قدمت الحكومة الصهيونية سلسلة من التهديدات الموجهة ضد ملف المصالحة، وتبعتها الإدارة الأمريكية بمواقف سلبية واشتراطات على الفلسطينيين، من الواضح أنها تهدف بالمُجمل لتوظيف هذا المسار الفلسطيني كأداة للضغط على القوى الفلسطينية.
المصالحة كانت ولا زالت شأن فلسطيني داخلي كحق، ولكنها كواقع تم انتزاع مفاتيحها من يد الفلسطينيين وتحويلها للقوى الإقليمية والدولية، ذلك بفعل تراجع الثقل الفلسطيني الوطني وتشرذم البنى السياسية الرئيسية، وضعف العامل العربي الداعم للوضع الفلسطيني.
إن الهدف الصهيوني والأمريكي من هذه التهديدات والضغوط هو تحويل المصالحة لمسار لتقويض المقاومة ونزع السلاح وفرض التسوية، وتسخير الدور الفلسطيني كعامل مساعد في تمرير المشاريع الغربية في المنطقة.
وبالمقابل إن الحق والواجب الفلسطيني يملي أهداف مختلفة من المصالحة، أولها تنظيم وتوحيد طاقات الفلسطينيين للدفاع عن حقوقهم ووجودهم في مواجهة الجرائم الصهيونية، وثانيها هو الوقوف في وجه محاولة فرض تسوية مذلة للقضية الفلسطينية، تسوية تبدو ملامحها واضحة بأنها لا تحمل الحد الأدنى من حقوقنا الوطنية، هذا يتطلب اشتقاق أدوات قادرة على صد الضغوط الأمريكية والتهديدات الصهيونية كجزء من استراتيجية فلسطينية شاملة لمواجهة المشروع الاستعماري.
وهذا المسار الاستراتيجي لا يمكن أن يكون واقعا ملموساً دون القطع الضروري مع أي رهانات فلسطينية على الدور الأمريكي المنحاز قطعاً للكيان الصهيوني، وتكون المصالحة فيه أداة لتحقيق الوحدة الوطنية وتحرير الإرادة الوطنية الفلسطينية الجمعية من الضغوط الخارجية، وليس أداة بيد الأطراف الضاغطة، وهو ما يعني كذلك ضرورة تثمير العامل العربي الداعم للمصالحة باتجاه نقله لمواقف داعمة للاستراتيجية الوطنية الفلسطينية، ولكن كل هذا حديث للساسة الفلسطينيين.
الرهان الحقيقي في مواجهة الضغوط والتهديدات، هو رهان على الجماهير في فلسطين والعالم العربي، وعلى خياراتها الجذرية في مواجهة مشاريع الهيمنة ورأس حربتها المشروع الصهيوني، ودوره خلق مناخ مؤيد وداعم وحاضن للمصالحة الفلسطينية، وللمقاومة الفلسطينية، ورفض أي صفقة أو تسوية تهدر حقوق الفلسطينيين.
هذا يتطلب من القيادات الفلسطينية على مختلف أطيافها، الالتفات للعامل الجماهيري، وإطلاق طاقاته، وإزالة القيود البيروقراطية عنه، فالشعوب وإرادتها الحرة هي الضمانة الحقيقية لأي مسار، وهي القوة القادرة على قلب المعادلات التي يسعى الغربي والصهيوني لفرضها على المنطقة.
تشكل أفاق المصالحة الفلسطينية الحالية فرصة ممتازة، ليس للفلسطينيين فحسب ولكن للشعوب العربية أيضاً، فالوحدة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال هي إسهام فلسطيني في استعادة تصويب الموقف العربي صوب القضية المركزية وهي قضية فلسطين وحرية شعبها.