يتم تقييم أيّ نص مقروء أو مكتوب حسب محتواه، وما حمله من إضافة للبشرية بصفتها الجمعية أو عبر أحد مجموعاتها، وهذا بالطبع ينطبق على الخطاب الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فلا يمكنك إسباغ الصفات على هذا النص أو سواه حسب مزاجك اللحظي أو انحيازك الشخصي، ولكن مقاربة هذا النص المكتوب والمنطوق المقدم باسم شعب فلسطين، حسب درجة نجاحه في الوظيفة التي يفترض أن يقوم بها.
بدايةً، خالف الخطاب مبدأ أساسي في الخطاب السياسي، وهو تقديم خطاب إجماع وطني يقبله من يتحدث الرئيس باسمهم فقط، هذا من جهة، أما الأخرى، هي أن الخطاب كان منصة لتهديد جزء من هذا الشعب، وهنا لا يمكن تلخيص هذا الجزء من الخطاب، إلا بالقول وقف رئيس فلسطين ليهدد جزء من شعبه على منصة الأمم المتحدة.
أخفق الخطاب إخفاقاً ذريعاً في حفظ الحقوق الفلسطينية والدفاع عنها، فاستنكر وجرّم المقاومة المسلحة وهي حق طبيعي وقانوني للشعب الفلسطيني، وأكد استمرار مراهنته على الخارج لا الداخل، وشوّح لأمريكا وإسرائيل وهدد غزة صراحة – والتجربة تقول أنه ينفذ ما يهدد به، لا ما يشوح به - وغيّب حق العودة، وأعاد التأكيد على خيار إهدار الحقوق الفلسطينية على موائد التفاوض مع الصهاينة، وطبعاً لم ينسَ أن يوجه التحية للشهداء والأسرى، لكن يبدو أنه تناسى أنه يعاقب جزءًا مهماً منهم بإجراءاته التي طالت قطاع غزة، كما يعاقب جزءًا من أُسرهم!
هذا التناول للخطاب ليس تهجماً سياسياً أو شخصياً على أحد، ولكنه ضرورة يقتضيها التعامل المطلوب مع آثار الخطاب السلبية، والمعالجة الضرورية لهذه الآثار: تبدأ بتراجع الرئيس عما ورد في الخطاب من نقاط سلبية، وقول ما كان يجب أن يقال، وما كان يجب أن ينفذ من قرارات وطنية اتخذت في "مؤسسات" الشعب الفلسطيني، وإعلان استعداده الفوري للإسهام بواجبه في توحيد الفلسطينيين، ومن ثم دعوة الأطر الوطنية التوحيدية للقيام بدورها، بداية بعقد اجتماع للإطار القيادي لـ "م ت ف"، ودورة توحيدية للمجلس الوطني.
والحقيقة أنه إذا كان أبو مازن من قرأ الخطاب أمام الأمم المتحدة، فإن كتلة حركة حماس في المجلس التشريعي كان لها نصيباً في صياغة هذا الخطاب، من خلال إجراءاتها الاستفزازية السابقة له، والأهم من ذلك كله أنه آن لشعبنا أن يحظى بفرصة بعيداً عن تنازع المنقسمين وصغائر كيّدهم، وأن تكون له قيادة وطنية موحدة ترقى لمستوى المسؤولية.