Menu

في الذكرى الـ ١٧ للإنتفاضة الثانية

راسم عبيدات

لم تكن عملية اقتحام شارون للمسجد الأقصى السبب الوحيد في إندلاع الإنتفاضة الثانية، بل ان مجمل اجراءات وممارسات الإحتلال القمعية والإذلالية بحق الشعب الفلسطيني، في سياق سياسة صهيونية قمعية متصاعدة، خلقت حالة من التراكمات الكمية التي أدت الى تغيير نوعي، في إطار عملية تطورية، لتكن تلك الإجراءات مع انسداد الأفق وفشل العملية السياسية، مهيئة وخالقة لأجواء قيام انتفاضة شعبية، ولتأتي عملية اقتحام المغدور شارون للمسجد الأقصى بحراسة جيشه وشرطته عاملاً مفجراً لها، فشارون نفسه استولى على بيت فلسطيني في البلدة القديمة من القدس ، ولذلك لم يكتشف شارون فجأة ان هناك أسطورة صهيونية تلمودية اسمها "الهيكل" لكي يقدم على اقتحام الأقصى.

شارون واقتحامه للأقصى شكل العامل المفجر للإنتفاضة، تلك الإنتفاضة التي تميزت عن انتفاضة الحجر الأولى، بأن عمادها وسلاح مقاومتها للمحتل، لم يكن الحجر، فالإنتفاضة لم تعتمد على الكتلة البشرية الكبيرة ذات البعد الشمولي والإستمرارية ، كما هو الحال في الإنتفاضة الأولى، بل جرت عسكرة الإنتفاضة وركزت على عمليات التخريب الشعبي واستخدام السلاح والعمليات، وأيضاً لم يكن هناك هيئة أركان لهذه الإنتفاضة ولا قيادة موحدة، وغاب الهدف الواضح والمحدد عنها، كما غابت الرؤيا والإستراتيجية الموحدتين.. وفي الوقت الذي قاد فيه الإستثمار السياسي المتسرع لنتائج الإنتفاضة الأولى، وما سمي بالولوج والممر القسري الذي انتج اوسلو الكارثة، وجدنا بأن العسكرة وغياب القيادة الموحدة والإستراتيجية والبرنامج الموحدين، وعدم وضوح الهدف، ونمو طبقة منتفعة من داخل السلطة وخارجها والمغلبة لمصالحها الخاصة على المصالح العليا للشعب الفلسطيني في الإنتفاضة الثانية، مع شدة القمع الصهيوني، كلها عوامل دفعت الى توقف الإنتفاضة في الثامن من شباط عام 2005.

إنتفاضة دفع شعبنا الفلسطيني فيها ثمنا باهظاً وكبيراً اكثر من (4100) شهيد، واكثر من (49)ألف جريح، عدا عن عمليات التدمير الواسعة للبنى التحتية والمؤسسات الفلسطينية، وكذلك في هذه الإنتفاضة خسرنا قادة كبار بدءاً من الشهيد القائد ابو علي مصطفى الذي اغتيل في مكتبه برام الله من خلال صواريخ اطلقتها عليه طائرات الإحتلال في 27/8/2001 ، وليتبع ذلك اغتيال قادة اخرين مثل صلاح شحادة واسماعيل ابو شنب وعبد العزيز الرنتيسي والشيخ المقعد زعيم حركة حماس والأب الروحي لها الشيخ احمد ياسين، الذي اغتيل بصواريخ اطلقتها عليه طائرات اسرائيلية من الجو في 22/آذار/2004، وكذلك الرئيس ابو عمار الذي حوصر حتى الاستشهاد في 11/11/2004، ناهيك عن إعتقال القادة سعدات والبرغوثي وعدد كبير من النواب المنتخبين.

وكذلك أقام الإحتلال جدار الفصل العنصري حول مدينة القدس، وصعد من عمليات مصادرة الأراضي وزيادة وتائر الإستيطان بشكل غير مسبوق في القدس والضفة الغربية، وأصبح الإحتلال سافراً وفي قمة الوقاحة والعنجهية، ولم يتورع عن ممارسة التطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني على طول مساحة فلسطين التاريخية.

