المعتاد هو استذكار تاريخ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذكرى انطلاقتها، وكذلك إطلاق حديث طويل عن تمسكها بثوابتها رغم العواصف والمحن، ولكن هذا العام مثل فرصة حقيقية للحديث عن واقع الجبهة وما تمثله اليوم، فجبهة الأحرار عززت باستمرار إسهامها الوطني في الكفاح الموجه ضد العدو الصهيوني، وكان رفاقها عنوان بارز للنضال في فعاليات مسيرة العودة، وزينت سماء فلسطين بأقمار جدد من شهدائها، مؤكدة قدرتها على استلهام إرادة الشعب والتعبير عنها .
سياسيًا حافظت الجبهة على خطها الواضح في أولوية التناقض الأساسي مع العدو الصهيوني، دون التخلي عن العمل لأجل العنوان الديموقراطي داخل البيت الفلسطيني، بل إنها مزجت بين تصعيدها الكفاحي في وجه العدو، وتصعيدها لعناوين النضال الديمقراطي في الداخل الفلسطيني، وهي معادلة سعت الجبهة طويلا لتحقيقها، فعلى المستوى السياسي قدمت الجبهة موقفها الواضح في ملف انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، وواصلت عملها لتشكيل إجماع وطني ضاغط لأجل عقد دورة توحيدية له، وحافظت على موقفها الصلب ضد الانقسام مؤكدة على خيار الوحدة الوطنية كناظم لعملها، وعبرت الجبهة تاريخياً بشجاعة وفرادة رفضها محاولات فرض الوصاية من الأنظمة العربية الرجعية ودول التطبيع العربي على القضية الفلسطينية، وكذلك محاولات تمهيد الطريق لصفقة القرن تحت عناوين ومشاريع "معيشية" هدفت لفرض الاستسلام على شعبنا. وأجادت الجبهة التعامل مع الحالة المستعصية للانقسام الفلسطيني وتمظهراته السلبية، بروحية وطنية عالية سعت دوما للتجميع الوطني، وواجهت مشاريع تعميق الانقسام مثل خطوات فرض العقوبات على أهلنا في قطاع غزة.
وبالعودة للعنوان الأساسي أي عنوان المواجهة مع العدو الصهيوني أجادت الجبهة المزاوجة بين مختلف أدوات الكفاح ضد هذا العدو، فكانت عنوان من عناوين صد الهجمة التطبيعية، بجانب جهدها الكفاحي جماهيريا وعسكريا على أرض فلسطين المحتلة، هذه ليست قصيدة مديح في حزب سياسي، بل انصاف لتاريخ عُمد بالدم والتضحيات العظيمة والمبادئ الحكيمة والقيم النبيلة، مما يضع المزيد من المسؤولية التاريخية أمام الجبهة وعموم عضويتها وكادراتها وقياداتها ومحيطها الجماهيري، لأن تخرج من دائرة طقوس الاحتفالات المعتادة في مثل هذه المناسبة، والنظر بعمق للأزمة العامة التي تضرب في أركان الحركة الوطنية، ومعها مأزق القضية الفلسطينية، التي لدى الجبهة جرأة الوقوف أمامها ووعي أسسها وأسبابها، ونقد واقع حالها، ووضع مقدمات حقيقية للنهوض الوطني من بوابة ما تختزنه من تجربة عنوانها الاستمرارية التاريخية، والذاكرة الجمعية التي تحرس الهوية والقضية الوطنية بآفاقها وأبعادها القومية.
من هنا نستطيع القول، بأن هذا العام (الواحد والخمسين) يجب أن يفتح الباب واسعاً أمام المهمة النهضوية التاريخية ليعاد للفكرة هويتها، وللشعب دوره، وللثورة دربها، وللمنفيين عودتهم، وللشهداء حقهم، ولفلسطين عروبتها، وهذه دعوة ونداء واضح لأبناء الحكيم وأبو علي ورفاق سعدات، دعوة ونداء للفخر بهذه الجبهة، والانطلاق لآفاق أرحب وأوسع تعكس الإرادة الوطنية الحقيقية لحزبكم، ولشعبكم، بأن تحملوا وهج الفكرة المطلوب أن تستمر حية على قيد الظفر بشعلة النصر بتحقيق هدف التحرير وبناء الوطن الحر الديموقراطي.