Menu

صراعٌ على العراق

بغداد _ خاص بوابة الهدف

عقد يوم السبت الماضي في البرلمان العراقي جلسة لانتخاب رئيسٍ لهذا البرلمان، والذي تحددت هويته الطائفية بموجب الترتيبات السياسية التي خلفها الاحتلال الأمريكي لشكل النظام السياسي في العراق، والذي أقام أجهزة الدولة العراقية كمزرعة محاصصات كبيرة، تحضر فيها كل أنواع التقسيمات الطائفية والإثنية والمناطقية والتي تطال الموازنات كما المناصب والوظائف.

في خلفية الجلسة الانتخابية هناك اتهامات كبيرة، تكيلها الكتل السياسية السنية لبعضها ببيع المنصب، على غرار حالة الاشتباك السياسي السائدة بين الكتل السياسية الشيعية والتي تصاعدت منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، ولا زالت تعطل تسمية رئيس الوزراء الجديد وتشكيل الحكومة، ولم يمض الكثير من الوقت على الاضطرابات التي عمت مدينة البصرة كبرى محافظات الجنوب العراقي، ورغم تعقيد الأحداث في العراق وتشعبها يبدو أن هناك مفتاح لفهم هذه التعقيدات المتزايدة والتي ترخي بظلالها على امكانية نهوض العراق، انه الاحتلال رغم مضي ١٥ عامًا على اجتياح العراق وتدمير بناه ومؤسساته.

تقسيم واحتلال:

في العام 2005 صدر دستور العراق في ظل الاحتلال الأمريكي، والذي شرعن تقسيم العراق ومنع فعليًا فرص نهوضه، فلقد نص الدستور المذكور على نظام فيدرالي للعراق يتيح للمحافظات اختيار تشكيل حكوماتها الخاصة في اطار ما يسمى بالأقاليم، وافترض لهذه الاقاليم الحق في التحكم في الموارد النفطية والثروات في مناطقها بتنسيق مع الحكومة المركزية، وبذلك نزع هذا الدستور من أي سلطة موحدة للعراق حق التصرف في موارد البلاد وادارتها بما يمكن البلاد من اعادة النهوض، أي أنه تم تشظية وتشعيب توزيع الايرادات النفطية على نحو يسهل نهبها وهدرها.

صراع في العراق صراع على العراق

رغم أن التظاهرات في البصرة حملت مطالب معيشية وخدمية، واحتجت بالأساس على تراجع وانهيار بعض الخدمات في المحافظة، إلا أن هذا الحدث الذي يبدو محليًا جدًا حمل أبعاد دولية واضحة ذات صلة بصراع ممتد لاكتساب النفوذ في العراق، هذا الصراع رغم شراكة قوى عديدة فيه عنوانه التدافع الخشن بين الولايات المتحدة وايران، فمنذ الغزو الأمريكي للعراق تعاملت ايران مع سقوط نظام صدام حسين كفرصة ومع الاحتلال الأمريكي كتهديد خطير، ما أنتج سياسة ايرانية معقدة تجاه العراق سعت لمنع استباب الأمر للولايات المتحدة في العراق خشية أن يتحول البلد الجار لمنصة للهجوم الأمريكي على ايران، وهو ما أدام حالة الاشتباك بين الطرفين في العراق بأدوات متعددة، كان عنوانها في المرحلة الأخيرة رجل له اسم محدد، أنه حيدر العبادي رئيس وزراء العراق.

حين تولى حيدر العبادي السلطة في العراق كان محل لتوافق بين القوى الاقليمية والدولية النافذة في العراق، في ذلك الوقت اعتبر اختيار العبادي تراجع عن الخيار الأول ل إيران في العراق وهو نوري المالكي الذي عجز عن ادارة المعركة مع داعش وانهارت قطاعات واسعة من الجيش العراقي أواخر عهده تحت تأثير تقدم تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات كبيرة من البلاد، ورأت فيه الولايات المتحدة حليف جدير بالدعم، خصوصًا أنه سمح للقوات الأمريكية بالعودة للعراق بحجة محاربة تنظيم داعش، بل الأصح أنه طلب ذلك من الولايات المتحدة ولبى لها جملة من الاشتراطات في هذا الشأن شملت تقييد لنشاط الحشد الشعبي المدعوم ايرانيًا، ومع ذلك ظل الرجل يحاول طمأنة إيران وحلفائها في العراق على حسن نواياه.

ايران والعبادي.. الأوراق المكشوفة:

الانتخابات العراقية الأخيرة 2018 كانت محطة بارزة في الاشتباك بشكله الحالي، فلقد حققت القوى الرئيسية نتائج متقاربة في هذه الانتخابات، الأمر الذي عزز التنافس على عقد التحالفات لانتزاع منصب رئاسة الوزراء والحق في تشكيل الحكومة، فمن جهة كان تحالف الفتح المعبر عن الحشد الشعبي الحليف الموثوق لإيران، وتيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم في ذات المعسكر، وفي المعسكر الآخر سعى حيدر العبادي لاستقطاب خصوم ايران وبعض من حلفائها القدامى وأبرزهم تحالف سائرون، هذا التجاذب كان يمكن أن يبقى في اطار التجاذب المعتاد في العراق لولا القنبلة التي فجرها حيدر العبادي، حين أعلن من موقعه كرئيس حالي للوزراء نية حكومته الالتزام بالعقوبات الأمريكية على ايران، وهو ما اعتبر اعلان حرب من طرف الرجل على الجارة صاحبة النفوذ الكبير في العراق.

العبادي استبق ما اعتبره تحرك ايراني لشطبه سياسيًا بخطوات أخرى ضد النفوذ الايراني كان منها اعلان ذاته كمرجع للحشد الشعبي، والأخطر هو ما تتهمه به جهات محسوبة على إيران من الوقوف وراء الأحداث في البصرة، والذي عبرت عنه بوضوح تصريحات أبو مهدي المهندس التي اتهم فيها العبادي والولايات المتحدة بالوقوف وراء الحدث.

ما بعد (جولة البصرة)

الانحسار السريع للمظاهرات في البصرة في ظل موجة استنكار واسعة استهجنت الاعتداء على السفارة الايرانية وغيرها، وهو ما أدى لنوع من الانكشاف في موقف العبادي خصوصًا في ضوء اتخاذ مقتدى الصدر وتحالف (سائرون) لموقف ناقد لهذه التظاهرات وابتعاده عن العبادي ومشروعه.

اليوم بات العراق على أعتاب تشكيل حكومته الجديدة في ضوء ملامح لعودة مقتدى الصدر وتحالفه سائرون للتقارب مع كتلة الفتح وحلفاء إيران في العراق، وهو ما يعني فعليًا انقلاب المحاولة الأمريكية لاختلاق انتفاضة ضد إيران على صانعيها، ربما تكون إيران قد ربحت هذه الجولة ولكن المؤكد أن المعركة على مصير ومُستقبل العراق طويلة ولم تحسم بعد.