بعد أربعة أيام من الآن، وبالتحديد فى يوم السبت المقبل (12 مايو الحالى) من المقرر أن يعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب موقف بلاده من الاتفاق النووى الموقع بين إيران و«مجموعة دول 5+1» فى يوليو 2015، ومن المرجح أن يعلن الرئيس الأمريكى انسحاب بلاده من هذا الاتفاق بعد أن فشلت الدول الأوروبية الثلاث المشاركة فى التوقيع على هذا الاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) فى إقناع أى من الطرفين الإيرانى والأمريكى بتعديل موقفيهما المتشدد من هذا الاتفاق: إيران رفضت بالمطلق أى تعديل للاتفاق أو عمل اتفاق تكميلي، وأمريكا تصر على فرض اتفاق تكميلى لسد ما تعتبره «ثغرات» خطيرة فى الاتفاق الموقع مع إيران. والسؤال الذى يجب أن يشغلنا الآن فى مصر واعتقد أنه يشغل الكثيرين فى العالم وإقليم الشرق الأوسط على وجه الخصوص هو: هل ستتغير قواعد اللعبة فى الشرق الأوسط؟ بمعني: هل يمكن أن تنقلب التوازنات الحرجة بين الأطراف المتصارعة خاصة بين إسرائيل وإيران؟ وهل يمكن أن تقع ما يعتبره كثيرون «حرباً محظورة» بين البلدين بسبب خطورتها الشديدة على الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط؟ وهل يمكن أن تكون الولايات المتحدة طرفاً فى هذه الحرب، إن وقعت؟ وكيف سيكون موقف روسيا حليف إيران؟ وكيف سيكون موقف الحلفاء الإقليميين لإيران، أى ما يسمى بـ «محور المقاومة» الذى يضم سوريا وحزب الله وحركة حماس وربما يضاف إليهم «أنصار الله» (الحوثيون) فى اليمن؟ هل ستكون هذه الحرب، إن وقعت، محصورة على الأرض السورية أم يمكن أن تمتد إلى الداخل الإيرانى والإسرائيلى وقد تتجاوزهما؟
أسئلة كثيرة تجعلنا نتصور أن عالم الشرق الأوسط بعد 12 مايو 2018 قد يكون مختلفاً عما قبله، حتى إن لم تقع الحرب التى كانت محظورة إذا أعلن الرئيس الأمريكى انسحاب بلاده من الاتفاق النووى الموقع مع إيران. يدفعنا إلى توقع ذلك تطورات كثيرة متداخلة أخذت تتسارع.
بدأت هذه التطورات منذ أن تفجرت ما يمكن تسميته بـ «حرب إسقاط الطائرات» بين إسرائيل والجيش السورى وإيران ابتداء من إسقاط إسرائيل طائرة مسيرة بدون طيار (الدرون) أكدت أنها إيرانية، ثم نجاح الجيش السورى فى إسقاط طائرة (إف 16) إسرائيلية تبعتها موجتان من الغارات الإسرائيلية على مطارات وقواعد جوية سورية وإيرانية داخل سوريا، وجاء العدوان الثلاثى الأمريكي- البريطاني- الفرنسى على سوريا السبت (14/4/2018) إثر مزاعم استخدام الجيش السورى أسلحة كيماوية فى الغوطة الشرقية لدمشق ليعطى المواجهات الجديدة فى سوريا أبعاداً جديدة ربطت بين ما يخطط لسوريا من ناحية وما يخطط لإيران ليس فقط فى سوريا بل وأيضاً بالنسبة للاتفاق النووى الإيراني.
