نماذج من الأغاني الشعبية والعديد، لما قالوا دا غلام ....إتشد ضهرى وإستقام.. ولما قالوا دي بنية .... اتـْهدّت الحيطة عليا
لا يخلو مجتمع من المجتمعات الشعبية من الاهتمام بوجود الطفل كعنصر مهم ورئيسي في بناء الأسرة ، كونه يدفع نحو التماسك الأسرى فى المقام الأول، كما أن وجود الأطفال يحافظ على استمرار اسم العائلة وممتلكاتها "إن وجدت " ويمنحهم قوة ومكانة
ولكن أغلب النصوص المأثورة سواء جاء في المثل الشعبي أو الموال أو المرثي أو الأغنية . أكدت على "تفضيل الذكر على الأنثى " أو بمعنى آخر التحيز ضد إنجاب الأنثى " فنرى في الأمثال الشعبية " ياريت على الطلق يكون غلام .. متكنش بنية وتشمت الجيران فيه " " جابت الولد جابت .. جابت البنية خابت " ومعنى هذا إنها إذا أنجبت الولد .. تكون أنجبت بحق .. أما إذا وضعت أنثى فقد خاب آمالها ... وجاءت بعض الأمثال .. بصيغة التورية دون التصريح المباشر للمعنى ولكنه عادة ما يفهم المغزى الحقيقي من المثل عند ضربه " ياريت الطلق كان ملان " وتعنى ملان أي مملوء بالجنين الذكر دون الأنثى .
وفى بعض أغنيات الهدهدة تأتى كلمات تحمل نفس الدلالة السابقة . رغم تنغيم مقاطعها إلا أنها تكون أقرب في غنائها إلى العديد منه إلى السرد ..
لما قالوا ده غلام .. انشد ظهر أمه وقام
ولما قالوا دى بنية .. هدموا الدار عليه
جابولى البيض بقشيره وعليه السمن شوية
أما إذا اعتبرنا إن المجتمع الشعبي يمكن له تقبل ولادة أنثى على سبيل الرضا أو القناعة بالقسمة والنصيب . فيقال مثلاً " أبو البنات مرزوق " أو " البنات رزقهم واسع " ...
ولكن دعونا نرى من الأغاني الشعبية كيف ترى الأم ابنتها ... وكيف تعدها للمجتمع ..
لما قالولي دى بنية
قولت الحبيبة جاية
تعجنلى وتخبزلى
وتملالى المية
كما يقال أيضاً " اللي معندوش بنات ميعرفش الناس إمتى مات " أو " اللي ملوش بنية .. تصبغ أياديها . تعيط بحرقة والناس تعزيها "، وكأن المجتمع طبطب على كتف الأم والأب بميلاد الأنثى لتنفعهم بعد الموت . فهي من سوف تنوح وتبكى وتصرخ وتولول عند الموت . وبذالك تكون الجنازة حارة . أي ذات صيت ويعرف منها من مات . لأن الأبناء الذكور عادةً لا تبكى عند المصائب والشدائد . لآن الموروث الشعبي يعتبر ذلك من صفات "النسوان " وليس من سمات الرجولة . أما بكاء النسوة فهو أمر طبيعي .
معظم الكلمات جاءت لتسخر من ميلاد الأنثى وتتحيز لإنجاب الذكر فجاء في المراثي الشعبية العديدة أو البكائيات ما يؤكّد هذا المعنى. كما ورد في عديد الميت الذي لم يترك ذكوراً، وترك إناثاً. فنجد مثلاً فتاة ترثى أباها المتوفى بقولها
"عتبي عليك يا ضهر أبوي وأمي .... مخلفتوليش خي يسأل عني "
ففي هذا الرثاء تتمنى الفتاة لو كان لها أخ ذكر، فتعتب على أبيها وأمها معاً .
ولأن المجتمع الشعبي يتمنى تخليد أسم الرجل فالبنات سيحمل أبنائهم أسماء أزواجهم . ولأن هناك من المجتمعات من لا يورث النساء ، فنجد بعض العديد يرثى المتوفى بما يفيد ذلك فيقولوا
طينتك كتيرة والنخل كالبرسيم
لو لك ولد كان عدل التقسيم
ويقولون أيضاً :
لو لكان له ولد ينزل معاه القبر
يطلع سراويله مليها الرمل
وذلك لإمكانية نزول الولد للقبر لدفن الأب والاطمئنان عليه . أما الأنثى فغير جائز لها ذلك .
