Menu

تخاذل المجتمع الدولي وسياسات نتنياهو العنصرية

محمّد جبر الريفي

هكذا يبدو الكيان الصهيوني برئاسة نتنياهو على المستوى الإقليمي وكأنه خارج عن سياق السياسات الدولية ولا ينطبق عليه القانون الدولي، فيقر الكنيست الإسرائيلي بتوجيه مباشر منه وبمؤازرة أطراف الائتلاف اليميني الحاكم خاصة رئيس حزب البيت اليهودي اليميني العنصري المتطرف بينيت على إصدار قانون شرعنة البؤر الاستيطانية التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية  في الضفة الغربية المحتلة وهي أرض الدولة الفلسطينية المعترف بها دوليا كعضو مراقب في الأمم المتحدة دون أن يجد هذا الكيان الصهيوني ما يردع هذه السياسة الصهيونية العنصرية التي هدفها من هذه الخطوة التهويدية التوسعية إفشال أي تسوية سياسية خاصة مشروع حل الدولتين، فلا النظام العربي الرسمي اتخذ موقفا حاسما من هذه السياسة من خلال موقف رسمي يصدر من جامعة الدول العربية لا يكتفي بالشجب والإدانة كموقف نمطي تقليدي اعتاد أن يصدر عن الأمانة العامة، ولكن كان من  المطلوب اتخاذ موقفا سياسيا فاعلا يتناسب مع خطورة هذا القانون الصهيوني العنصري كمطالبة الدول العربية بوقف حملات التطبيع الجارية بوتيرة متسارعة وبشكل انفرادي مع الكيان وكذلك الطلب من كل من مصر والأردن بتجميد العلاقات السياسية  والدبلوماسية بما فيها سحب السفيرين من تل أبيب.

الاتحاد الأوروبي لم يواجه هذه السياسة العنصرية التهويدية بموقف حازم سياسيا واقتصاديا مكتفيا هو الآخر كالجامعة العربية بموقف لفظي ينسجم مع سياساته المتصفة دائما بعدم إغضاب البيت الأبيض في واشنطن وذلك على الرغم من رغبته كقطب سياسي واقتصادي فاعل ضمن إطار تعدد الأقطاب السائد اليوم في العالم. رغبته بممارسة أي دور نشط في السياسة الدولية خارج نطاق الاحتكار والتفرد الأمريكي في حل الصراعات الإقليمية خاصة فرنسا التي يحركها دائما طموح الزعامة على القارة الأوروبية.

أما الولايات المتحدة التي تحتكر دور الوسيط في عملية السلام في الشرق الأوسط منذ إبرام اتفاقية أوسلو وقبل ذلك دورها الأساسي في عقد اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة فهي تزداد الآن انحيازا للكيان الصهيوني في عهد الرئيس ترامب الأكثر صهيونية من نتنياهو نفسه وبذلك فهي تلتزم بموقف الصمت أمام شرعنة الكنيست لهذا القانون العنصري المدمر لمشروع حل الدولتين التي ترعاه، فلا تحرك الدبلوماسية الأمريكية ساكنا أمام جريمة نهب وسرقة الأرض من أصحابها وتكتفي بالموقف السلبي المعتاد بعيدا عن ممارسة أي ضغط مؤثر يكبح جماح هجمة الاستيطان.

إلا أن الشيء الذي يثير الاستهجان حقا هو قيام بريطانيا الآن باستدعاء الموقف التاريخي التأمري العدواني الذي مارسته حكومة  الانتداب على القضية الفلسطينية، فبدلا من أن تتخذ الحكومة البريطانية موقفا سياسيا قويا من مسألة الاستيطان، خاصة الرد على قانون شرعنة البؤر الاستيطانية باعتباره مخالفا للقانون الدولي، بدلا من أن تقوم بذلك تكفيرا عن سياسة الانتداب الاستعمارية في تسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين، فهي تعمل الآن على الاستعداد للاحتفال بمرور مائة عام على إصدار  وعد بلفور المشؤوم الذي كان سببا في اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها، لأنه أعطى هذا الوعد الحق لليهود بإقامة وطن قومي لهم فيها، والأكثر إمعانا في التعاطف البريطاني الرسمي مع المشروع الصهيوني تدعو رئيسة الوزراء البريطانية نتنياهو للمشاركة في هذا الاحتفال!!!.

هكذا من الواضح أن أي حكومة “إسرائيلية” مهما كان اتجاهها لن تبدي موقفا لينا تجاه الحقوق الفلسطينية ما لم تتعرض لضغوط جدية من المجتمع الدولي خاصة من الأطراف الكبرى المؤثرة فيه كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لذلك يجد نتنياهو من هذا المجتمع الذي لم يمارس الضغط المؤثر المطلوب ما يشجعه أكثر على انتهاج هذه السياسة العنصرية التهويدية التي تعتبر في نظر القانون الدولي عدوان سافر على حقوق الشعب الفلسطيني وجريمة حرب سافرة يجب على الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية ملاحقة القائمين على هذه السياسة الصهيونية العنصرية من سياسيين ومشرعين في الكنيست الإسرائيلي وأولهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه باعتباره مجرم حرب يجب مقاضاته لأنه يواصل منذ توليه هذا المنصب لسنوات عديدة ممارسة سياسة المراوغة والمماطلة والتضليل لإيهام الرأي العام الدولي بأنه مازال ملتزما بعملية السلام فليس هناك في السياسة الدولية ما هو أكثر وضوحا من التعنت والصلف الإسرائيلي وانتهاك حكومات “إسرائيل” المتعاقبة للقانون الدولي وذلك يرفضها الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها عام 67 وجلب المستوطنين الصهاينة العنصريين من كل بقاع الأرض إلى الأراضي الفلسطينية في محاولة تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية لهذه الأراضي وما هو أكثر مدعاة للغرابة هو تجاهل حقيقة أن قرارات الأمم المتحدة لا تنطبق على “إسرائيل” خاصة فيما يتعلق بقضايا كحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي و التسلح النووي وانتشار أسلحة الدمار الشامل ومع ذلك تستمر دول العالم ومنها بلداننا العربية بالتمسك بالقرارات التي تصدرها الأمم المتحدة!!!.