ما تنفكّ أزمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) تشهد تطوراتٍ خطيرة، خاصةً على صعيد ما تتّخذه وتبحثه إدارتُها من إجراءاتٍ تقشّفية وتقليصاتٍ، لم تعُد ترى أيّ خطوطٍ حُمر، سواء في القطاعات أو الخدمات التي تطالُها بهذه الإجراءات.
وكالة الغوث التي تعهّدت للاجئين، منذ بداية الأزمة، بأنّ الإجراءات التي سيتمّ اتّخاذها لتجاوز الإشكالية المالية أو الحدّ من تأثيراتها "لن تطال الموظفين بكافة أنواع العقود"، وكذلك الخدمات المُقدّمة، وهو ما تغيّر كُليًا الآن، إذ وجّهت إدارة الوكالة، اليوم الأربعاء، رسائلَ لنحو ألف موظف من العاملين على ميزانيّة الطوارئ في قطاع غزة، تُبلغ 120 منهم بقرار فصلهم، وإحالة مئات آخرين للعمل بدوام جزئي، وآخرين بنقلهم لبرامج أخرى، والفئتان الأخيرتان ستنتهي عقودهم بنهاية العام الجاري، ومصيرهم في 2019 مجهول تمامًا.
وكانت إدارة الوكالة قرّرت في وقتٍ سابق عدم التجديد لنحو 500 موظفٍ كان من المُفترض أن يتمّ تثبيتهم هذا العام. وهو ما اعتبره اتحاد الموظفين "إجراءات سابقة للأزمة".
قرار الفصل الذي أثار غضبًا عارمًا بين اللاجئين في القطاع، خاصةً طال موظفين من فئة (A) أي مُثبّتين ويعملون لدى الوكالة منذ أكثر من 15 عامًا. وضاعف حالة الغضب أنّ المكتب الإقليمي بغزّة هو من أرسل رسائل الفصل، رغم مُطالبات اتحاد الموظفين ودعواته المُتكررة لأن يتّخذ هذا المكتب خطوات احتجاجيّة برفض تسليم قرارات الفصل. إضافة لإصرار الوكالة على قرارات الفصل رغم العديد من المُقترحات التي قدّمها الاتحاد من أجل تجنّب هذا التطور الخطير. وكان من ضمن المقترحات: قبول طلبات التقاعد المُبكّر والتقاعد الاستثنائي، وخصم يوم عمل واحد من الموظفين، إضافة لاستعداد الاتحاد لتأجيل بعض مُكتسباته مقابل المُساهمة في حل الأزمة جزئيًا وضمان عدم إنهاء عقود الموظفين.
أمّا فيما يتعلّق بالخدمات، فالتهديد الأكبر الآن هو التلويح بتأجيل العام الدراسي، وترك أكثر من نصف مليون طالب في مناطق عمليات الأونروا الخمس لمصيرٍ مجهول، ومعهم نحو 22 ألف مُدرِّس، سيُحالون إلى إجازةٍ مفتوحة بدون راتب، لمُدةّ غير معروفة، وهو ما سينعكس على عائلاتهم وأطفالهم سلبًا، في ظلّ انعدام الدخل. وسيُقرّر المفوّض العام بهذا الشأن مطلع أغسطس المُقبل.
وعلِمت "بوابة الهدف" أنّ القرارات التي تتّخذها الأونروا، تصدر في الوقت الراهن بمركزيّة تامة، من خلال مكتب المفوّض العام بيير كرينبول فقط، ولا قرار يُتخّذ في قطاع غزة أو في بقيّة المناطق الخمس، وهو ما يجعل مصير أكثر من 5.266 مليون لاجئ مرهونٌ بيدّ المفوّض ومن يعملون في مكتبه.