الإحتلال لديه أوهام بان استمرار البطش والتنكيل والقمع بحق شعبنا الفلسطيني، والعيش خلف الجدران، سيجعل الشعب الفلسطيني يستسلم ويرفع الراية البيضاء، ومن ثم يشعر هو بالأمن والأمان، ولكن مع نهاية كل إنتفاضة، تختمر عوامل إندلاع إنتفاضة جديدة، فهذا الشعب مصمم على نيل حريته وإستقلاله، وتحقيق حلمه بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، والمحتل مهما طغى وسن من قوانين وتشريعات عنصرية، تستهدف الشعب الفلسطيني، وكل مقومات وجوده، فهو لن ينعم بالأمن والاستقرار، فكل نظريات قادته سقطت من مقولة بن غوريون بأن كبارنا سيموتون وصغارنا سينسون، وقول نتنياهو وغيره من قادة الإحتلال بأن الفلسطيني الذي لا يخضع بالقوة يخضع بالمزيد من القوة...فمثل هذه المقولات المتطرفة، وتطرف المجتمع اليهودي،وكل تعبيراته السياسية والحزبية، والتي تصل حد إنكار وجود شعبنا، هي المسؤولة عن إدامة الصراع واستمراره، ولن تنفع المحتل كل مشاريعه من التهويد للتطهير العرقي وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، واقامة الدولة اليهودية النقية وغيرها من المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية.

وذلك جاءت الإنتفاضة الثالثة، والتي انطلقت شعلتها وشرارتها من القدس في تشرين اول /2015، لكي تقول للاحتلال، إننا هنا باقون، ولن تنجحوا في إقتلاعنا، ولن تحققوا حلمكم في نكبة جديدة لشعبنا.

المحتل إعتقد بان الحالة الفلسطينية المنقسمة والمنشطرة على ذاتها، بفعل الإنقسام الذي يفعل فعل السرطان في الجسد الفلسطيني، وحالة الإنهيار العربي غير المسبوقة، ودخول دولها في حروب التدمير الذاتي، وانتقال جزء منها للتطبيع والعلاقات العلنية مع الإحتلال، والمشاركة في مشاريع لتصفية القضية الفلسطينية، وكذلك تعطل الإرادة الدولية وإنشغالها في قضايا اخرى، ( سوريا والعراق واليمن)، وإنحياز امريكا لجانبها وتبني رؤيتها ووجهة نظرها حول الصراع والحل. هذه العوامل جعلت المحتل يتوهم، بأنه قادر على فرض شروطه وإملاءاته على شعبنا الفلسطيني، بما يفرض عليه القبول بحلول سياسية، تتجاوز حل الدولتين والعودة وتقرير المصير، ولكن دائماً كان يأتي الرد من القدس، فالقدس التي توهم المحتل، انها حلقة يسهل كسرها، قدمت نموذحاً رائعاً في الصمود والمقاومة والإنتصار، عندما توحدت بكل مكوناتها ومركباتها السياسية الوطنية والدينية والمجتمعية والشعبية، وحققت نصرا بوحدتها وارادتها وسجاجيد صلاتها على إحتلال مدجج بكل انواع السلاح، أراد أن يفرض مشاريعه وخططه للتقسيم والسيطرة على الأقصى، من خلال نصب البوابات الألكترونية وتركيب الكاميرات الذكية.

واليوم والإحتلال يخطط لتصفية القضية الفلسطينية، وعندما تقول إستطلاعات الرأي الإسرائيلية، بأن القضية الفلسطينية، لم تعد هي ما يشغل بال الإسرائيليين، جاءت العملية الاخيرة لكي تقول للإسرائيلين وقيادتهم، بأن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وأرضه، هي جوهر الصراع،ولا امن ولا امان في ظل تنكر قيادتكم لحقوق شعبنا، وحقنا في الوجود والحرية والإستقلال، في دولة مستقلة عاصمتها القدس، وعودة للاجئي شعبنا وفق القرار الأممي (194)، وستفشل كل محاولاتكم لشطب هذا الحق ومصادرت والغائه.

والصراع مستمر، ما زالت عوامل استمراره قائمة، الإحتلال الإستيطان، العقوبات الجماعية، القمع والتنكيل، الحصار والتجويع، الطرد والتهجير، ولذلك الإنتفاضات والهبات مستمرة مع استمرار الإحتلال.