استمرارًا للمساعي الأمريكية الحثيثة للقضاء على الحق الفلسطيني بعودة اللاجئين إلى ديارهم وقُراهم ومُدنهم التي هُجّروا منها، قبل 7 عقودٍ، على يدّ العصابات الصهيونية، تقدّم عددٌ من أعضاء الكونغرس الأمريكي لسنّ قانون جديد يعترف بأربعين ألف لاجئٍ فلسطيني فقط، بدلًا من 5.2 مليون، إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين وفق سجلّات (الأونروا).
ووفق مشروع القانون، الذي بادر إليه السيناتور داغ لامبوران، سيتم اعتماد عدد جديد للاجئين الفلسطينيين، يُقدّر بـ40 ألف لاجئ فلسطين، وعلى أساسه ستُحدّد واشنطن المُساعدات التي تُقدّمها إلى وكالة الغوث (الأونروا)، التي تُواجه حاليًا عجزًا ماليًا حادًا بفعل سياسة أمريكية ممنهجة بتقليص المساهمة المالية السنوية لها إلى الخُمس.
ولن يعترف مشروع القانون الأمريكي بنحو 4.8 مليون لاجئي فلسطيني، بادّعاء أنّ المساعدات التي يجب أن تقدّمها واشنطن لوكالة الغوث يُفترض أنّ تُخصص للّاجئين الذي هُجّروا إبان النكبة بالعام 1948 وليس سلالتهم ممّن وُلِدوا في مُخيّمات اللّجوء داخل وخارج فلسطين. وحشد المدعو لامبوران 10 أصوات أخرى من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح مشروع القانون.
وبحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تأسست بعد النّكبة، في ديسمبر 1949، فإنّ اللّاجئين الفلسطينيّن هم "أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو 1946 ومايو 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة الصراع العربي - الإسرائيلي عام 1948". وقد عمِلت (الأونروا) مع اللّاجئين الفلسطينيين مذ كان عددهم نحو 750 ألفًا، على مرّ أربعة أجيالٍ متتالية، وعددهم اليوم تجاوز خمسة ملايين، تُواصل وكالة الغوث تقديم الخدمات لهم.
وتقول الأونروا في موقعها الإلكتروني "هذه الخدمات، من حقّ أبناء اللاجئين الأصليين والمُنحدرين من أصلابهم، ممّن يعيشون في مناطق عمليّاتها، وهُنّ خمس: قطاع غزة ، الضفة المحتلة، الأردن، لبنان، وسوريا. وتشتمل خدمات الوكالة على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيّمات والدّعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النّزاع المسلّح".
وفي إطار المحاولات المتواصلة لشطب وكالة الغوث، التي باتت الشاهد الوحيد على الحق الفلسطيني المُقدّس بعودة اللاجئين لأرضهم التي سلبتها "إسرائيل" منهم بالدم والإرهاب والمجازر، ولأنّ هذه الوكالة التي تأسست بموجب القرار رقم (302- رابعًا) من الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، وبدأت العمل في مايو 1950 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين، إلى أن يتم التوصّل لحلّ لقضيّتهم. تستمرّ المساعي الأمريكية الصهيونية لإنهائها وانتشالها، وقد دشّنت واشنطن هذه المساعي بشكل واضح منذ شهور، بتقليصها نحو 250 مليون دولار كانت تدفعها للوكالة، ضمن مساهمتها السنوية، وهي المُساهِم الأكبر، في ميزانيّة الأونروا.
وبهذا استغلّت واشنطن نقطة الضعف الأساسيّة التي تُقوّض الوكالة، وهي اعتمادها بشكل كامل وتقريبًا في تمويلها على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بشكل طوعي. ولم تدفع أمريكا للأونروا سوى 60 مليونًا من أصل 300 مليونٍ هذا العام، ما تسبّب بعجزٍ مالي قدّرته إدارة الوكالة بـ217 ميونًا في كامل موازنة 2018.
وطرقت الولايات المُتحدّة باب "وقف تمويل" عن وكالة الغوث، في مُحاربتها لهذه المؤسسة الأمميّة، كمدخلٍ بديل من أجل تصفيتها وإنهاء دورها في إدامة الحق الفلسطيني، بعد فشلها (الولايات المتحدة) الذريع في مساعٍ سابقة لتحقيق هذا الهدف.
