Menu

بعد مائة عام على إصداره.. تجديد الوعد بتبادل الأدوار

وعد بلفور

محمد جبر الريفي

رغم مرور مائة عام على اصدار وعد بلفور المشؤوم وافول شمس إمبراطورية بريطانيا الاستعمارية التي كانت لا تغيب عنها الشمس ..رغم كل المتغيرات السياسية التي طرأت على العالم لم تتخل بريطانيا الدولة الاستعمارية العجوز عن نزعتها العنصرية الاستعلائية وكأنها تريد بذلك أن تحافظ ولو كان ذلك بأسلوب دبلوماسي لفظي على دورها السياسي العالمي الرئيسي الذي فقدته بانهيار إمبراطورتيها الاستعمارية الموزعة بين قارتي آسيا وأفريقيا ..بريطانيا التي شاخت الآن لم تعد الدولة الغربية الرأسمالية العظمى في العالم فقد تراجع دورها في السياسة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية مما دعا واشنطن لاعتماد نظرية ملء الفراغ في الشرق الأوسط وهي النظرية التي صاغها جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي الشهير في فترة الخمسينات من القرن الماضي وكان من تطبيقاتها السياسية والعسكرية في تلك الفترة البدء بالشروع في انشاء الأحلاف الاستعمارية وكان أهمها حلف بغداد في الشرق الأوسط الذي أسقطته ثورة تموز العراقية بانهيار النظام الملكي الهاشمي في بغداد ومنذ ذلك التاريخ أي في عقد الخمسينات الذي شهد ايضا اندحار العدوان الثلاثي على مصر كرد فعل على تأميم قناة السويس أصبحت بريطانيا تمارس أدوارها ومواقفها السياسية إزاء القضايا الدولية في اطار السياسة الخارجية الأمريكية وذلك بخلاف فرنسا مثلا الدولة الاستعمارية الأخرى التي ارتبط تاريخها الاستعماري بتاريخ بريطانيا العظمى الاستعمارية وقد تراجع ايضا دورها السياسي في المشهد الدولي عما كانت عليه من قبل خاصة بعد انتصار ثورة الجزائر لكنها بقت رغم ذلك محافظة على دورها السياسي المستقل في اطار الاتحاد الأوروبي الذي تحاول دائما بسياساتها المستقلة التي توصف عادة على السنة النخب السياسية الفرنسية بالديجولية نسبة إلى الجنرال ديجول أن تجعل هذا الاتحاد قطبا دوليا مستقلا عن مواقف الولايات المتحدة في بعض القضايا السياسية والاقتصادية الدولية وكذلك ايضا في مسألة البحث عن حلول للازمات الساخنة كالسورية والأوكرانية والخليجية التي طرأت اخيرا وكل تلك الاستقلالية التي تميز فرنسا وكذلك الاتحاد الأوروبي والتي تصل في بعض الأحيان إلى درجة التعارض تتم في اطار عدم التوافق في المصالح القومية بين دول النظام الرأسمالي العالمي. . الحكومة البريطانية اليمينية وبإصرار وصلف وعنجهية رئيسة الوزراء تيريزا ماي التي أعلنت عن اعتزامها على الاحتفال بذكرى مرور مائة عام على اصدار وعد بلفور المشؤوم و على عدم الاعتذار للشعب الفلسطيني الذي راح ضحية الصراع الحضاري التاريخي بين الغرب الاستعماري والوطن العربي عن جريمة هذا الوعد المشؤوم الذي اعطى لليهود في الشتات حقا في اغتصاب أرض كنعان العربية ،أرض الشعب الفلسطيني الوطنية التاريخية لإقامة كيانهم العنصري العدواني عليها لأجل المحافظة على المصالح الاستعمارية في المنطقة هو تجديد سياسي تاريخي لأهداف المشروع الصهيوني العنصري في تحريض الكيان الصهيوني لممارسة سياسة التوسع الاستيطاني والعدوان وقد صدق كمال الدين حسين وزير الإرشاد القومي المصري واحد ضباط ثورة 23 يوليو المجيدة الأحرار حين أطلق عبارته الشهيرة عن حقيقة هذا الوعد حيث قال في أحد كلماته السياسية التوجيهية التعبوية (أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق ) وقد جاءت ايضا هذه العبارة التي أصبحت أشبه بمقولة سياسية تتردد عند الحديث عن ذكرى وعد بلفور في رسالة هامة كان قد تبادلها الرئيس جمال عبد الناصر مع الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي قبل مقتله في عام 63 من القرن الماضي على يد احد عملاء الحركة الصهيونية .. عبارة هامة دخلت أدبيات التاريخ السياسي العربي لأنها تكشف خلفيات و دوافع هذا الوعد المشؤوم الذي أطلقه وزير الخارجية البريطاني الدبلوماسي العنصري بلفور الذي كان يدين بانتمائه السياسي إلى النظرية البيولوجية العرقية التي تبرر الهيمنة الاستعمارية الغربية على الأمم الأخرى .. هكذا نرى أن الحكومة البريطانية بتأثير النزعة العنصرية الاستعمارية الاستعلائية التي ما زالت تعشعش في الأدمغة السياسية البريطانية الأنجلو سكسونية مصممة على عدم الاعتذار للشعب الفلسطيني لما ارتكبته بريطانيا العظمى الاستعمارية من خطأ تاريخي بحقه وكذلك بعدم تصحيح ذلك بالاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة على غرار معظم دول العالم وكل هذا الموقف السياسي الرسمي الأرعن والاحمق الذي تتخذه حكومة تيريزا ماي اليمينية حيث ما زالت تعيش في نطاق عقلية حركة الاستعمار الأوروبي الذي مضى على غير رجعه بانتصار الثورات الوطنية في بلدان العالم الثالث ..يأتي هذا الموقف من هذه الحكومة العنصرية حتى لا تثير غضب واشنطن في عهد ترامب الرئيس الأمريكي الأكثر عنصرية هو الآخر بانتمائه لنظرية تفوق الرجل الأبيض السياسية العنصرية البيولوجية حرصا منه على هيمنة المصالح القومية الأمريكية الامبريالية .. وهكذا ايضا يتضح من سرد هذه الوقائع السياسية المتصلة بوعد بلفور المشؤوم أن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في المحصلة النهائية هما دولتان تتقاسمان الأدوار السياسية في نكبة شعبنا الفلسطيني فالأولى أعطت الشرعية للمشروع الصهيوني في مرحلة النشأة والتأسيس والثانية تعطي الكيان الصهيوني الدعم والمساندة التامة من خلال معاهدة التحالف الاستراتيجي كي يحقق هذا المشروع في هذه المرحلة كامل أهدافه العنصرية. .. . .