وبالنظر لطبيعة القرارات التي يجري اتّخاذها، بزعم الخروج أو الحدّ من الأزمة، بدءًا من تلك فصل موظفين تجاوز عدد سنوات خدمتهم في الأونروا 15 عامًا، وصولًا لاحتماليّة تأجيل العام الدراسي ووقف المساعدات الغذائية، والتوقيت الذي جرى ويجري اتخاذها فيه، الذي يتزامن مع ظروف معيشية واقتصاديّة تُعتبر الأحلك والأصعب على اللاجئين الفلسطينيين، تجعلنا أمام احتماليْن، أحدهما بالضرورة هو الواقع، أوّلهما: أنّ مكتب المفوّض بمن فيه من عاملين، ليس على دراية بكمّ وحجم الأزمات الحيويّة والتحدّيات التي يعيشها اللاجئون، خاصّة في قطاع غزة، حتى يقوم باتّخاذ إجراءات لا تعمل سوى على تعميق معاناتهم. أما الاحتمال الثاني فيضع علامات استفهامٍ كثيرة حول الهدف الحقيقي وراء اتّخاذ مثل هذه القرارات، التي لا تعمل إلّا على شلّ حياة اللاجئين، وتجفيف مصادرهم، ورميهم إلى المجهول، وربّما أبعد.
وبالعودة لقرارات الفصل، التي رفع المكتب الإقليمي بغزة- بمن فيه مُدراء الدوائر- يدَه منها، وآثر أن يقف مُتفرّجًا، فهذا يدفعنا كذلك لوضع علامات استفهام حول السبب وراء موقفه السلبي. خاصةً وأنّ الخطر قد يطالهم، فقد أعلمت مصادر خاصة بوابة الهدف أنّ "إدارة الوكالة ستجري تقييمًا لكافة موظفيها العاملين ضمن الميزانية العامة مطلع العام المقبل، لبحث كيفية التعامل معهم وفق الوضع المالي".
وللإشارة فإنّ الولايات المُتّحدة تُقدّم 300 مليون دولار كمُساهمة سنوية لوكالة الغوث، هي الجزء الأكبر من الميزانيّة العامّة لهذه الأخيرة، التي تُغطّي برنامجيْ الصحة والتعليم وغيرهما. لم تقدّم واشنطن من هذه المُساهمة سوى 60 مليونًا للعام 2018، ما تسبّب بعجز مالي ضخم، وأزمة حادّة في السيولة. كما أنّ الأموال الأمريكية تُغطي جزء كبير من ميزانيّة الطوارئ، التي هي الآن بقيمة (صفر).
يزيد من علامات الاستفهام، أنّ غالبيّة قرارات التقليص، مُوجّهة ضد قطاع غزة، على شاكلة قرارات الفصل التي صدرت اليوم بحقّ 965 موظفًا، في حين لم يتجاوز عدد من طالهم القرار في الضفة 150. كلّ قرارات الفصل مرفوضة، إنّما استهداف القطاع هذا لا يدعُ مجالًا للشكّ بأنّ أزمة الوكالة برمّتها لا تعدو عن كونها أزمة سياسيّة بامتياز، تُضاف إلى جملة الأزمات التي يعيشها سكان القطاع، هؤلاء الذين يتعرّضون لمُساومة مفضوحة على حقوقهم وكرامتهم الإنسانية وثوابتهم الوطنية، مُقابل رفع الأزمات عنهم، لتكون غزّة بأهلها قُربانًا لما تُسمّى صفقة القرن.
هذه الحقائق، والتي يبدو من خلالها أن إدارة الوكالة تفتعل الأزمات من أجل تمرير الحلول "الجاهزة" خدمةً لأهداف سياسيّة، دفعت القوى الوطنية والإسلامية لنبشٍ أعمق في التفاصيل، وتحديدًا التقصّي وراء "مصنع القرار" في مكتب المفوض العام للوكالة.
"بوابة الهدف" علِمت من مصادر مُطّلعة في لجنة المتابعة بالقوى الوطنية والإسلامية، أنّ من يعمل في مكتب المفوض هم 3 أشخاص، نائبة المفوض الأمريكيّة ساندرا ميتشل، مُدير العاملين حكم شهوان، مدير المالية شادي العبد. وثلاثتهم بموقع "المُتورّط".