وسعت المنظّمات الصهيونيّة، في وقتٍ سابق من العام 2017، عبر جهاتٍ أمريكية وأوروبية جنّدتها، لشطب مُسمّى "لاجئ" ومحاولة تحريفه، وما قد يُفضي إليه هذا المسعى من شطب حقّ العودة نهائيًّا، وتفكيك وكالة الغوث، عبر تحويل قضية لاجئي فلسطين لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والتي تُعنى بسائر اللاجئين من الجنسيات الأخرى في العالم، ولجيلٍ واحدٍ فقط.
وكان لتلك المنظّمات مساعٍ أخرى، تكشّفَ تورّط الإدارة الحالية للوكالة بها، هدفت إلى تغيير المناهج الدراسية التي يتلقّاها الطلبة في مدارس وكالة الغوث في مناطق عملياتها الخمس، بشطب كل ما يُشير إلى القضية والحقوق والثوابت الفلسطينية، وكيّ وعي الأطفال الفلسطينيين عبر المناهج التعليمية. كما هدّدت إدارة الوكالة موظفيها الفلسطينيين باتخاذ إجراءات إدارية بحقّهم، تصل إلى الفصل، في حال عبّروا عن آرائهم الوطنية، بأيّ وسيلةٍ كانت!.
وعودة للمشروع الأمريكي الجديد، فإنّ القائمين عليه يزعمون أنّ تقليص عدد اللاجئين المُستفيدين سيقُلّص إلى حدٍّ كبير نفقات الأونروا.
ورجّحت مصادر في الكونغرس الأمريكي أنّ تنشر إدارة البيت الأبيض تقريرًا سريًا، خلال أسابيع، يتناول العدد الحقيقي للّاجئين الفلسطينيين"، وسيُحدده بـ40 ألفًا فقط. وهذا العدد يُعتبر أقل من 1% من عدد اللاجئين الحالي.
وتصبّ المحاولات الأمريكي لتصفية قضية اللاجئين، من خلال تصفية الشاهد الوحيد عليها منذ 70 عامًا، ضمن المُخطط الأكبر لتصفية القضية الفلسطينية كاملةً، والمُسمّى إعلاميًا بـ"صفقة القرن"، التي اتفّق العديد من المُراقبين والمُختصين في الشأن السياسي على أنّها بدأت بالتنفيذ فعليًا، سيّما باعتراف واشنطن ب القدس المحتلة عاصمةً للكيان الصهيوني في ديسمبر 2017، وبدء إجراءات نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إليها، وهو ما تمّ في مايو 2018، بالتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية.
وفي وقتٍ تُعاني فيه وكالة الأمم المتحدة (الأونروا) من أزمة مالية حادة، بفعل التقليصات الأمريكية، تتّخذ إدارتُها إجراءات تقشّفية حادة، طالت الخدمات والبرامج الأساسية التي تُقدّمها لعموم اللاجئين في مناطق عملياتها الخمسة، وكذلك العاملين فيها وهم من اللاجئين أيضًا، إذ جمّدت عقود التوظيف والتثبيت كافة.
وفصلت إدارة الوكالة مؤخرًا نحو ألف موظف ممّن يعملون على ميزانية الطوارئ في قطاع غزة، بذريعة العجز المالي. وهو ما يخوض الموظفون حِراكًا احتجاجيًا ضدّه، وبدأوا اعتصامًا مفتوحًا داخل مقارّ الوكالة منذ 5 أيام، مُطالبين إدارة الوكالة بالتراجع عنه، وحمّلوها مسؤولية الخروج من الأزمة المالية دون المساس بحقوق الموظفين وعموم اللاجئين.
تجدر الإشارة إلى أنّه يتم تجديد التفويض الأممي الممنوح لوكالة الغوث بشكل دوري، كل ثلاث سنوات بتصويت 167 دولة. والتجديد الأخير كان في ديسمبر 2016، ما يعني أنّ التجديد المقبل يُفترض أن يتم قبل نهاية 2019، وهو العام الذي تستميت كلّ الجهات المُعادية للفلسطينيين كي يبدأ، ووكالة الغوث (الأونروا) قد انتهت.