ويرثى أيضاً المجتمع الشعبي الذي لم يترك أولاد خلفه
ندامة على اللي راح ما خلف
شبه الحمام لا باض ولا ولف
كذالك للمرأة التي ماتت دون أن تترك أولاد عديد خاص أيضاً ، يصور حالها فى هذا الموضوع . فهي التي رحلت دون أن تترك ولداً ، يبكيها"
مال الحبيبة نعشها مايل
ملهاش ولد بين الولاد شايل
مال الحبيبة نعشها محدوف
ملهاش ولد بين الولاد معروف
ومهما كان هناك من نساء وإناث يأخذن العزاء فعدم إنجاب الولد يعدم المرأة العزاء
فيقال أيضاً :
قليلة الولد يدوا عزاها لمين
يدوا عزاها للمقبرة والطين
قليلة الولد ياخدوا عزاها ياناس
يخدوا عزاها المقبرة والكاس
وحتى ستر العرض أثناء نزول الجثة القبر الذكر هو الحامي له ، فنجد من ترثى المرأة تأمر من ينزل المتوفاة القبر أن يسترها ، لأنها ليس لها ولد يحفظ جثتها أثناء نزولها القبر ، ويتولى ستر جسدها ، حتى لا يتطلع فيه الغرباء .. فتقول
حاسب عليها يا مدليها
ملهاش ولد أوعاك تعريها
حاسب عليها يامنزلها
ملهاش ولد اوعاك تبهدلها
أما المرأة التي أنجبت ذكور فنجد الجماعة الشعبية ترثيها بكثير من الاحترام والتبجيل والأسى
طالعة وراها رجال تحاديها يابويا هات أمي نراضيها
طالعة وراها رجال تعزيها يابويا هات أمي نطاليها
وإذا نظرنا لكل الأغاني الشعبية ، فإننا نجد صورة المرأة، هي أم أو أخت أو بنت أو زوجة لرجل .. تتجسد أوصافها وصورها منسوبة إلى هذا الرجل ، وتأخذ مكانتها ودورها باعتبار وظيفتها بالنسبة لهذا الرجل .. فنجد منذ ميلاد الطفلة ومع مراحل نموها
ست البنات يا زينة
من الشرق جم يخطبوكى
دا جابو الدهب بالويبة
ولا رضيش أبوكى
لا يغب عن بالنا ونحن نتصدى لموضوع المرأة بين الميلاد والوفاة في التراث الغنائي ، أن العوامل الاقتصادية الاجتماعية ، هي العوامل الأساسية في تشكيل العلاقات الاجتماعية ، التي تقوم بين أفراد المجتمع وفئاته ، وعلى ذلك ، فإن وضع المرأة ومكانتها في مجتمعها ، يتحدد على أساس هذه العوامل ، ذلك أن العلاقات الاجتماعية تنتظم في شكل أعراف ، وقواعد ونظم توجه السلوك وتضبطه ..
كما تتناسق فى هيئة تصورات ومفاهيم جامعة ، تصدر وجهات النظر لدى فئات ذلك المجتمع . ومن ثم . فإن فاعلية العلاقات الاجتماعية السائدة ، لا تقصر على صياغة أشكال الضبط الاجتماعي بالنسبة للمرأة وإنما تمتد هذه الفاعلية ، إلى تحديد صور الوعي الاجتماعي بالمرأة ..
فحين نتحدث عن الأرملة أو المطلقة مثلاً وكم التنكيل والتهكم عليها اجتماعياُ ، ومما تتحمله من أعباء اجتماعية . ليست بالضرورة إهانات مباشرة ، ولكن قد تكون في صورة موروثات لفظية يرثها الأبناء مع أمهاتهم التي عانت في تربيتهم منفردة لتجد أن مع أي خطأ يصدر من أبنائها وابل من الأقاويل الشعبية .
فعلى سبيل المثال لا الحصر .
" عمر النسا متربي عجل وينفع "
ومعناه أن المرأة لا تستطيع بمفردها تربية شخص واعي متزن ينفع نفسه والآخرين.. والخطأ هنا.. ليس فقط في المثال ولكن كلمة "عمر" التي هنا ترمز للاستحالة .
ونجد مثال آخر أكثر شهرة من السابق :
"فلان ده تربية مرة "
أى امرأة " وحتى إن نشأ الفرد في أسرة سوية ، ولكنه خرج منه أي تصرف خارج عن عرف الجماعة الشعبية ينعت بهذا النعت وكأن السبب الرئيسي لفشله أو خطأه راجع لامه أو من ربته .
ولا يصدمنا في ظل الظروف الاجتماعية ، التي تحياها المرأة في المجتمع الشعبي . والأحوال الثقافية التي تشكل وعيها ووعى المجتمع بأكمله ومدى التردي الثقافي والأخلاقي وانتشار العشوائيات . خلف لنا ميراث هائل من ألفاظ السباب والشتائم بخلاف الموجود والموروث بالفعل من المجتمعات الشعبية . ويكون المنوط الأول بتلك السباب هو الأم أي المرأة، تحملت المرأة أعباء كثيرة ومازالت تتحمل، وورثت كثيراً من الضغوط والعادات والمعتقدات والأعراف التي مازالت تعوق مسيرتها قديماً والآن، فمازلت تحكمنا عادات ومعتقدات وموروثات، هو في الواقع قوانين غير مكتوبة ، ولكنها بالفعل دساتير، لا تتغير ولا تتطور إلا بتطور المجتمع ونضوجه، ورفع وعيه.
نقلاً عن: ديار النّقب