الأبرز من بين هؤلاء الثلاثة في "أزمة الموظفين" هو من يتولّى منصب مسؤول هيئة العاملين في الوكالة منذ 2017، حكم شهوان، كبير المُستشارين في المكتب التنفيذي منذ 2013. ووفق ما أكّدته مصادر خاصة لبوابة الهدف فإنّ شهوان "المسؤول عن كثيرٍ من القرارات التي استهدفت الموظفين والخدمات، خاصة في قطاع غزة".
وقالت المصادر لبوابة الهدف أنّ شهوان هو الذي ساهم في تمرير قرارات وإجراءات عديدة، يتم اتّخاذها لأوّل مرة في وكالة الغوث، ضدّ اللاجئين وحقوقهم، تحت ذريعة الأزمة المالية.
وأكّدت المصادر ذاتها "أنّه وراء قرار فصل الموظفين وتجميد التوظيف والتثبيت، وكذلك قرار التقليصات في برنامج الاستشفاء، علاوةً على زيادة عدد الطلبة في الفصول الدراسية.
ليس هذا فقط، بل إنّ المدعو شهوان هو العقل المُدبّر وراء فكرة تحويل الطرود الغذائية إلى قسائم شرائية، وهو الإجراء الذي تم تطبيقه في أكثر من منطقة من مناطق عمليات الوكالة، وتجري محاولة تمريره في قطاع غزة".
وبالحديث عن الإجراء الأخير، الخطير، تجدُر الإشارة إلى أنّ المُستفيدين من برنامج المساعدات الغذائية المُسمّى اصطلاحًا بين اللاجئين "كوبونات" هم مليون و100 ألف لاجئ، والأمر لا يقتصر على طرود غذائية، فتحت هذا البرنامج يعمل العديد من الموظفين، من سائقين ومراسلين، سيفقدون وظائفهم إن تم إلغاء الطّرود وتحويلها لقسائم.
ولتبيان خطورة هذا المسعى، الذي مهّدت له إدارة الوكالة بالتصريح مؤخرًا بأنّ الأزمة المالية قد تتسبّب بالعجز عن توفير الكوبونات للّاجئين، وهو ما اعتبرته جهات عدّة، منها القوى الوطنية والإسلامية، تمهيدًا لتحويلها لقسائم شرائية.
القسائم الشرائية، البديلة عن الكوبونات التي تضمّ سلعًا غذائية أساسية: دقيق، سكر، زيت وغيرها، ستُخضع اللاجئين لسعر السوق، الذي يتذبذب باستمرار بفعل الأوضاع الاقتصادية المُتردّية. كما أنّ هذه القسائم ستبقى رهن توفّر السيولة لدى الأونروا، بمعنى أنّ اعتماد القسائم سيكون أسهل في تمرير قرار وقف المساعدات الغذائية للاجئين، تذرّعًا بعدم توفّر الأموال لصرفها.
يُضاف إلى هذا، موجة غلاء أسعار ستنجم عن اختفاء الأصناف الغذائية التي تُوفّرها الوكالة في الكوبونات من السوق. نظرًا لأنّ هذه الأصناف تُخفّض حاليًا من أسعار السلع الأساسية في السوق المحلية.
ومن ضمن الارتدادات الاقتصاديّة لإجراءات وكالة الغوث، أزمة اقتصادية كبيرة سيُؤدي إليها قرار إحالة 22 ألف موظف في المناطق الخمس، منهم 13 ألف في غزة إلى إجازة مفتوحة، إذا ما تقرَّر تأجيل العام الدراسي، لن يتقاضوا رواتب لمدّة غير معروفة. هذه الرواتب وتُقدّر بعشرات الملايين من الدولارات، لن تُضخّ إلى السوق، ولهذا انعكاسات سلبية حادة على الحالة الاقتصادية العامة.
القوى والفصائل الفلسطينية، ترفض بشدّة قرار تأجيل العام الدراسي، وتعتبره "الخط الأحمر الأكبر"، والذي ترى فيه شرارةً ستُشعل أزمات عديدة ستطال اللاجئين.
