بداية نقول بأن التمثيل في المجلس الوطني الفلسطيني، خضع لمعادلة الداخل والخارج وثقل الثورة الفلسطينية، وكذلك لكون أي عضوية لفلسطينيي الداخل، المقصود هنا الضفة الغربية وقطاع غزة و القدس ، وليس أراضي الـ ٤٨ قبل اتفاقيات أوسلو ومجيء السلطة الفلسطينية، تعني الملاحقة والسجن من قبل الإحتلال، ولم تكن تلك المعادلة مقلقة لشعبنا الفلسطيني، ولكن في ضوء التطورات السياسية، وما نتج عن إتفاقيات اوسلو، ومرور أكثر من عشرين عاماً على عقد اخر جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني، ووفاة اكثر من ثمانين من أعضاء المجلس، وتنمط وتكلس الهيئات القيادية للمنظمة، ولتصل الأمور حد فقدان النصاب في لجنتها التنفيذية، إذا ما تغيب عضو عن الحضور، فإننا على قناعة تامة بأن التجديد والتغيير في الهيئات القيادية ملح وضروري، ولكن بما يعزز ويدعم وحدة شعبنا وقواه السياسية والمجتمعية، وبما يفتح الطريق نحو وحدة وطنية شاملة، برؤيا واستراتيجية موحدتين، وبغض النظر عن الجدل الدائر حالياً عن المشاركة والمقاطعة ومكان عقد المجلس الوطني والآليات التي يجري فيها استبدال الأعضاء المتوفين، فنحن لن نناقش من هذه الزاوية، بل سينصب النقاش على حصة القدس من المجلس الوطني.
فالقدس التي سجل أهلها وجماهيرها ومرجعياتها الوطنية والسياسية والدينية بوحدتهم وصمودهم وطول نفسهم وبسجاجيد صلواتهم، انتصاراً مستحقاً على دولة الإحتلال في تموز من العام الماضي، في معركة البوابات الألكترونية على أبواب الأقصى، في استهداف لفرض وقائع تقسيمية مكانية في المسجد الأقصى تمهيداً لهدم المسجد القبلي واقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم، تستحق ما ينسجم مع مكانتها ونضالها من تمثيل في المجلس الوطني.
القدس الآن تتعرض لحرب شاملة من قبل الاحتلال، في كل المجالات والمستويات، حتى في التفاصيل اليومية للمقدسيين في شؤونهم الحياتية والمعيشية، ناهيك عن المزيد من القوانين والتشريعات والقرارات العنصرية، والتي تحمل أبعاداً خطيرة في سياسات التطهير العرقي، وقلب الواقع الديمغرافي في المدينة بشكل كبير لصالح المستوطنين.
هذه المخاطر والتحديات التي تواجه المقدسيين تزداد خطورة في ظل قرار المتطرف ترامب اعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال، وغياب الموقف العربي الرادع لهذه العنجهية الأمريكية، فالقمة العربية الأخيرة التي عقدت في السعودية، والتي سميت باسم القدس، يفترض بها ان تترجم ذلك الى فعل على أرض الواقع، ليس فقط بالدعم المادي، الذي يبقى كما تعودنا في القمم العربية مجرد حبر على ورق، وبما يخلق النزاعات والصراعات بين أهل القدس أنفسهم، ولتصل الأمور حتى تبادل الإتهامات، حول مالٍ لم يصل الى المقدسيين، واذا ما وصل قسم منه فهو لا يصل الى العناوين الصحيحة، بل يجب على مؤسسة القمة متابعة تنفيذ كافة قراراتها بدقة.
