Menu

حماة الديار... حماة العراق... عليكم صباح!

نصّار إبراهيم

حماة الديار... حماة العراق... عليكم صباح!

 بالأمس عانق الجيش العربي السوري وحلفاؤه خط الحدود مع العراق... فسقطت مع لحظة العناق تلك الخطوط الحمراء التي حاولت أمريكا وحلفاؤها وأدواتها فرضها بقوة النار والترهيب والسياسة والمناورة... فكان قصف مطار الشعيرات وقبلها قصف جبل الثردة في دير الزور وبعدها قصف مواقع للجيش السوري قرب التنف، كما كان لإسرائيل دورها في هذه الاستفزازات ومحاولة العرقلة والضغط والتعطيل... وفي السياق ذاته يأتي التواطؤ الأمريكي مع ما يسمى "قوات سورية الديمقراطية "قسد" " من أجل تهريب داعش من الرقة إلى الصحراء السورية لتشكل قوة ضاربة في مواجهة الجيش السوري ومشاغلته، لخلق ضغط عازل، يعزل سوريا عن العراق ويؤمن للقوات المتأهبة في التنف للتحرك نحو الشمال والبوكمال، تلك العملية الرخيصة التي كشفتها روسيا فقامت بإبادة أرتال الدواعش في الصحراء.. وبعدها وجهت رسالة حازمة من خلال قصف مقرات ومواقع داعش بصواريخ كاليبر بالقرب من تدمر.

الفريق أول سيرغي سوروفيكين، قائد مجموعة القوات الروسية في سوريا  وصف الضربات والإنذارات الأمريكية للجيش العربي السورية قائلا "إن الإنذارات التي يوجهها الأمريكيون إلى الجيش السوري الذي يحرز تقدما في جنوب البلاد، تأتي بتبريرات سخيفة تماما.... التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية بالتواطؤ مع قياديين في "داعش"، يوافقون على تسليم البلدات التي يسيطرون عليهم دون قتال، وفي المقابل يسمح لهم بالخروج والتوجه إلى المناطق التي تنشط فيها القوات الحكومية السورية".

 هدف كل هذه المحاولات المستميتة هو منع الوصول إلى دير الزور والسيطرة على وادي الفرات والحدود مع العراق، وبالتالي منع التقاء الجيش العربي السوري وحلفائه مع الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي.

 كان رد سورية وجيشها وحلفائها على هذه الهجمات مزيدا من العناد والصبر وضبط النفس الإستراتيجي الذي لا يفهمه هواة السياسة وأصحاب ردود الفعل الهوجاء... فمضت سورية في خططها الإستراتيجية من دفاع وهجوم ومناورة بما يغطي كامل مساحة الجغرافيا السورية المقدسة... لقد مارست منهجية الشطرنج في إدارة الحرب والصراع فيما أعداؤها مشغولون برميات النرد... 

 في غمرة هذا الاشتباك الشامل والمعقد والمركب بقي ثابت واحد معلن وحاسم: لا خطوط حمراء على الجغرافيا السورية يقررها ويحددها الغزاة الاستعماريون أو أية أدوات إقليمية أو محلية رخيصة... فوحدة سورية أرضا وشعبا وسيادة وطنية أمر مقدس... ولا خطوط حمراء غير ما يحدده الجيش العربي السورية على أرضه البهية... وإذا أردتموها حربا فليكن.. نحن لها!.

 بالأمس... هناك شمال شرق التنف على حدود الصحراء وقف جنود سورية وحلفاؤها الأوفياء كأشجار النخيل يحيون أرض العراق... ومن الشمال غرب البعاج يتقدم الحشد الشعبي، وما بين الجيشين وعلى امتداد 200 كيلو متر من الحدود العراقية السورية ليس سوى فلول داعش... أمام هذا العناد والصلابة الشجاعة لم تجد أمريكا وأدواتها ما تفعله سوى الصمت جنوبا وقصف الرقة بالفسفور الأبيض شمالا.

هكذا في لحظة  تاريخية فارقة يلتقي العراق بسورية، فتعود الفكرة لذاتها، ويفرض التاريخ منطقه الأصيل.. تلك هي بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام... لا مكان فيها إلا لأهلها.. 