وتحدّث مسؤول في لجنة المتابعة بالقوى لـ"بوابة الهدف" عن تأثيرات خطيرة لقرارات تجميد التوظيف وعدم ملء الشواغر الوظيفيّة في القطاعات المختلفة، خاصةً قطاع التعليم، الذي طاله قرار زيادة عدد الطلبة في الفصول (قد يصل لـ55 طالب في الفصل الواحد)، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف جودة التعليم، واتّساع ظاهرة تسرّب الطلبة، وزيادة الفوضى في المدارس.
وتضم 266 مدرسة تابعة للوكالة أكثر من 515 ألف طالب في المناطق الخمس. منها 252 مدرسة تضم 240 ألف طالب في قطاع غزة.
هذا كلّه، يدفع للقول بأن إجراءات الوكالة كافة، ذات الخلفيّة والأهداف السياسيّة، لا تقتصر على الموظفين، إنّما تطال كافة سكان قطاع غزة، وسائر اللاجئين في المناطق الخمس.
وقالت مصادر من الفصائل للهدف "حتى لو حشّدنا الآلاف وحاصرنا الوكالة.. نحن مُستمرّون في حراكنا ضدّ تقليصات وقرارات الأونروا بحق العاملين.. ومُساندون لاتحاد الموظفين".
وكشف المصادر ذاتها لبوابة الهدف بأنّ الفصائل بغزّة اتّخذت قرارًا بمنع دخول العاملين الثلاثة في مكتب المفوض العام للأونروا لقطاع غزة، خلال اجتماعٍ لها قبل أسبوع، لتورّطهم في كافة القرارات التي تصدر عن إدارة الوكالة بحق اللاجئين.
الموقف الوطني من الفصائل بغزّة، بمقاطعة هؤلاء الشخصيات، دعّمه موقفٌ أجمعت عليه الأطر الصحفية والإعلامية، خلال اجتماعٍ لها اليوم الأربعاء، طالبت فيه إدارة الأونروا بوقف قرار حظر التغطية الإعلامية للاحتجاجات التي تشهدها مقار المؤسسة الأممية، من قبل الموظفين المفصولين وغيرهم من المهددين بقطع أرزاقهم. واتّفقت الأطر على تبنّي رواية اتحاد الموظفين.
اليوم، وعقب قرارات الفصل، شهد قطاع غزة عدّة حراكات احتجاجيّة، منها مسيرة نسويّة كان مُخططٌ لها، نُظمت أمام المقر الرئيسي للأونروا غرب مدينة غزة، بالتزامن مع خطوات تصعيدية أخرى أعلنها اتحاد الموظفين، منها بدء اعتصام مفتوح داخل وأمام مقر الوكالة للموظفين كافة وعوائلهم، وإغلاق مقارّ رؤساء المناطق حتى إشعارٍ آخر، وبدء نزاع عمل مع إدارة الأونروا. علمًا بأنّ إدارة الوكالة تتعامل مع الموظفين في حالات الاعتصام والإضراب وفق بند قانوني لديها وهو "لا عمل لا أجر"، ما يُهدد الموظفين بخصم أيام الإضراب من رواتبهم.
هذا وأعلنت الهيئة الوطنية لمسيرات العودة إغلاق شامل لمقرات الوكالة يوم غدٍ الخميس.
كما خلُص اجتماعٌ للقوى الوطنية والإسلامية في غزة إلى ضرورة التواصل بين الأقاليم الخمسة التي تعمل فيها وكالة الغوث، وتنفيذ فعاليات احتجاجيّة بالتزامن مع غزة، إضافة للإجماع على وقف التواصل مع إدارة الوكالة وتحويل التواصل ليكون مع الفصائل. ووضع برنامج فعاليات مُتدرّج. وتعقد الفصائل يوم غدٍ الخميس لقاء وطني بمشاركة القوى واللجان الشعبية ولجان أولياء الأمور واتحاد الموظفين والمعنيّين لتدارس الأزمة وتطوراتها.