هناك دولتان حتى اللحظة اعلنتا بأنهما ستنقلان سفارتهما من تل أبيب الى القدس هما امريكا وغواتيمالا فيما تدرس رومانيا ذلك، وهذا يعني بأن القمة العربية وقراراتها بحاجة الى ترجمة عملية، وان تكون ذات مصداقية، حتى الجماهير الفاقدة الثقة بشكل كلي في النظام الرسمي العربي، تشعر بأن هناك تغيير في مواقف وقرارات القمم العربية بشكل عملي، وبالملموس هذه الدول التي تعتزم نقل سفاراتها للقدس، يجب اغلاق سفاراتها في الدول العربية، واتخاذ سلسلة عقوبات اقتصادية وتجارية ودبلوماسية بحقها، حتى تتراجع عن قراراتها بنقل سفاراتها تلك.
العاصمة الفلسطينية يجب ان يتعزز دورها في القرار السياسي الفلسطيني وفي مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ونحن هنا لا نحاجج على أساس عقد المؤتمر في الثلاثين من الشهر الحالي أو تأجيل إنعقاده، ولسنا بصدد طرح موقفنا السياسي من العقد وعدمه، بل النقاش من زاوية مبدئية، في جعل حصة للمدينة في المجلس الوطني، وبغض النظر عمن سيوافق على عقده او لا يوافق، اتفق او اختلف مع الموقف السياسي لهذا الفصيل أو ذاك، فالقدس زاخرة بالكفاءات السياسية الوطنية والمجتمعية والأكاديمية والتربوية والاقتصادية وغيرها، والتي تسهم بنقل صورة وحقيقة الأوضاع في المدينة المقدسة، وتمثيل القدس في هذا المجلس وبقية هيئات منظمة التحرير الفلسطينية بشخصيات وازنة من شأنه، أن يعيد الثقة للمقدسيين بالنظام السياسي الفلسطيني، وخاصة ان قطاعات واسعة منهم، ترى بأن هذا النظام السياسي يهمش القدس والمقدسيين، والتمثيل المطلوب هنا، ليس عبر شخصيات تحتل مواقع رسمية في السلطة، وليصبح من يشغل موقع أو منصب، يشغل منصبين أو ثلاثة، بل تمثيلاً من خارج الأشخاص الذين يتبوأون مواقع رسمية في السلطة، وأنا هنا لا أخص شخصاً بعينه، وليس لي خلاف أو موقف مع ومن هذا أو ذاك.
والمقدسيون كما هم موحدين في معاركهم ضد الإحتلال المستهدف لوجودهم وبقائهم، يريدون في المقابل أن يكون هناك مجلس وطني فلسطيني يسهم في تعزيز وحدة شعبنا وقواه السياسية، ويرسم استراتيجية واضحة وبخطط وبرامج وآليات عملية تنقذ القدس، وأن تعيد إتجاه البوصلة فلسطينيا وعربيا واسلامياً نحو القدس، فالقدس هي الرمز والعنوان، والقدس تستصرخكم جميعاً، بأن وحدوا ورصوا الصفوف، وغلبوا المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني على مصالحكم الفئوية والخاصة وعلى أجنداتكم، والرؤى الحزبية الضيقة، ف فلسطين ملك الجميع وفوق الجميع، والمؤامرة كبيرة وخطيرة ليس على القدس فقط، بل كل المشروع الوطني الفلسطيني وقضيته الوطنية، مهددة بمخاطر الذبح والتبديد والتفكيك، فنحن نشهد هجمة غير مسبوقة تشارك فيها دولة الإحتلال وأطراف عربية واقليمية ودولية، لفرض مشاريع تصفوية على شعبنا، وتعميق حالة الشرخ والإنقسام الفلسطينية، في ظل وضع عربي منهار، ونظام رسمي عربي وصل مرحلة التعفن، من شأن ذلك لا سمح الله وقدر، أن يمس بقضيتنا وشعبنا بشكل خطير.
القدس يجب ان تكون حاضرة تمثيلاً في القرار السياسي الفلسطيني، وفي النظام السياسي الفلسطيني وفي هيئات ومؤسسات منظمة التحرير وفي المقدمة منها المجلس الوطني الفلسطيني، بعيداً عن النظرة الحزبية الضيقة ومن مع عقد المجلس أو عدم عقده.