 هي الحرب تقترب من نهاياتها الإسترايجية بعد أكثر من ست سنوات قاسية من الموت والتدمير والذبح والحرق والنهب والقتل.. كما كانت أيضا ست سنوات من القتال والمقاومة والتضحية والصمود الأسطوري المذهل.

 لمن تستهويهم الثرثرة السياسية، الذين كانوا يستهزئون دائما من لازمة الموقف السوري عند كل اعتداء إسرائيلي أو أمريكي أو تركي " سنحتفظ بحقنا في الرد في المكان والزمان المناسبين" لهؤلاء أقول: الحرب ليست لعبة أولاد وقبضايات، والسياسة ليست مجرد عنتريات... وردود أفعال عصبية، السياسة والحرب كامتداد لها، هي حسابات استراتيجية ، واخطر وأهم ما فيها إدراك أبعادها العميقة وعناصرها، ومعرفة ما يستهدفه الخصم في لحظة ما، وعدم تمكينه من تحقيق أهدافه، ومنها أن لا تخاض الحرب وفق ما يقرره الخصم من حيث المكان والتوقيت.

 هذه الحرب الكونية الوحشية على سورية كانت تستهدف تحطيمها وتقسيمها وإسقاطها كدولة وتحويلها لطوائف متناحرة... ومنع أي تواصل ما بين العراق وسورية، لكي تصول أمريكا وإسرائيل في المنطقة كما تشاءان.. 

 عربان الخليج ومنظمات القتل والذبح من داعش والنصرة وما بينهما وحولهما هم مجرد خزان للتمويل والموت لا أكثر... 

 الهدف دائما حماية إسرائيل وأمنها، وحماية أمريكا ومصالحها.... وليس تلك الهلوسات حول الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان فكل هذه الشعارات جربها وتذوق طعمها الشعب العربي ولا يزال في العراق وليبيا وسورية و مصر واليمن وتونس ومنذ سبعين عاما في فلسطين. 

 في كل هذا الصراع ومساحات الاشتباك المفتوحة كانت الخسائر عربية صافية... وهذا أمر طبيعي جدا حين تدار السياسة بمنطق قبائل الغاز والنفط والكاز.... 
 ومع ذلك، وبالرغم من أهوال تلك السنوات الست القاسية إلا أن سورية جوهرة العرب وقلبهم النابض صمدت، وقفت، قاومت، ضحت، صبرت ومعها وقف حلفاء صادقون وواضحون.

 بالتأكيد لم تكن تلك السنوات سهلة.. فقد كانت الأثمان باهظة ومؤلمة وغالية جدا.. لكنها الضريبة التي لا بد منها حين يُستهدَف الوطن أرضا وشعبا، وسيادة وحقوقا، دورا ومكانة، هوية وكرامة...

 الآن تسقط الرهانات الخاطئة، كما سقطت كل محاولات تصوير الصراع على أنه صراع طائفي، وإلا كيف نفسر ونفهم هذه الإصطفافات في قضية قطر !... هو الأخفاق الكبير إذن... الذي يضرب بتداعياته رؤوس شيوخ النفط في الجزيرة العربية فيما السيد الأمريكي يواصل حلب أبقاره المذعورة، أما ليبريمان وزير خارجية إسرائيل فيبشر بفرح بأنها اللحظة المناسبة لولادة حلف إسرائيلي عربي سني... بما يعنيه ذلك من استعداد نهائي لتصفية قضية فلسطين كثمن لحماية عروش شيوخ وأمراء الخليج.
 الآن يمكن إعادة قراءة السياقات من جديد... لكي نفهم معنى وقيمة أن تلتقي العراق وسورية في هذه اللحظة التاريخية الفارقة... بما هي إفشال لمشروع التقسيم والهيمنة... وقريبا سنرى ما سيحدث للجيب الكردي الأمريكي في الشمال، وما سيحدث لفلول االمرتزقة على الحدود الجنوبية. 

لكل هذا نقول حماة الديار...  حماة العراق... عليكم صباح...!