إلى فلسطين الذي لا حل عادل بدون تحقيقها.