كانت صدمة إسرائيل هائلة فى هذا العدوان وما تبعه من تصريحات للرئيس الأمريكى تكشف رغبته فى سحب القوات الأمريكية من سوريا. كانت أهم الاستخلاصات الإسرائيلية من هذا العدوان الذى اعتبرته «عدواناً هزيلاً»، وأنه «تم رغم أنف روسيا» استخلاصين مهمين أولهما يتعلق برد الفعل الروسى المحتمل بعد هذا العدوان. فقد تأكد الإسرائيليون من عزم روسيا على إمداد سوريا بصواريخ من طراز «اس 300» الروسية الدفاعية المتطورة كرد فعل روسى طبيعى نتيجة ما اعتبرته موسكو «تهوراً وعدواناً ضد الحليف السوري»، من هنا جاءت الصدمة الإسرائيلية، لأن هذا السلاح يمثل خطراً شديداً على عمل سلاح الجو الإسرائيلى ليس فقط فى سماء سوريا بل وأيضاً فى سماء لبنان، فى ظل توحد الجبهتين السورية واللبنانية فى أى حرب قادمة مع إسرائيل. الاستخلاص الثانى يتعلق باحتمال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وهو الاحتمال الذى اعتبره الإسرائيليون خطراً مضاعفاً لأنه يعنى افتقاد ما تعتبره «مانع الصدمات» المركزى لديها فى الشرق الأوسط، وأنها «ستكون وحدها فى معركة مركبة حيال روسيا وإيران وسوريا».
هذا الشعور الإسرائيلى بالخطر الشديد دفعها للعمل على إشعال المواجهة مع إيران على الجبهة السورية وعلى جبهة الاتفاق النووي، وجعل المواجهة على الجبهة الأولى بمثابة تسخين وتحفيز للعمل على الجبهة الثانية لدفع الرئيس الأمريكى نحو خيار وحيد وهو الانسحاب من الاتفاق النووى الموقع مع إيران دون أى اعتبار للوساطات الأوروبية أو للرفضين الروسى والصيني. لذلك بادر نيتانياهو بعقد مؤتمر صحفى موسع أعلن فيه ما اعتبره «قنبلة العام» بتأكيده أن إسرائيل تملك «أدلة قاطعة» على وجود خطة سرية يمكن لإيران تفعيلها فى أى وقت لامتلاك قنبلة ذرية.
لم يقدم نيتانياهو دليلاً واحداً على أن إيران انتهكت الاتفاق النووى منذ توقيعه عام 2015، وكل ما استعرضه كان عن أمور سابقة للاتفاق لذلك كانت ردود الفعل الإسرائيلية والعالمية شديدة السلبية على نحو ما كتبه إليكس فيشمان فى صحيفة «هاآرتس» باعتباره ما استعرضه نيتانياهو من معلومات «ليس أكثر من معكرونة باردة تخدم صورة رئيس الوزراء فى الداخل الإسرائيلي»، لقد تأكد وجود شبه إجماع داخل إسرائيل وخارجها على اعتبار أن نيتانياهو استهدف باستعراضه الهزلى محاصرة الرئيس ترامب وتسخين الأزمة مع إيران قبل يوم 12 مايو الحالى لدفع الرئيس الأمريكى لاتخاذ القرار الذى تريده إسرائيل وهو انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وهذا ما أكده وزير التنمية الإقليمية الإسرائيلى تساحى هنجبى بقوله إن «ما عرضه نيتانياهو يستهدف إعطاء ترامب مبرراً للانسحاب من الاتفاق النووي» وزاد «ما فعله رئيس الوزراء أنه أمد ترامب بالذخيرة فى مواجهة السذاجة والعزوف الأوروبيين فيما يتعلق بإيران».
نحن إذن أمام حدث شديد الأهمية سيفرض نفسه بقوة يوم 12 مايو الحالى خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار ردود الفعل الإيرانية المحتملة وخاصة خيار الانسحاب من الاتفاق النووى وإسقاطه والعودة إلى أوضاع ما قبل توقيع الاتفاق، وربما يمتد التصعيد الإيرانى إلى الانسحاب النهائى من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، والأخذ بخيار كوريا الشمالية، أى الاتجاه إلى إنتاج السلاح النووى وفرض إيران قوة نووية بالأمر الواقع كما هو حال إسرائيل والهند وباكستان، وهو الخيار الذى ليس له غير معنى واحد وهو اتجاه الشرق الأوسط إلى خيار «الخطر والتصعيد النووي» وما يمكن أن يقود إليه من انفجار غير محسوب للأحداث.. فماذا نحن فاعلون؟.