مما لا شك فيه أن خطوات المصالحة لا زالت بطيئة، ومتثاقلة ولكنها تسير بشكل آو بآخر وتجاوزت حواجز وعقبات أساسية وخطرة، حيث بالإمكان القول أنها وصلت لمدى أبعد من أي جولة مصالحة سابقة، ولكن ما يثير التفاؤل في التجربة الحالية هو حجم الاستهداف الموجه لإفشالها وعلى نحو غير مسبوق، هذا بجانب العامل الجماهيري الداعم للمصالحة .
تصريحات سلبية، وحوادث أمنية، وتعنت الكثيرين، وتناول للملفات الخلافية، كل هذه العصي باتت توضع في عجلة المصالحة لتعطيلها، والأسوأ على الإطلاق هو الشروط الصهيونية التي تم الإعلان عنها، والتي تشي بحجم الانكشاف الفلسطيني والتردي الذي أصاب الحالة السياسية في فلسطين، بحيث بات العدو يلقي شروطه حول تفاصيل علاقة القوى الوطنية التي يجب أن تقاتله وتقود صراع شعبنا ضده.
محاولة اغتيال القيادي في حركة حماس توفيق أبو نعيم تمثل تصويب جديد على مشروع المصالحة، حتى وإن لم ترتبط الأسباب المباشرة للمنفذين بهذا الملف، ففي النهاية اختيار التوقيت والهدف كان يعود لأجندة أكبر من هؤلاء المنفذين وأكبر من الأسباب التي قد يظنوها. إن الجواب الفعلي على موجة الاستهداف الممنهجة "لمشروع المصالحة" الفلسطيني يكون أولا بإعلان الإرادة الوطنية الجاهزة للجم وصد من يستهدفها، والتوقف فورًا عن مجاراة المطالب الصهيونية والأمريكية، ونقل خطاب العدو للحيز الفلسطيني الداخلي بلسان فلسطيني. وكذلك الحال ضرورة التصدي لخطر المعيقات البيروقراطية، التي تمثل مصالح حيتان الانقسام المستفيدين من سنواته العجاف، بات ضرورة. فجميعنا شهدنا ما فعله بضعة موظفين بيروقراطيين من الطرفين خلال أسبوع واحد من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، وطموحه بالمصالحة يستحق المحاسبة والعقاب، وأن يكف كل فريق عن فرحه بما لديه من كبار موظفين سمتهم الأساسية الفشل الذريع الذي نراه في أداء أجهزة ومؤسسات الحكم المختلفة.
إن التحصين الجماهيري والوطني والإرادة الحقيقية من مختلف القوى الفلسطينية من شأنها أن تعزز مسار المصالحة وتحميه، شريطة أن يكون الهدف هو طرح استراتيجية شاملة لمواجهة الاحتلال على كافة المستويات في هذا الملف وغيره من أشكال العدوان والإجرام الصهيوني بحق شعبنا.
إن الإزالة الفورية للعقوبات المفروضة على غزة من طرف السلطة الفلسطينية ورئيسها وحكومة التوافق هو ضرورة وطنية تفوق في أهميتها أي ملف آخر، حيث أن سياسة معاقبة الجمهور من قبل الحكومات هي أولا اخفاق أخلاقي وسياسي، وتعبير عن عجز في إدراك طبيعة العلاقة بين الحكومات والشعوب، فما هذه الأجسام الحكومية والرتب والمناصب إلا أدوات خادمة للشعب، ولا تملك ذرة من الشرعية في مواجهته، فما بالك وحالة الحكم في فلسطين هي حالة لسلطة تحت الاحتلال "ومشروطة بسقفه" لا تملك إلا القليل من أمرها. فالهدف من أي ترتيبات وطنية داخلية هو مواجهة الكيان الصهيوني، وإذا كانت هذه الترتيبات ستمثل إذعان للشروط الصهيونية فلا قيمة لها، بل ستتحول لحمل ثقيل على مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وهذا يوجب علينا التمسك في البعد النضالي والصراعي مع الاحتلال في مسار المصالحة.