Menu

القدس... وما دار بيني وبين حضرة التاريخ!

نصّار إبراهيم

القدس

(هذا المقال أو النص كتبته قبل عام، أعيد نشره اليوم للضرورة بعد أن أضفت له ما يلزم)

بالأمس مساء، أعددت الشاي، وجلست أتأمل ما يجري حولي... أسئلة كثيرة مرت في رأسي المثقل بالأحداث، غير أن سؤالا أساسيا راح يلحّ علّي من بين جميع الأسئلة المهمة وهو: ما هو رأي التاريخ بكل ما يجري حولنا، سواء على المستوى العالمي أو العربي.. والأهم ما يجري على المستوى الفلسطيني منذ قرن من الزمان، ولماذا لا يتدخل ليساعدنا؟... وماذا بشأن قرار ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل...؟ بالتأكيد سيكون عند التاريخ ما يقوله بهذا الشأن.

هل من المعقول أن يكون التاريخ قد أدار ظهره لنا بهذه الطريقة المهينة، هل نَسِيَنا!!!

أمام هذه الأسئلة، قلت في نفسي إن أفضل طريقة للوصول إلى إجابة شافية هو الذهاب إلى حضرة التاريخ نفسه، زيارته شخصيا واستجلاء الأمر منه.. لربما هناك خطأ ما...

قيل لي بأن التاريخ يقيم على قمة جبل عال وبعيد، حملت أسئلتي وهمومي وأشجاني وأمنياتي وذهبت... قطعت الوديان والسهوب والتلال... رحت أصعد وأصعد... أخيرا وصلت إلى الكهف الشاسع حيث يقيم التاريخ منذ الأزل، ترددت في البداية قليلا لكنني حسمت أمري، فما يدفعني للدخول والمغامرة أكثر شدة وهولا مما ينتظرني... في أعماق الكهف كان حضرة التاريخ يجلس على مقعد حجري، كان مهيبا يجلل وجهه الوقار ولحية بيضاء، أمامه سجل ضخم، وعلى جدران الكهف سجلات تؤرخ لتاريخ الإنسان منذ بدء الخليقة.

القيت التحية: مساء الخير يا حضرة التاريخ الجليل!

رفع رأسه، أزاح النظارات عن عينيه، مسحني طولا وعرضا، صعودا وهبوطا ثم قال:

- مساء الخير، حيا الله، مين الأخ ومن وين؟

بصراحة لقد أراحني استقباله وكلماته قليلا وقلت في نفسي : هيه هاد طلع بيحكي زينا، بعدها توجهت إليه قائلا: أنا عربي من فلسطين!

همهم وغمغم (لم يعجبني ذلك) ثم قال بحزم: إرفع صوتك من أين!؟

رفعت صوتي أكثر: عربي من فلسطين.

- من فلسطين! أهلا أهلا... خير.. شو جابك...!؟

قلت في نفسي هي الفرصة الآن أو لن تكون، فتشجع يا ولد وقل ما لديك بأقل الكلمات وبوضوح فقلت: يا حضرة التاريخ، أنا بصراحة زعلان منك... شو حكايتك معنا، لماذا كل هذا الغضب وهذه الويلات، ألا تعطينا فرصة للتنفس، من حرب لمجزرة ومن تشريد لتدمير ومن انقسام لتمزيق، ومن استعمار لهيمنة ومن خضوع لاحتلال... وآخر المصائب كان موضوع القدس... يا أخي أليس لنا حقوق، أليس لنا في سجلاتك نصيب من فرح وانتصارات... يا أخي تحرك، غيِّر وبدل.. دير بالك علينا شوي.!

- انتبه لما تقول أيها الولد! مَن قال لك أنني أعمل صبيا عندكم.. ها!؟

- عفوا... لم أقصد... وأيضا لم أفهم ماذا تقصد!

- طبعا لن تفهم.. صارلي 1000 سنة بفهِّم فيكو ومش فاهمين!

- لو سمحت (قلت بغضب) احترم نفسك أنا لست غبيا!

- وحمار كمان!

- وبعدين معك!

- ولا قبلين.. إنت شو بدك!؟

- قلت ما بدي يمر قرار ترامب إنو القدس عاصمة لإسرائيل وأبو ديس عاصمة إلنا...

نظر في عيني مليا وقال بما يشبه السخرية: ومالها أبو ديس، مش بيعملوا كعك زي القدس، شو راح تفرق!؟.

- يا حضرة التاريخ المحترم...على عيني وراسي أبو ديس.. بس عاصمة!!!؟ أنا بدي القدس!

- آآآآه.. بدك القدس... طيب وشو كمان بدك!؟

- وأن تتوحد الأمة العربية، يا أخي بلاش كلها ربعها، وأن تعود فلسطين حرة عربية، وأن تتوقف حروب وهبل الطوائف والقبائل، وأن يصبح العرب أمة محترمة ومهابة، تحترم إنسانها ويحترمها الأخرون...

قاطعني ساخرا: ولك إذا إنتو "شلعوطين" في الضفة وغزة، وإسرائيل معجبة عليكو، ورغم ذلك مش قادرين تتوحدوا، جاي بدك توحد 360 مليون عربي، و22 دولة عربية..ها!؟ إنت أهبل!

- مزبوط بتحكي.. عشان هيك جيت عندك...هون بيجي دورك، أعمل حاجة ساعدنا يا زلمة... بدل ما إنت قاعد هون وشغلتك بس تسجل مصايب.

سرح التاريخ بعيدا.. بعيدا... مسّد لحيته بيده...ثم عاد ونظر إلي بصمت... ثم قال:

- بتعرف يا ولد لقد ذكرتني بحكاية قديمة، كان هناك في إحدى المدن رجل عاطل عن العمل، وكان في كل صلاة يتمنى ويرجو من الله أن يربح في اليانصيب، مرّ عام، عامان ، ثلاثة وفي كل صلاة كان يعيد ويلح ويتمنى ذات الأمنية... في إحدى الليالي وبعد أن أنهى صلاته وبدأ يستدعي ويتمنى من الله أن يفوز في اليانصيب، هاتفه الله جل جلاله، وقال له أيها الرجل إنني ومنذ سنوات وأنا أستمع إليك وأنت ترجوني وتتمنى أن تفوز في اليانصيب، وأنا فعلا قررت أن أجعلك تفوز وهذا قرار لا رجعة عنه، ولكن يا أخي مش لازم بالأول تشتري ورقة يانصيب عشان أخليك تفوز!..

بعد أن أنهى حضرة التاريخ قصة ورقة اليانصيب، التفت إلي وقال: هل فهمت ما أقصد يا فالح!

- نعم لقد فهمت يا حضرة التاريخ.. نعم فهمت .. علي أن أشتري ورقة يا نصيب فيها شروط إسقاط قرار ترامب وشروط وحدة العرب وشروط تحرير فلسطين...

حينها ارتجفت لحية حضرة التاريخ من الغضب وقال صارخا:

- هلا ما فهمت من كل هالنقاش غير إنو بدك تشتري ورقة يانصيب... ما فيش فايدة...طول عمرك يا زبيبة في....... هالعود...!. يا ولد الجواب على أسئلتك مش عندي... الجواب عندكو أنا بس بسجل شو بيصلني... وشو بيصير... يلا قوم عندي شغل...

نهضت... وخطوت خارجا من كهف التاريخ... وأقسمت حالما أصل أن أشتري ورقة يانصيب، وفعلا حين وصلت توجهت لأقرب محل وطلبت ورقة، فرد عليّ البائع.. شو كأنك مش في هالبلد ما عرفت شو صار؟ قلت: لا ما عرفت... فقال: منذ يومين اعتقلوا جميع باعة أوراق اليانصيب في البلد.. لا تجيب سيرة لحد...

أصابتني الدهشة وقلت في نفسي: فعلا القوى المعادية لا تلعب... ولا تتوقف... طيب شو الحلّ!؟ كيف يمكن يا ترى تأمين شروط الانتصار بدون ورقة يانصيب..!؟.

حينها.. وحينها فقط سيكون الحوار القادم مع حضرة التاريخ له طعم مختلف.